التلوث البيئي يفتك بالعراقيين أمام عجز الحلول الحكومية
جمعية إغاثة البيئة العراقية: وزارة البيئة لم تتمكن من ضبط أيّ مخالفات بيئية، حتى تلك التي أعلنت أنّها سيطرت عليها. فقد عاودت الإساءة إلى البيئة، وأدّى ذلك إلى تدهور الوضع المناخي في البلاد، وجرّت معها مشكلات كثيرة
بغداد – الرافدين
يشهد العراق تصاعدًا مقلقًا في مستويات التلوث البيئي، حيث باتت السحب الكبريتية، الناتجة عن النشاطات الصناعية وحرق الوقود الأحفوري، ظاهرة متكررة في سمائه.
وتمثل مظاهر التلوث المختلفة جرس إنذار بيئي وصحي خطير، إذ تُسهم في زيادة أمراض الجهاز التنفسي وتلحق الضرر بالتربة والمياه.
وتستمر السحب الكبريتية في تهديد صحة العراقيين، وسط غياب التشريعات الرادعة والتكنولوجيا الحديثة للتقليل من الانبعاثات وسط تقاعس حكومة السوداني عن فرض سياسات حازمة لحماية المواطنين من تبعات التلوث المستمر.
وشهدت العاصمة بغداد الأربعاء الثلاثون من تشرين الأول 2024، عودة سحابة الكبريت إلى سمائها بعد أن اختفت للأسابيع الثلاثة الماضية.
وأفاد عدد من المواطنين أن” السحب الدخانية ورائحة الكبريت غطت جميع مناطق العاصمة، وتركزت بالغالب في مناطق شرق العاصمة وغربها دون معرفة أسباب انبعاث الرائحة أو سبب عودة السحب الدخانية إلى سماء العاصمة”.
وتخيم رائحة الكبريت والدخان في أجواء بغداد، ويصف مواطنون الدخان في أجواء بغداد بالضباب الذي يصعُب معه استنشاق الهواء بسهولة، وسط تأكيدات أن مصدرها معامل تدوير أسلاك الكهرباء والبلاستيك التي تحيط ببغداد، وكذلك مطامر النفايات.
وزاد غضب أهالي بغداد بعد ما أشار إليه عضو مجلس محافظة بغداد علي المشهداني الذي أكد “انتشار رائحة الكبريت في سماء العاصمة”، شارحًا أنّ سببها “معامل الطابوق (الآجر) وغيرها في الأحياء السكنية والقريبة من تلك الأحياء”.
وتحدّث الخبير في الأحوال الجوية والبيئة صادق عطية، عن زيادة في تركّز ثاني أكسيد الكبريت في أجواء بغداد بلغت نحو 60 مليغراماً بالمتر الواحد، وسبّبت انتشار رائحة كريهة تشبه رائحة الكبريت. وتناول حرق الوقود الأحفوري الذي يُعَدّ المصدر الأوّل لثاني أكسيد الكبريت، إذ يصل التلوّث الناجم عنه إلى مستويات خطرة بالقرب من المحطات التي تعمل على الفحم ومن مصافي النفط، وفي المناطق ذات الطابع الصناعي.

وعد ناشطون استقالة وزير البيئة في العراق نزار آميدي مؤشرًا قويًا على الفشل الحكومي في معالجة ملف التلوث البيئي الذي يشكل تهديدًا متزايداً لصحة المواطنين والبيئة على حد سواء.
وأضافوا أن الاستقالة تبرز عدم كفاءة الجهات الرسمية في مواجهة ضغوط الصناعات الملوِّثة، لا سيما في قطاع النفط الذي يُعدّ مصدرًا رئيسيًا للتلوث في العراق.
وأكدوا أنه في ظل هذه الاستقالة، يصبح من الواضح أن المعالجة السطحية والمحدودة لمشكلة التلوث لم تكن كافية، بل زادت من تفاقمها، حيث يُدفع المواطنون ثمناً باهظًا نتيجة هذا الإهمال الحكومي.
وفي الإطار نفسه، قالت عضو جمعية إغاثة البيئة العراقية حنان الموسوي، إن “وزارة البيئة لم تتمكن من ضبط أيّ مخالفات بيئية، حتى تلك التي أعلنت أنّها سيطرت عليها. فقد عاودت الإساءة إلى البيئة، وأدّى ذلك إلى تدهور الوضع المناخي في البلاد، وجرّت معها مشكلات كثيرة”.
وأشارت إلى أنّ “وزارة البيئة من الوزارات غير المهمّة” عند السلطات، لذلك لا يجري التعامل مع أيّ من المستجدّات في داخلها بطريقة التعامل نفسها الخاصة بوزارة الداخلية أو وزارة الدفاع”.
وافرد برنامج “تحت الضوء” الذي يبث على قناة “الرافدين” مساحة للحديث عن كارثة التلوث التي تتفاقم بوتيرة متزايدة خلال الآونة الأخيرة، في حلقة تحت عنوان التلوث في العراق ومخاطر الموت المحقق.
وقال الطبيب العراقي إبراهيم سليمان خلال مشاركته في البرنامج إن “استقالة وزير البيئة في العراق تدلل بشكل واضح أن هناك خللًا كبيرًا في معالجة القضايا البيئية وآلة الفساد الحكومي تمنع تسليط الضوء على خطورة إهمال هذا الملف ومن يعجز عن مكافحة الفساد لا ينتظر منه إصلاح الواقع البيئي فهذه السلطة لا تحترم المواطن العراقي”.
وأشار إلى أنه “بالرغم من الميزانيات الضخمة التي يمتلكها العراق إلا أن السلطة الحاكمة لا تقدم المخصصات المالية المناسبة لإصلاح الواقع البيئي”.
وأكد على أن “كافة فئات المجتمع تعاني من مشكلة التلوث التي عمت كافة أشكال الحياة من المستشفى إلى المناطق السكنية إلى المدارس فالمواطن العراقي يذبح وحكومات الاحتلال تتلذذ بعذاب العراقيين”.

وقال الطبيب العراقي وليد بريسم خلال مداخلة له البرنامج إن “التلوث هو حالة انعدام التوازن البيئي بما يؤثر على صحة الإنسان والحيوان والنبات وهناك أنواع كثيرة منه كالتلوث المائي والهوائي والسمعي والعراق يتعرض لكافة أنواع التلوث”.
وأضاف أن “المواطن العراقي بات يتنقل من كارثة بيئية إلى أخرى فهناك أزمات في معالجة مخلفات الصرف الصحي والانبعاثات النفطية وعوادم السيارات والمولدات وغيرها في ظل غياب القيود الصارمة التي تحد من آثار التلوث”.
ولفت إلى أن “الحكومة تمارس التجهيل بحق الشعب العراقي في كافة المجالات بشكل عام وعلى وجه خاص الملف البيئي فهي لم تقم بالحملات التوعية والتثقيفية فالمجتمع هو بالأصل أحد الأسلحة لإنتاج التلوث البيئي وإذا انعدمت الثقافة تنعدم حالات المحافظة على البيئة فضلًا عن أن المخصصات لوزارة البيئية لا تكفي لبناء مجمع تجاري واحد من مجمعات الفاسدين”.
وأكد على أننا “نفتقد الحكومة الرشيدة التي تلبي مطالب الشعب وتطلعاته وتضع الحلول والخطط الحقيقية الناجعة لإنقاذ الواقع البيئي حتى بات العراق داخل كارثة بيئية متعددة الأسلحة “.
وصرحت عضو لجنة الصحة والبيئة النيابية، ثناء الزجراوي، بأن التلوث البيئي في العراق ليس بالأمر الجديد، ولكنه زاد بشكل كبير في الآونة الأخيرة، مؤكدة أن التخلص منه يحتاج إلى جهد حكومي حثيث.
وقالت الزجراوي إن “تلوث البيئة في العراق هو أمر قديم، لكن الذي زاده هذه الفترة هو استخدام الوقود الثقيل من قبل معامل الإسفلت ومحطات توليد الطاقة في الدورة، فعندما تنطفئ لأغراض الصيانة، ينبعث منها ثاني أوكسيد الكبريت إلى طبقات الجو”.
وتابعت أن “هذه الانبعاثات لا نشعر بها في الصيف لأنها تنبعث بسرعة إلى الطبقات العليا، أما في الشتاء وفي فترات الرطوبة ينحبس ثاني أوكسيد الكبريت في الغلاف الجوي، وهذا الدي زاد الأمر سوء”.
وأشارت إلى أنه “يجب اتخاذ إجراءات خاصة لمنع هذه الانبعاثات، وتحتاج إلى جهد حكومي كبير وحثيث للحد منها”.
وخلصت إلى أن “هذا التلوث خطر على الجميع، ولا يقتصر فقط على أصحاب الأمراض المزمنة”.

وترى الباحثة المهندسة البيئية سعاد العزاوي الأستاذة السابقة في جامعة بغداد، أن “الفساد في العراق أصبح “سلاحًا يقتل العراقيين يوميًا”. فعلى مدى عقدين، تعتمد محطات توليد الطاقة الكهربائية على النفط الأسود والديزل ذوي النسبة العالية من الكبريت، بدلاً من التحول إلى الغاز الطبيعي أو تركيب فلاتر لتقليل الانبعاثات السامة”.
وأشارت العزاوي إلى أن “هيئة حماية البيئة لا تستطيع إغلاق هذه المحطات بسبب الحاجة الشديدة للكهرباء، إذ يحتاج العراق إلى 40 ميغاوات ولا ينتج سوى 25 ميغاوات، نصفها من منظومات قديمة. ويعتمد الباقي على الغاز الإيراني بتكلفة خمسة مليارات دولار سنويًا”.
وأضافت أن “معامل الطابوق والإسمنت، التي تستخدم النفط الأسود، وحرق النفايات الخطرة بما فيها الإلكترونية، تسهم أيضًا في زيادة تلوث الهواء بالعراق. ونتيجة لذلك، تتزايد معدلات الوفيات والأمراض السرطانية، ما يجعل العراق من بين أسوأ عشر دول في تلوث الهواء عالميًا لأكثر من عشر سنوات”.
ويرى عضو هيئة مكافحة الفساد في العراق سعيد موسى “نحن كبغداديين نتنفس الهواء الملوث بشتى أنواع الأبخرة والغازات المسمومة، والتي تنتج منها شتى أنواع الأمراض منها المنظورة كالسرطان، ناهيكم عن الجهاز التنفسي وأمراض الدم والأمراض الجلدية، وهذه من نتائج تخلف السياسات العامة القطاعية في تحسين البيئة وإنفاذ القانون والردع وتخلف المساءلة”.
وأضاف “عندما أسمع عن تحليلات وتصريحات حول ظاهرة التلوث البيئي، تقفز في ذهني أسئلة عدة، أين كانت وزارة البيئة وقبلها الصحة؟ أين السياسات العامة لأمانة بغداد؟ بل أين نظام المتابعة لهذه السياسات والاستراتيجيات؟ أين وزارة النفط ووزارة الكهرباء وسياساتها في استخدام الوقود وخطط الطاقة النظيفة؟ أين نظام المساءلة والمحاسبة للمؤسسات والدوائر المتخلفة عن تنفيذ هذه الخطط؟ أين تقاريرها الدورية في إبلاغ القيادات الإدارية؟ أين وزارة الصناعة في منح الإجازات الصناعية ومتابعتها في الالتزام بمعايير الجودة ومراعاة البيئة؟”.
