هل تساوم إيران على ميليشيا حزب الله؟
تشير بعض التقديرات لاحتمال عقد صفقة كبرى بين إيران، التي تلزم ميلشياتها، والولايات المتحدة والكيان الصهيوني، لتقاسم النفوذ في الشام والعراق وفلسطين. وبمعنى آخر، أن يجري توقيع تفاهم بينهم، ينظم تقسيم الأدوار لإحكام السيطرة على المنطقة العربية.
كما تشير التقديرات إلى أن عقد مثل هذه الصفقة سيأتي على خلفية تحول إيران إلى قوة وحيده مقاتله في الإقليم “في ظل الغياب العربي” بما حرك ردود فعل غربية موحدة، أمريكية وبريطانية والمانية لإعادة ترتيب الأوضاع المستجدة بعد طوفان الأقصى وإعادة ضبطها للحفاظ على الإطار الإستراتيجي لتخادم المصالح بينهم.
وقد انتقلت تلك التقديرات من التعميم إلى التخصيص، فباتت تشير صراحة إلى أن عقد هذه الصفقة والتفاهم سيكون مفتاحها، مساومة إيران على ميليشيا حزب الله.
فهل ذلك ممكن؟ وكيف سيتصرف حزب الله في تلك الحالة؟
من يطرحون مثل هذا التقدير، يرون أن أي تسوية بهذا الشأن وفي ظل الأوضاع الراهنة ستقوم على إلزام إيران بتقديم تنازلات في مقابل اعتمادها رسميا للقيام بهذا الدور، وأن إيران لا يمكن لها المساومة على نظامها السياسي ولا على مجمعها الصناعي والعسكري، وأن تنازلاتها ستكون بشأن أوراقها الخارجية التي هي موضع التسوية تحديدا وهدف إعادة ضبط السلوك.
وأن الولايات المتحدة والغرب والكيان الصهيوني، سيركزون على هدف اجتثاث رأس حزب الله دون غيره، باعتباره الركيزة الأساسية لإيران في النشاط الاستعماري في المنطقة العربية –بما يزاحمهم على النفوذ- ولأهمية وحساسية مكان نشاطه الذي يجري على حدود فلسطين المحتلة ويؤثر على الركيزة الغربية الأهم.
ويرون في جانب آخر، أن إيران هي دولة برغماتية، وأن برغماتيتها تتفوق على شعاراتها الطائفية والأيديولوجية. وأنها إذا فاضلت، بين بقاء نظامها السياسي واستمرار برنامجها النووي وعدم تضرر حقول نفطها، وبين أحد ميلشياتها، فهي لن تتردد في الذهاب في طريق التضحية بها.
وأن إيران ستقول لنفسها وللآخرين أن دور ميلشيا حزب الله، سيذبل وتقل أهميته للإستراتيجية الإيرانية، بعد عقد صفقة التسوية مع الغرب.
ومن جانب ثالث، فإيران إذا فاضلت بين ميليشياتها في العراق وميلشيا حزب الله، ستختار الإبقاء على الميليشيات الإيرانية في العراق. ذلك أن العراق بلد كبير وأساسي في مشروع الإمبراطورية الفارسية، كما هو بلد نفطي تحقق السيطرة عليه لطهران التحول إلى الدولة النفطية الأولى في العالم، ولأنه أهم لها في المرحلة الإستراتيجية القادمة، التي ستتوجه خلالها إيران، بعد انتهاء تسويات تقاسم النفوذ بشأن الشام والعراق، في اتجاه دول الخليج وتركيا.
وأن إيران يمكن أن تقول لغيرها، إن الحاضنة الطائفية لميليشيا حزب الله تنتقل إلى العراق، ضمن عملية إعادة هندسة السكان الجارية في هذا الإقليم، وأن الشيعة سيظلون رقما مهما في لبنان، لوجود ميليشيا حركة أمل برئاسة نبيه بري، وبذلك لن تفقد إيران وجودها ودورها في لبنان.
لكن، كيف يستقيم مثل هذا الاحتمال فيما المعارك جارية، وفيما صواريخ ميليشيا حزب الله ما تزال قدرتها في تصاعد في الحرب الجارية؟
والإجابة ببساطة، لأن التسوية لم تتم بعد، ولأن عقد مثل تلك الصفقة يحتاج إلى وقت، إذ ما يزال الطرفين في مرحلة حشد وجمع الأوراق لتحقيق للجلوس للتفاوض من وضعية أفضل. هذا ما يفعله الكيان الصهيوني بأعمال التدمير والقتل في الجنوب اللبناني وفي الضاحية الجنوبية لبيروت، وهو ما تفعله ميلشيا حزب الله وبقية الميليشيات الإيرانية في الإقليم، إذ تسير بخطى تصاعدية لإيصال رسالة مفادها، أنها قادره على البقاء، وأن الحرب لن ينتج عنها انتهاء دورها في الإقليم، وأن التفاوض مع إيران هو الحل. وبالدقة، أنها البديل الأمثل للدور الصهيوني في السيطرة على الإقليم.
وهنا يجب الإشارة بدقة، إلى أن الولايات المتحدة، قدمت الأيام الأخيرة لإيران عربونا يوضع في خانة الاستعداد لعقد تلك الصفقة.
لقد سجل الرئيس الأمريكي جو بايدن علنا، أنه من أنقذ النووي الإيراني والنفط الإيراني من القصف الصهيوني.
فخلاصة ما تم في الرد الصهيوني، هو أن الرئيس بايدن هو من منع تدمير مقدرات إيران الإستراتيجية وحماها، وأنه فعل هذا لرؤيته بأهمية الدور الإيراني في تحقيق السيطرة على الاقليم، ولإظهار أن الولايات المتحدة شديدة الحرص على بقاء إيران قوية، والأهم في هذا التوقيت، أن بايدن وجه رسالة واضحة لإيران، بضرورة وأهمية ترتيب تسوية تلتزم فيها إيران بتقديم تنازلات تساوي الحفاظ على برنامجها النووي ونفطها، وبطبيعة الحال نظامها السياسي.
وهكذا يمكن القول باطمئنان، أن احتمال عقد صفقة تسوية على حساب دور ميليشيا حزب الله، هو سناريو وارد.
لكن كيف يتوقع أن يتعامل قادة ميليشيا حزب الله مع مثل هذا القرار الإيراني؟
بطبيعة الحال، فالحزب ملتزم بما يصدر عن الولي الفقيه على خامنئي، وهو لن يرفض مثل تلك الصفقة، وهو كذلك لا يستطيع البقاء دون دعم إيراني مالي وعسكري وسياسي.
وفي الأغلب سيضمن الاتفاق استمرار وبقاء الحزب داخل أروقة السياسة اللبنانية كحزب سياسي، مع توفير الحماية لمن يتبقى من قادته الحاليين.
فهل نكون أمام هذا الاحتمال عمليا في وقت قريب؟ أم أن الأمور لا تزال بحاجه الى وقت وقتال حتى تنضج؟ وهل ثمة احتمال لحدوث تطورات دولية تمنع حدوث هذا السيناريو؟
تلك أسئلة يجيب عنها الوقت.