الأمطار تسدل الستار عن مزاعم تطوير البنية التحتية وإعادة الإعمار في العراق
مواطنون يحملون حكومة السوداني مسؤولية الإهمال في صيانة البنى التحتية بعد أن كشفت الأمطار زيف المنجزات الوهمية التي تروج لها حكومة الإطار، فضلًا عن سوء إدارتها للبلاد.
بغداد – الرافدين
انتقد مواطنون ونشطاء عراقيون غياب الاستعدادات الحكومية لاستقبال الشتاء وموسم الأمطار بعدما غرقت شوارع العاصمة بغداد وعدد من المحافظات الأخرى بمياه الأمطار في وقت تصف فيه حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني نفسها بأنها حكومة خدمات تسهر على راحة المواطنين.
وقالوا إن اكتفاء السلطات الحكومية بتعطيل دوام المدارس وعدد من الدوائر ما هي إلا حلول ترقيعيه للتنصل من المسؤولية بعدما غرق العراق بالفشل المستدام والفساد والعشوائية وسوء الإدارة قبل غرقه بمياه الأمطار.
وتشهد مناطق وسط وغرب العراق منذ السبت ولغاية كتابة هذا التقرير هطولًا للأمطار بعضها بغزارة مما تسبب بغرق مناطق واسعة في بغداد وصلاح الدين وديالى والتأميم والأنبار مع توقعات بأن تمتد هذه الحالة لتشمل عموم البلاد، وفقًا للأرصاد الجوية.

وسخر مدونون من غرق المناطق الراقية في العاصمة وتحديدًا منطقتي زيونة وبعض أحياء المنصور، فيما تناول ناشطون غرق مجسر قرطبة وسط بغداد الذي تم افتتاحه في نيسان الماضي واستمرت أعمال تشييده 200 يوم.
وتداول المدونون والنشطاء صورًا ومقاطع توضح حالة الشوارع والبيوت والدوائر الرسمية والمرافق الخدمية بعدما غمرتها مياه الأمطار وسط تساؤلات عن مصير المليارات التي صُرفت على مشاريع إنشاء وتأهيل شبكات الصرف الصحي في البلاد طيلة السنوات الماضية لاسيما تلك التي ادعوا إنها صرفت على تطوير البنية التحتية خلال حقبة تولي السوداني منصب رئاسة الوزراء.
وقال مسؤول في أمانة بغداد إن “عوامل عديدة تقف خلف أزمة الفيضانات أبرزها الفساد الإداري”.
وأكد المسؤول الذي – فضل عدم الكشف عن اسمه- عدم وجود رقابة على الفاسدين، وأن المشاريع تدار عبر حلقة من المسؤولين الفاسدين المدعومين من قبل شخصيات وأحزاب وميليشيات.
وأشار إلى، أن مشاريع البنى التحتية للأحياء السكنية وإدامة وإنشاء مجاري الصرف الصحي وتصريف مياه الأمطار، تنفق عليها مبالغ كبيرة دون أي نفع يذكر.
وتابع، “لولا الفساد لتحولت مدن العراق في خلال السنوات القليلة الماضية إلى مدن مثالية من ناحية البنى التحتية المتعلقة بتصريف المياه بنوعيها مياه الأمطار والصرف الصحي، نظرًا للمبالغ الطائلة التي أنفقت في هذا المجال، لكنّها ذهبت إلى جيوب الفاسدين”.
في غضون ذلك أعاد ناشطون تداول مقاطع مصورة سابقة عن مسؤول في ميليشيا الحشد يشير فيها إلى أن بغداد لن تغرق ما أثار سخرية واسعة على منصات التواصل الاجتماعي، في إشارة لفشل الحكومة الحالية في مواجهة موجات الأمطار.
وتهكم عراقيون على سوء الخدمات من خلال إلقاء شباكهم وسط المياه المتجمعة في الشوارع للصيد بشكل ساخر من الأوضاع المزرية التي يعيشها العراقيون خلال فترة حكومة الخدمة في عام الإنجازات كما أطلق عليه السوداني.

ووصلت مياه الأمطار ومياه الصرف الصحي التي فاضت هي الأخرى السبت والأحد إلى المستشفيات والمراكز الصحية كما حصل مع مستشفيات الشيخ زايد وابن سينا في بغداد، فيما أكد ناشطون أن موجة الأمطار الغزيرة “عرّت” شبكات الصرف الصحي (المجاري) أمام أول اختبار حقيقي تشهده البلاد في هذا الشتاء.
وقال أحد الأطباء الذي واجه صعوبات في الوصول إلى عمله في مستشفى ابن سينا “كأننا في خضم كارثة طبيعية، لكن الحقيقة أنها ليست كارثة قدرية بقدر ما هي كارثة إدارية”.
بدوره أكد مواطن غاضب من بغداد أن “هذه المشاهد لو كانت في دول أخرى، لكانت تُعتبر كارثة وتستوجب إعلان حالة الطوارئ، لكن هنا أصبح الأمر جزءًا من حياتنا”.
وكان انقطاع الكهرباء، وشلل الطرق، وتعطيل المدارس والتعطيل الجزئي لدوام الجامعات السمة الأبرز لهذا اليوم الماطر في بغداد، الأمر الذي جعل المواطن يبحث عن مخرج بين أسوار البيروقراطية والتخطيط السيء.
وعبّر طالب في إحدى الجامعات في بغداد عن خيبة أمله بالقول إن “الحرم الجامعي لم يسلم من الغرق، والأدهى أننا نعطل الدوام باستثناء الامتحانات الوزارية، وكأن الإنجاز أهم من الأرواح”.
وفي السياق شهدت محافظة ديالى، غرق معظم الأحياء السكنية والشوارع بفعل غزارة الأمطار.
وذكرت مصادر صحفية، إن مناطق المحافظة شهدت أمطارًا غزيرة أدت إلى غرق معظم الأحياء السكنية والشوارع في المحافظة.
وباتت ديالى على حافة فيضان محتمل وفقًا لخريطة الأمطار التي تشير إلى تدفق السيول من جبال المنطقة.
وأشارت تحليلات الطقس إلى أن استمرار الأمطار يعزز من المخاوف من تكرار سيناريو 2018 حين عانت المحافظة من خسائر بشرية ومادية جسيمة في حين، أشار أحد المسؤولين إلى أن السلطات المحلية تطلق التحذيرات لكن لا أيدٍ تسعف، والكل مشغول بتصريحات دون أفعال”.
وفي مشهد متكرر في صلاح الدين، أدت السيول القادمة من الجبال إلى قطع الطريق الرابط بين بيجي ونينوى، مما زاد من عزلة بعض القرى وسط تحذيرات لسائقي المركبات مفادها “لا تغامروا، الطرق غير آمنة ومياه السيول لا ترحم”.
وفي تكريت مركز محافظة صلاح الدين، أدى انهيار بناية مستشفى قيد الإنشاء إلى إثارة تساؤلات حول جودة المشاريع الهندسية والتنفيذية، إذ قالت إحدى المهندسات في موقع قريب “هذا الحادث يعبر عن مشكلة أعمق من مجرد أمطار غزيرة، نحن نتحدث عن بنى تحتية تُبنى لتنهار”.
وفي كركوك مركز محافظة التأميم، اجتاحت المياه الأحياء السكنية، إذ أفادت مصادر من المدينة أن عشرات الأسر اضطرت إلى إخلاء منازلها واللجوء إلى المدارس التي أُعدت كمراكز إيواء مؤقتة.
وفي مخيم بزيبز للنازحين في عامرية الفلوجة بمحافظة الأنبار اشتكى نازحون عراقيون من أوضاعهم الصعبة، في ظل انخفاض درجات الحرارة وموجة الأمطار التي ضربت البلاد، واستمرار معاناتهم منذ أكثر من 10 سنوات مع إهمال حكومي لأوضاعهم ولملف عودتهم لمناطقهم الأصلية.
وناشد النازحون الحكومة الحالية والمنظمات الإغاثية والحقوقية لوضع حد لمعاناتهم وحل ملف عودتهم لمناطقهم، بعدما أغرقت مياه الأمطار خيمهم المهترئة.

واجتاحت مياه الأمطار الأحد خيم النازحين التي لم تحمهم من شدة المطر ولا من درجات الحرارة المنخفضة، في مشهد يعكس مدى تقصير وإهمال الحكومة والجهات المعنية لملف النازحين في وقت تفتح الأبواب مشرعة لاستقبال اللاجئين من لبنان.
ويقضي مئات الآلاف من النازحين العراقيين شتاءهم العاشر وسط ظروف مأساوية في خيم مهترئة، مع افتقادهم لأبسط أساسيات الحياة اليومية، وتلاشي آمالهم باقتراب عودتهم لديارهم بسبب دمار مناطقهم، بالإضافة إلى خوفهم من بطش الميليشيات التي تسيطر على مناطقهم مع عدم قدرة الحكومة على حمياتهم.
ونشر الصحفي العراقي عثمان المختار مجموعة صور للنازحين في مخيم بزيبز وعلق عليها بالقول “هذا حال المُهجرين العراقيين السنة من أهالي المدن التي تحتلها المليشيات بعد أمطار وعواصف اقتلعت خيامهم في مخيم بزيبز الليلة الفائتة”.
وطالب المختار في منشور له على منصة أكس السلطات باعتبارهم زوّارًا باكستانيين داعيا الجهات ذات العلاقة إلى توفير مأوى يليق بآدمية الانسان في وطنه.
في المقابل تصر الجهات الحكومية على رفض الإقرار بأي تقصير أو إهمال، وتبرر لفشلها في إدارة الأزمات، من خلال تشكيل غرف العمليات لمتابعة أزمة الأمطار والسيول في المدن المتضررة كما هو الحال مع إعلان قيادة العمليات المشتركة فجر الأحد، إجراءات فورية لإغاثة متضرري السيول والأمطار في محافظات شمال وغرب العراق دون أن يلمس المواطن أي من تلك الجهود على ارض الواقع.