حكومة الإطار تشن حملة اعتقالات بدوافع طائفية في مناطق حزام بغداد
الميليشيات الطائفية تسعى إلى تغيير تركيبة مناطق حزام بغداد السكانية في محاولة لتغيير هوية بغداد التأريخية عبر حملات اعتقال واختطاف ومصادرة للأراضي تتوج لاحقًا بتعداد سكاني يكرس واقعًا شاذًا في تلك المناطق.
بغداد – الرافدين
كشفت مصادر محلية وصحفية عن تنفيذ ميليشيات الحشد الشعبي حملة مداهمات واعتقالات الاثنين، طالت العديد من أبناء مناطق حزام بغداد الواقعة جنوبي وجنوب غربي العاصمة، بدعم ومساندة من الفرقة السابعة عشرة في الجيش الحكومي المنتشرة هناك.
وأكدت المصادر اعتقال عدد كبير من الشباب والرجال واقتيادهم إلى أمكان احتجاز مجهولة، في إطار حملة اعتقالات متجددة تقف خلفها دوافع طائفية تسعى إلى إكمال مشروع تغيير ديموغرافية حزام بغداد.
وبينت أن القوات الحكومية والميليشيات المرافقة لها والتي يرتدي عناصرها الزي الأسود؛ زعمت أن حملة الاعتقالات طالت أشخاصًا بتهمة “الترويج للبعث” في ذريعة تسوقها أحزاب السلطة الطائفية بين الحين والآخر لتبرير القيام بمثل هذه الحملات التي تأتي ضمن إطار مشروع التغيير الديموغرافي.
وقال الصحفي العراقي عثمان المختار إن “ميليشيات الحشد تنفذ عمليات اعتقال للمواطنين بمناطق حزام بغداد منذ يومين طالت أشخاصًا مُدققين أمنيًا بينهم موظفون وطلاب مع اعتداءات وتخريب أثاث وعبارات طائفية”.
وأشار المختار في منشور له على منصة أكس إلى أن “العراق البلد الوحيد في الكوكب فيه أكثر من 10 جهات تتولى عمليات اعتقال الناس ولكل جهة سجونها ومراكز تحقيقها”.
وأضاف “ما يُعرف بـ”أمنيّة الحشد” تعتقل، وجهاز مكافحة الإرهاب يعتقل، والشرطة الاتحادية تعتقل، والجيش يعتقل، والأمن الوطني يعتقل، والاستخبارات تعتقل، والشرطة المحلية تعتقل، والمخابرات تعتقل، و(كل واحد يده له).. تخيل حتى ريان الكلداني، عنده مركز احتجاز وتحقيق في سهل نينوى”.
وتؤكد مصادر سياسية أن حملة الاعتقالات الجديدة ليست بمعزل عما يحصل من تشريد لآلاف العائلات وتجريف بساتينهم ومزارعهم بعد فسخ عقودهم الزراعية ضمن مخطط كبير يجري عبر عدة مراحل ومنذ سنوات لتكريس واقع جديد يستهدف تغيير هوية بغداد التأريخية.
وترى المصادر أن التغيير الديموغرافي والممارسات والانتهاكات الطائفية التي تجري برعاية حكومية وإرادة سياسية لقوى الإطار التنسيقي التي تعلن الولاء لإيران يمكن وصفها بأنها جريمة مكتملة الأركان تستهدف التركيبة السكانية لبغداد عبر استهداف مناطق مأهولة بالسكان زراعية ومُنتجة وطرد سكانها الأصليين ممن يتواجدون فيها منذ ما قبل قيام الدولة العراقية.
وتعمد الميليشيات منذ العام 2016 على تنفيذ مخطط تغيير ديموغرافي يرتكز على إخراج أصحاب الأراضي الزراعية في مناطق حزام بغداد من أجل تغيير هوياتها ديموغرافيًا عبر تهديد المواطنين بالاعتقالات والاختطاف.
ففي كانون الثاني عام 2016 جرى طرد نحو 1800 عائلة من مزارعها وبيوتها تحت ذريعة انشاء سور بغداد الأمني، وتم تجريف ما لا يقل عن 7 آلاف دونم زراعي وبساتين ومزارع تربية دواجن ومواشي من أبو غريب والرضوانية وصدر اليوسفية والطارمية ومناطق أخرى.
وفي تموز 2017 جرى فسخ عقود زراعية لـ 288 مزارع من أبناء اللطيفية (خلف محطة الغاز) جميعهم من قبائل القراغول والجنابيين والدليم بحجة التدقيق الأمني والإرهاب، وبعد نحو عام فقط تم تسليم الأراضي الزراعية لأشخاص آخرين من خارج المنطقة ثم قاموا بتقسيم تلك الأراضي وتوزيعها على شكل قطع تبلغ مساحتها 200 و250 متر.
وفي كانون الأول 2018 جرى اعتبار نحو 4 آلاف دونم زراعي غرب مطار بغداد في مقاطعة الرضوانية منطقة عسكرية وطرد الفلاحيين والمزارعين منها.
وفي نيسان 2019، جرى الاستيلاء على مساحات كبيرة زراعية في الرضوانية وإخلائها من أهلها، بحجة الملعب السعودي الذي أهدته الرياض لحكومة عادل عبد المهدي، ورغم أن موقع الملعب جرى تغييره إلى منطقة بسّماية إلا أن تلك الأراضي لم يتم إعادتها لأصحابها.
وفي عام 2020 بدأت حكومة مصطفى الكاظمي بواحدة من أكبر عمليات الطرد لأهالي الرضوانية تحت حجة مشروع “الرفيل”، السكني، الذي قرروا بناءه على أراضي ومزارع الأهالي هناك، دون تعويض أو بدل تحت حجة فسخ عقودهم الزراعية لإقامة مشاريع استثمارية.
وفي ذات العام كذلك جرى توزيع أراضي سكنية في أبو غريب وقرب مرسلات أبو غريب لموظفي مستشفى الشعلة وتلفزيون العراقية (شبكة الإعلام العراقي) والحشد الشعبي ضمن حلقات تغيير ديموغرافية تلك المناطق.
وفي كانون الأول من عام 2020 صادرت وزارة الدفاع أكثر من 15 ألف دونم زراعي في حزام بغداد وشردت نحو ألفي عائلة من عشائر الجانبيين والدليم والعبيد، بعد قرار توزيعها على الضباط والمنتسبين.
وفي العام 2021 جرى طرد أهالي منطقة البكرية بعد قرار توزيع المنطقة على ضباط “جهاز مكافحة الإرهاب”، تبعه قرار مماثل شمل مناطق قرب سريع الغزالية ومعمل حليب بلادي.
وتتعدد أشكال استهداف سكان مناطق حزام بغداد ما بين الاعتقالات والترهيب والاستيلاء على الأراضي وطرد أصحابها بالقوة وصولًا إلى الاختطاف بعدما تحول عنوان السكن المثبت بهوية نحو مليون مواطن يقطن في تلك المناطق المحيطة بالعاصمة بغداد إلى تهمة قد تتسبب بمقتل صاحبها.
وضمن هذا الإطار سبق أن نظم عدد من شيوخ وأبناء قبيلة المشاهدة بالطارمية شمالي بغداد، مؤتمرًا للاحتجاج على عودة ظاهرة الاختطاف والتغييب القسري التي يتعرّض لها أبناء مناطقهم في شهر حزيران الماضي.
وطالب المشاركون في المؤتمر السلطات الحكومية بضبط الأمن في مناطق حزام بغداد وخاصة في الطارمية، والكشف عن مصير الشاب سفيان سعد صالح رشيد، ومعرفة سبب اختفائه.
وأشار وجهاء العشائر إلى أن آخر ظهور له كان في ساحة عدن متجهًا الى بيته في الطارمية ثم تلقت عائلته اتصالًا هاتفيًا يطالبها فيه بدفع 60 ألف دولار أمريكي مقابل إطلاق وإلا سيقتل وتباع أعضاء جسمه.
وتأتي حملة الاعتقالات الجديدة وعودة مسلسل الاختطاف في مناطق حزام بغداد متزامنة مع تصاعد وتيرة التهديدات من قبل الميليشيات الطائفية المنضوية في الحشد الشعبي لسكان تلك المناطق وسط حديث عن مساع لتكرار سيناريو جرف الصخر من أجل فرض سيطرتها على تلك المناطق لإكمال حلقات التغيير الديموغرافي قبل الشروع بإنجاز التعداد السكاني المرتقب.
ويصف مختصون إصرار حكومة الإطار التنسيقي لإجراء التعداد السكاني بعد حملاتها الممنهجة لتغيير ديموغرافية المدن، بأنه يخلو من الهدف العلمي والاقتصادي للتعداد السكاني، وإنما يهدف إلى تثبيت وضع ديمغرافي شاذ في المدن والمناطق المستهدفة ولاسيما حزام بغداد.
وضمن هذا الإطار يعرب مختصون في علوم الاجتماع والتخطيط السكاني عن مخاوفهم من دوافع حكومة محمد شياع السوداني لإجراء التعداد السكاني، مشيرين إلى أن الهدف قد يكون تثبيت واقع ديموغرافي مشوه أفرزته السياسات الطائفية والممارسات التهجير القسري، لا سيما في المناطق المتنازع عليها مثل كركوك وبغداد.
وعبّر أستاذ في علم الاجتماع بجامعة بغداد عن تخوفه من أن يكون التعداد أداة لتحقيق أهداف سياسية على حساب الشفافية والتنمية الحقيقية، مطالبًا بإجراء تعداد بإشراف مؤسسات وطنية محايدة.
وقال الأستاذ في علم الاجتماع مفضلًا عدم ذكر اسمه، إن البلاد بحاجة إلى تعداد سكاني وفق الأهداف الاقتصادية المعهودة، لكن هل سيتم اجراء التعداد من قبل حكومة السوداني بدوافع وطنية مخلصة، أم بسياسة طائفية مفضوحة أعدت لها الأحزاب والميليشيات الحاكمة منذ سنوات.