حكومة السوداني “تتفرج” على هجرات العراقيين الجماعية تحت وطأة قسوة الجفاف
دائرة الهجرة والمهجرين في محافظة ذي قار تسجل هجرة 10 آلاف عائلة نازحة من مناطق الأهوار ومناطق أخرى تعرضت للجفاف والتصحر والتغيرات المناخية.
بغداد – الرافدين
تواجه العديد من المحافظات العراقية أزمة إنسانية متصاعدة نتيجة للجفاف المستمر والتصحر الذي يهدد الأمن الغذائي والمعيشي للمواطنين.
وأجبر التدهور البيئي العميق في بعض المناطق الريفية والجنوبية، نتيجة لتناقص مصادر المياه وزيادة التصحر، آلاف العائلات على مغادرة بيوتها بحثًا عن مأوى في مناطق أخرى فضلًا عن معاناة كبيرة لمن اضطر للبقاء في تلك المناطق.
وكشفت دائرة الهجرة والمهجرين في محافظة ذي قار عن تسجيل نحو 10 آلاف عائلة نازحة من مناطق الأهوار ومناطق أخرى تعرضت للجفاف والتصحر والتغيرات المناخية.
وقال معاون مدير دائرة الهجرة والمهجرين في ذي قار حازم الرياحي إن “الأوضاع الخاصة التي تمر بها أقضية الإصلاح وسيد دخيل حالت دون استكمال عملية إحصاء النازحين في القضائيين، ومن المرجح أن ترتفع أعدادهم من مناطق الأهوار بعد استكمال عملية إحصاء وتسجيل النازحين في القضائيين المذكورين”.
يأتي ذلك في ظل أسوأ موجة جفاف تمر بها البلاد ومحافظة ذي قار التي أخذت تفقد مساحات واسعة من أهوارها وأراضيها الزراعية، وتواجه نزوحًا سكانيًا كبيرًا بين أوساط الفلاحين والصيادين ومربي المواشي.
ويرى سكان مناطق الأهوار في محافظة ذي قار أن “أوضاعهم تتجه نحو الأسوأ بسبب استمرار موجة الجفاف التي تخيم على البلد منذ سنوات”.
وعبر أهالي الأهوار أيضًا عن “مخاوفهم من خطر الجفاف وتبعاته على حياتهم سيما صيد الأسماك الذي يعتمد عليه الكثير لكسب لقمة العيش”.
وشكا رئيس اتحاد جمعيات الفلاحين في النجف محسن عبد الله، من أزمة المياه وتأثيرها السلبي الكبير على المحاصيل الزراعية.
وقال محسن عبد الله إن “الفلاحين يعانون من عدم توفر المياه الكافية لزراعة المحاصيل، ما ينعكس سلبًا على الاقتصاد مطالبًا الحكومة بدعم حقيقي وجاد لتجاوز الأزمة”.
وأضاف أن “هناك غيابًا للعدالة بين الفلاحين والمستثمرين، فبينما يحصل البعض على الدعم الحكومي، يعاني الفلاحون في صمت”.
ولفت رئيس اتحاد جمعيات الفلاحين في النجف إلى أن “الفلاحين لا يواجهون فقط أزمة المياه، بل يواجهون أيضًا تحديات تتعلق بالموارد المالية والتكنولوجيا الحديثة اللازمة لتحسين إنتاجيتهم”.
وناشد فلاحو قضاء الشافعية في محافظة القادسية بإيجاد حلول لمعاناتهم المستمرة منذ أربعة سنوات جراء شح المياه، مؤكدين أنهم “غير قادرين على زراعة محاصيلهم التي تعتبر مصدر معيشتهم الوحيد”.
وقالت لجنة الزراعة والمياه في البرلمان الحالي، إن “الفراغ الخزني في سدود العراق، خاصة الاستراتيجية منها، كبير جدًا ومثير للقلق”.
وأوضح عضو اللجنة ثائر الجبوري أن “كميات المياه الحالية في السدود ليست كافية لتلبية الاحتياجات الكبيرة، خاصة في مناطق وسط وجنوب البلاد، ما يفسر انحسار المياه في الأنهار الرئيسية وتنامي معاناة المزارعين في المناطق الزراعية المترامية”.
وأشارت إلى أن “شبح الجفاف لا يزال يلوح بالأفق، مع تضرر مناطق واسعة في الجنوب من الأزمة التي أصبحت بارزة في الأشهر الأخيرة”.
وبين أن “إيرادات المياه القادمة من الأنهار الرئيسية لا تزال دون مستوى الطموح.”
وقال مستشار محافظ ذي قار لشؤون المواطنين حيدر سعدي إن “شح المياه أدى أيضا إلى زيادة نسب التلوث في المياه والتي كانت السبب في زيادة الأمراض بين الأطفال”.
ويؤثر الجفاف، بحسب سعدي، أيضًا على “التنوع الإحيائي في مناطق الأهوار التي هي على لائحة التراث العالمي، ويسبب أيضًا بتغيير ديمغرافية المنطقة بسبب هجرة الأهالي.”
وقال عضو مجلس محافظة ذي قار أحمد الرميض إن “مناطق الأهوار والقرى الزراعية، تشهد حالات نزوح مستمرة، بسبب الجفاف، وبما يهدد بتغيير ديمغرافي لواقع المناطق المتأثرة”،
وأشار إلى أن “السكان النازحين اتجهوا إلى محافظات البصرة وكربلاء والنجف وبابل والديوانية، فضلاً عن عدد كبير من العائلات التي استقرت في مركز مدينة الناصرية، بحثاً عن مصادر جديدة للعيش ضمن المناطق الزراعية التي تعتمد على المياه الجوفية”.
وحذر من أن “هذه الهجرة ستكون لها انعكاسات سلبية خطيرة على التركيبة الديمغرافية للمحافظة، خصوصًا أن بعض القرى نزحت بشكل شبه كامل وتلاشت ولم يبقَ فيها إلا بيوت متناثرة في مناطق متفرقة منها”.
ويشهد العراق موجة جفاف قاسية تفاقمت آثارها خلال السنوات القليلة الماضية، مع تراجع مناسيب الأنهار وشح الأمطار، لتبدأ آلاف العائلات في وسط وجنوب العراق رحلة طويلة من النزوح والمعاناة، مجبرةً على ترك جذورها بحثًا عن حياة أكثر أمانًا.
وحدد النائب عارف الحمامي ما أسماها جغرافية الجفاف في العراق مشيرًا أن “وضع المحافظات الجنوبية التي تعتمد بشكل مباشر على مياه نهر الفرات كشريان للحياة تعاني من أزمة جفاف وفي مقدمتها الناصرية وأهوارها الشاسعة”.
وأضاف أن “جغرافية الجفاف تضرب أكثر من 14 منطقة بشكل عام في جنوب البلاد وبمعدلات متفاوتة لكن الأهوار هي الأكثر تضررًا بالوقت الراهن”.
ولفت إلى أن “الجفاف في العراق يحمل 3 تبعات هي النزوح والفقر والأمراض مبينًا أن “المناطق الزراعية في جنوب البلاد هي الأكثر تضررًا من الجفاف وقلة إيرادات المياه”.
ومع اشتداد أزمة المياه تحولت الأراضي السهلية الخصبة إلى مناطق طاردة للسكان، حيث باتت التغيرات المناخية تُعيد رسم الخريطة السكانية للعراق.
ويواجه العراق الذي يعتبر وفقاً للأمم المتحدة من الدول الخمس الأكثر تأثراً بالتغير المناخي، معاناة مستمرة نتيجة عقود من الصراعات وغياب الاستقرار الأمني وانتشار الفساد في غالبية مرافق الدولة، مما أدى لانهيار البنية التحتية وتعطيل السياسات العامة في أكثر الأحيان.
وأكد مختصون أن مساحة الأراضي المتصحرة في العراق تبلغ نحو 27 مليون دونم، بما يعادل تقريباً 15 بالمائة من مساحة العراق الكلية، وأن أكثر المحافظات تضرراً هي ذي قار بنسبة تضرُّر بلغت 53 بالمائة، أما باقي المحافظات، فالنسب فيها تراوح من 3-14 بالمائة.
وأوضح الناشط البيئي، عمار الغزي، أن “هنالك عوامل طبيعية وأخرى بشرية أدت إلى حدوث التصحر الكبير والجفاف الخطير في العراق. أما العوامل الطبيعية، فتشمل المناخ الجاف والحار، وانخفاض نسبة تساقط الأمطار، والرياح السائدة، والتغير المناخي، والتلوث الناتج من الانبعاثات النفطية”.
وأضاف أن “العوامل البشرية التي أدت إلى حدوث الجفاف والتصحر، تتلخص بالهدر الكبير للمياه، وغياب السياسة المائية التي تضمن التوزيع العادل لها، بالإضافة إلى ضعف دور الدولة في تلافي الأزمات قبل حدوثها، وضعف الجانب التفاوضي مع دول الجوار لضمان حصص العراق المائية، بالإضافة إلى النمو السكاني السريع، والتوسع الحضري، والحرائق، وتجريف البساتين، والأشجار”.
وأكد على أن هذه الأزمة خلفت آثارًا وتداعيات خطيرة انعكست على الحياة العامة للسكان، منها الفقر وانعدام فرص العيش الكريم، بالإضافة إلى رفض عدد من الإدارات المحلية استقبال العائلات المُهجرة من القرى والأرياف.
وقال المتخصص بتغير المناخ، رمضان حمزة، إن “العراق يواجه تحديات كبيرة بسبب تأثير التغير المناخي على مصادر المياه، مما يؤدي إلى تفاقم مشكلة الجفاف التي تعاني منها البلاد”.
ورجح أن يؤدي تزايد المنافسة على الموارد المائية والأراضي الزراعية، إلى حدوث صراعات داخلية، واضطرابات اجتماعية بسبب تدهور الأمن الغذائي، خاصة في المناطق التي تعاني من ضعف في الحكم والإدارة.
وأوضح أن “مواجهة تحديات التغير المناخي في العراق تتطلب استجابة شاملة تشمل استراتيجيات محلية فعالة وتعاونًا إقليميًا ودوليًا، من خلال تحسين إدارة الموارد المائية، وتعزيز الوعي، وتطوير البنية التحتية”.
ودعا إلى ضرورة تفعيل الإدارة المتكاملة للموارد المائية، والعمل على تحديث نظام الري، وإعادة تأهيل السدود وصيانتها لضمان تخزين المياه بشكل فعّال.