أخبار الرافدين
طلعت رميح

هل يُغتال ترامب؟

نجح ترامب، وأفلت مجددا من محاولات إبعاده عن موقع الرئاسة. وهو تحدث علنا عن أن الدولة العميقة من تقف وراء محاولات إبعاده.
لقد تعرض خلال حكمه للولايات المتحدة بين عامى 2016 و 2020، إلى عمليات مخططة لإبعاده من الحكم، كان أبرزها ما جرى من تحقيقات قضائية تحت عنوان التدخل الروسي لصالحه في الانتخابات –لجنة مولر- كما تعرض خلال التحضير للانتخابات الحالية لملاحقات قضائية يصعب إحصاؤها –بل يصعب تحديد عدد السنوات التي كان سيقضيها في السجن بسببها- تحت عناوين كثيرة، منها اتهامه بالسعي لانقلاب دستوري، كما هو الحال في الهجوم على الكونغرس، ومنها اختراق القانون وعدم أهليته لتولي الرئاسة، كما هو الحال في الاحتفاظ بتقارير رسمية سرية في منتجعه بعد ترك الحكم.إضافة إلى الاتهامات والقضايا المالية والأخلاقية.
كما تعرض لمحاولتي اغتيال فاشلتين. نجح ترامب، وهو لم يعد فقط سيدا للبيت الأبيض بل سيدا للسلطتين التنفيذية والتشريعية، إذ حققت إعادة ترتيب أوضاع الحزب الجمهوري التي قام بها –وسط معارضة قاسية من قادته القدامى- إلى السيطرة على غرفتي النواب والشيوخ بعد هذه الانتخابات.
وقد فاز في انتخابات جرت وسط أجواء انقسام مجتمعية خطرة جعلت الخبراء والساسة الأمريكيين يحذرون من احتمال اندلاع حرب أهلية. فأمريكا لم تكن أمام صراع بين ترامب وهاريس بل في صراع بين منظومتين قيميتين شديدة التناقض كما هو الحال في قضايا الإجهاض والتحول الجنسي وفي صراع حقيقي حول ما يسمى بحكم الأقليات في داخل الولايات المتحدة. ولفت أحد الخبراء الأمريكيين إلى أن الدول التي عاشت من قبل وقائع حرب أهلية، وهو ما شهدته البلاد بين عامى 1861 و1865، تكون لديها قابلية للإنزلاق مجددا إلى الحرب الأهلية. ولذلك يتحدث بايدن وهاريس عن انتقال السلطة باستخدام تعبير جديد على النظام السياسي الأمريكي: الإنتقال السلمي للسلطة.
ولذلك فالسؤال الجوهري الآن -ما بعد الانتخابات- هو هل تسمح الدولة العميقة لترامب ليكمل ولايته؟ وماذا ستفعل لإبعاده؟
أغلب التقدير، أن لم يعد هناك من طريق سوى اغتيال ترامب كما كان الحال مع كيندي، ومن يتابع ما يجري سيجد أن هناك تمهيد مستتر لهذا الامر، إذ ظهرت أخبار تتحدث عن اكتشاف محاولة إيرانية لاغتياله. ربما سيكون هذا هو الطريق.أن يجري اغتياله، فيتولى نائبه الحكم. وقد يكون الأمر على طريقة ضرب عصفورين بحجر. فيجري التخلص من ترامب من جهة، ويفتح الطريق لتوجيه ضربات قوية لإيران من جهة أخرى.
لكن مثل هذا الاغتيال أصبحت حساباته بالغة التعقيد وشديدة الخطر على الولايات المتحدة، بحكم ما هو معروف من مساندة البروتستانت الإنجيليين له في مواجهة ما يوصف بسيطرة الأقلية الكاثوليكية خلال حكم بايدن، وبإعتباره ممثلا للعرق الأبيض الذي أسس الولايات المتحدة ويريد استعادة الهيمنة على البلاد وإعادتها عظيمة مجددا، وهذا هو مغزى شعار ترامب. وبالنظر إلى ما تحقق من تشكيل تيار سياسي شديد التطرف موالي له أو هو تيار مسلح، تنتشر ميليشياته في المجتمع الأمريكي وليس قليل الأهمية أيضا، أن ترامب يطرح رؤى إنعزالية سياسية واقتصادية، باتت تدعمها فئات اجتماعية واسعة تعرضت لأضرار شديدة بسبب سياسات العولمة.
وواقع الحال أن رمزية ترامب وما يحمل في حقيبته الرئاسية، كفيل بإحداث تغييرات دولية كبرى، تمثل في مجموعها توجها مناقضا للسياسات الأمريكية المعتمدة. وهو ما سيعمق الصراع بينه والدولة العميقة.
رمزية وصول ترامب للحكم، وما سيقوم به من دفع للحركات المتطرفه والانعزالية في أوروبا سيحدث تغييرا هائلا في وضع أوروبا وفي التوازنات الدولية. لقد كان ترامب من قبل عنوانا لتلك الحركات، وهو إذ أقصي من الحكم في أمريكا، فقد تصاعد دورها وباتت قاب قوسين من السيطرة على الحكم في دول عديدة. وستقوى بعد وصوله للحكم إلى درجة تفكك وحدة أوروبا وتغرقها في مشكلات مجتمعية بما يضعف دورها الدولي.
وثاني تلك الملفات هو ما سيقوم به ترامب من إنهاء حرب أوكرانيا لمصلحة روسيا. فلديه فكره ثابتة طالما رددها، بأن عزل روسيا يدفعها للتحالف مع الصين بما يضعف القدره الأمريكية على مواجهة التهديد الأكبر لها. فإن انتهت الحرب لمصلحة روسيا، سيكون التصدع سيدا للموقف في حلف الناتو.
وثالث الملفات الكبرى في حقيبة ترامب الرئاسية سيكون التركيز على الصراع الاقتصادي مع الصين. لكن مثل هذا الصراع لن يكون سهلا، كما كان الحال خلال ولايته الرئاسية الأولى. لقد دفع بايدن باتجاه الطابع العسكري للصراع عبر تشكيل تحالفات مع الهند واليابان وكوريا وأستراليا، كما الصين توسعت قدراتها التقنية والاقتصادية والعسكرية وباتت في تحالف فعلى مع روسيا، وكذا، أصبحت الصين فاعلا دوليا عبر قيادتها لدول ميثاق شنغهاي ولمجموعة البريكس.
ورابع الملفات هو ملف الشرق الأوسط. يقول ترامب إنه لن يشعل حروبا، وأنه سينهي الحروب القائمة. ولذلك هو في معضلة حقيقية. فالشرق الأوسط الآن بات حزاما من النار المشتعلة لحسابات استراتيجية كبرى. وسيجد نفسه غير قادر على التحرك. فإن أراد توسيع مساحة الكيان الصهيوني وقد أشار إلى ذلك علنا بالقول إن مساحة إسرائيل صغيرة لن تقف الحروب، ولن تنجح خطته للتطبيع، وإن أراد وقف الحرب والتوسع الصهيوني، دخل في صراع عميق مع اللوبي الصهيوني في أمريكا وفي داخل الحزب الجمهوري.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى