وزير الصحة يفشل في غسيل سمعة القطاع الصحي المتردي في العراق
على الرغم من تقديم العديد من الخدمات الطبية العامة بالمجان، يلجأ المواطنون في العراق بكثير من الأحيان إلى القطاع الخاص ذي التكلفة العالية بسبب نقص الأدوية وارتفاع أسعارها وندرة الأجهزة الطبية المتطورة وقلة الخدمات.
بغداد – الرافدين
صنفت مراكز معنية بمتابعة دقة المعلومات تصريحات وزير الصحة في حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني المتعلقة بالرعاية الصحية، في خانة الادعاءات غير الدقيقة بعد تزييفه معلومات تتعلق بتصنيفات دولية تظهر العراق بمواقع متقدمة في تقديم الرعاية الطبية خلافا للواقع.
وقال وزير الصحة صالح الحسناوي في لقاء متلفز إن “وزاراته تعتمد معايير تصنيفات منظمة الصحة العالمية، وهي تقول إن النظام الصحي العراقي ضمن بلدان المستوى المتوسط، ويأتي تسلسلنا تقريبا في نطاق الخمسينات”.
وأوضح مركز “تفنيد” المعني بتدقيق المعلومات إن “التصريح غير دقيق، فمنظمة الصحة العالمية لا تصدر مؤشرًا موحدًا لتقييم الأنظمة الصحية، بل مجموعة مؤشرات مختلفة”.
وقال المركز إنه “عند تتبع مؤشرات منظمة الصحة العالمية، اكتشف فريقه عدم وجود تصنيف أو مؤشر تصدره منظمة الصحة العالمية لتقييم الأنظمة الصحية للبلدان، بل تعطي المنظمة مجموعة تصنيفات لمؤشرات مختلفة من بينها انتشار فقر الدم لدى النساء؛ ومعدل الوفيات عند الولادة؛ وغيرها من المؤشرات الجزئية، ولكن من بين المؤشرات يوجد مؤشر يسمى “التغطية الصحية الشاملة”، ويجمع داخله 14 من مؤشرات التتبع لتغطية الخدمات في مقياس موجز واحد”.
وأشار إلى أن “آخر تحديث لهذا المؤشر كان في عام 2021، وجاء العراق في المرتبة 127 ضمن 195 دولة، ما يعني أنه في المرتبة الأخيرة من بين الثلث الثاني من الدول، وبلغت نقاط العراق 59 من أصل 100 نقطة”.
وأضاف المركز المعني بمراقبة التصريحات الحكومية في عدد من الدول العربية أن العراق يأتي عمومًا في نهاية الثلث الثاني أو بداية الثلث الثالث من البلدان في جميع التصنيفات الصادرة عن المنظمات المختلفة المعنية بقياس جودة الرعاية الصحية.
ولفت إلى وجود “مؤشرات صحية أخرى تصدرها منظمات مختلفة اعتمادًا على البيانات الجزئية لمنظمة الصحة العالمية، وواحدة من هذه المؤشرات هي مؤشر نيمبو لـ”أنظمة الرعاية الصحية”، وفي هذا المؤشر جاء العراق بالمرتبة 92 من أصل 94 دولة.
وذكر مؤشر نيمبو في آخر تحديث له في 2024، أن “مؤشر الرعاية الصحية في العراق يعد منخفضًا حيث بلغت درجته 45.9 من أصل 100”.
واعتمد المؤشر على ست فقرات تمثل الرعاية الصحية في الدول، وهي مهارة وكفاءة الطاقم الطبي، والسرعة في إنجاز التقارير، والمعدات الحديثة، والثقة في اكتمال التقارير، والود واللياقة من قبل الموظفين، ومدة الانتظار.
وأضاف أن “مهارة وكفاءة الطاقم الطبي في العراق تعتبر منخفضة حيث تبلغ 43.18 بالمائة، فيما يعتبر مؤشر سرعة إنجاز التقارير منخفضًا أيضًا بنسبة 42.82 بالمائة”، مبينًا أن “مؤشر الأجهزة الحديثة والتشخيص والعلاج في العراق كان منخفضًا حيث سجل 43.02 بالمائة”.
وكان “مؤشر الدقة في تعبئة التقارير منخفضًا حيث سجل 40.8 بالمائة، بينما كان مؤشر الود واللياقة من قبل الموظفين منخفضًا قليلاً حيث سجل 48.85 بالمائة، أما مؤشر الرضا من الانتظار فقد سجل منخفضًا جدًا حيث سجل 38.22 بالمائة”.
ووفقًا لمؤشر مجلة CEOWORLD، لأفضل أنظمة الرعاية الصحية 2024، والذي يعتمد على معايير البنية التحتية الطبية وتوفير الأدوية وكلفتها واستعداد الحكومة، جاء العراق بالمرتبة 79 من أصل 110 دول، ما يجعله ضمن التسلسلات المقدمة في الثلث الثالث والأخير من الدول، وهو مستوى مقارب لتصنيف منظمة الصحة العالمية لمؤشر “التغطية الصحية”.
ولم يتقدم العراق في مؤشر الرعاية الصحية للمجلة الأمريكية لعام 2024 إلا على دول فقيرة وغير مستقرة مثل بنغلادش والسودان وأوغندا وباكستان والسلفادور.
ويعتمد مؤشر الرعاية الصحية على تحليل إحصائي للجودة الشاملة لنظام الرعاية الصحية في البلدان، بما في ذلك البنية التحتية للرعاية الصحية وكفاءات المتخصصين في الرعاية الصحية كالأطباء وطاقم التمريض وغيرهم من العاملين الصحيين؛ ثم التكلفة المترتبة على الفرد وتوافر الأدوية عالية الجودة، واستعداد الحكومة.
ويأخذ مؤشر المجلة الأمريكية المعنية بتقديم إحصاءات عن جودة الحياة في دول العالم، في الاعتبار عوامل أخرى بما في ذلك العوامل البيئية، والحصول على المياه النظيفة، والصرف الصحي، واستعداد الحكومة لفرض عقوبات على مخاطر مثل تعاطي التبغ والسمنة.
ووفقًا لمؤشر الصحة والأنظمة الصحية للدول، لموقع “ستاتيستا” لعام 2023، فإن العراق جاء بالمرتبة 115 من أصل 167، وهذا ما يجعل العراق أيضًا في مقدمة المراتب ضمن الثلث الثالث والأخير للبلدان.
وحل العراق وفقًا لمؤشر “البلدان الأكثر صحة” الصادر عن معهد ليغاتوم، في المرتبة 115 من أصل 167 دولة، ما يعني أيضًا أنه في بداية الثلث الثالث والأخير للبلدان.
وجاء العراق بحسب مؤشر الأمن الصحي GHS INDEX، والذي يعتمد على الوقاية والكشف المبكر والتصدي للأوبئة، بالمرتبة 177 من أصل 195 دولة، أي في مراتب متأخرة من الثلث الأخير من البلدان.
ولا يبتعد النظام الصحي في العراق عن واقع النظام السياسي، إذ أنَّ كليهما يتصفان بالهشاشة وعدم الاستقرار، ما يعرقل تمامًا وصول السكان إلى خدمات الرعاية الصحية العادلة.
ويعاني القطاع الصحي في العراق من تراجع كبير وانهيار أدى إلى حرمان ملايين العراقيين من الرعاية الصحية المستحقة لهم ولعائلاتهم، بعدما أدى الفساد والفشل الحكومي إلى نقص الطواقم الطبية ونهب مخصصات الرعاية الصحية لصالح الفاسدين في الأحزاب الحاكمة والميليشيات المتنفذة سياسيًا التي باتت تمتلك المستشفيات الخاصة وتتعمد إهمال المستشفيات الحكومية لكي تتربح على حساب صحة وسلامة المواطنين.
وبحسب إحصائية نشرها “مركز البيان للدراسات والتخطيط” فإنّ عدد المستشفيات الأهلية في العراق وصل إلى 235 مستشفى في مختلف المناطق، مقابل وجود ما يقدر بـ 191 مستشفى حكوميا تعاني من الإهمال وعدم وجود تقنيات حديثة.
وبات الإهمال المتعمد للمستشفيات الحكومية يمثل معادلة قائمة على مبدأ “كلما تردّى الوضع في المستشفيات الحكومية انتعشت المستشفيات الأهلية” وهذا يجري على حساب المواطن قياسًا بتكاليفها باهظة الثمن في محاولة للحفاظ على حياته، لتكمل الأخيرة سلسلة المساوئ المتواجدة في القطاع الصحي في العراق.
ويؤكد النائب مختار محمود، أن المستشفيات الخاصة هي عبارة عن واجهات لجهات سياسية متنفذة، فيما اتهم وزارة الصحة بعدم متابعة عمل تلك المستشفيات مما دفع الى زيادة الأخطاء الطبية فيها.
وقال محمود إنه “لا توجد أي رقابة من قبل وزارة الصحة على عمل المستشفيات الاهلية، والاجازات لهذه المستشفيات تتم عبر اخذ الرشاوى”.
وتابع “ولهذا تكون النتائج وجود أخطاء طبية وبعضها تكون قاتلة، على اعتبار أن عمل تلك المستشفيات هو تعامل تجاري على حساب صحة وسلامة المواطنين”.
وشدد على “ضرورة متابعة ملف المستشفيات الخاصة من قبل الجهات ذات العلاقة، خاصة في ظل ارتفاع معدل الأخطاء الطبية في عمل تلك المستشفيات، إضافة الى متابعة الادوية التي تباع في تلك المستشفيات، كون البعض منها منتهي الصلاحية”
وأصبحت الأخطاء الطبية جزءًا من منظومة القتل التي تهدد أرواح العراقيين فعلى الرغم من اللجان التحقيقية التي تشكلت، فقد حكمت دومًا ببراءة الأطباء والصيادلة والممرضين، إذ غالبًا ما يجيء في التحقيق أنَّ سبب موت الضحايا هو السكتة القلبية.
وتعد وزارة الصحة من بين أكثر الوزارات فسادًا، وطالما كشفت صفقات شراء معدات غير لازمة وإهمال تغطية الحاجات الأساسية التي يفترض توفرها في المستشفيات حجم الفساد المستشري في الوزارة.
وتجمع مصادر سياسية وهيئات دولية على أن نظام الرعاية الصحية الفاسد في العراق، يعكس بشكل واضح فشل أسلوب الحكم والعجز عن التغلب على الصراعات السياسية.
وأشارت إلى أن العراق خامس أغنى دولة نفطية في العالم، ومع ذلك لا يستطيع مواطنوه الحصول على الأدوية الأساسية والتأمين الصحي الذي يعالجهم من الأمراض ما يدفع بالكثير نحو السفر إلى الخارج بحثًا عن العلاج.
وتقدر تقارير حكومية تكاليف سفر العراقيين لتلقي العلاج في الخارج بمبلغ يتراوح بين 750 مليونًا إلى مليار دولار سنويًا بسبب تهالك المستشفيات العراقية وخلوها من المعدات الطبية المتطورة، إضافة لتهالك هذه المستشفيات وسوء الخدمة فيها.
ويتجه غالبية العراقيين إلى خارج العراق لغرض تلقي العلاج، وخاصة إجراء العمليات الصعبة، ومن بين أكثر الوجهات التي تنتعش فيها السياحة العلاجية إيران وتركيا والهند، وغالبًا ما تأتي نصيحة السفر من قبل الأطباء أنفسهم، في حال وجدوا الحالة المرضية صعبة وتحتاج إلى أجهزة وعلاجات وإمكانيات كبيرة.
ويؤكد طبيب مختص غادر العراق للحفاظ على أمنه الشخصي أن “القطاع الصحي المتهالك أصبح واحدًا من مصادر الفساد في العراق لما يوفره من عقود ومناقصات، فالكثير من الأموال تدخل في جيوب الأحزاب وجهات نافذة في الحكومة”.
وأضاف الطبيب الذي غادر العراق قبل نحو 10 سنوات بعدما رفض الكشف عن اسمه أن “من يحكم اليوم يستثمر هشاشة النظام الصحي ويساهم في ديمومته، حتى يضطر المواطن للسفر خارج البلاد وفق اتفاقيات في الغالب معدة سلفًا، ويحقق من عائداتها نسبًا كبيرة”.
وبين أن “هذا الواقع الصحي جعل من الصعوبة بمكان عودة أكثر من 10 آلاف طبيب أكفاء في مختلف الاختصاصات، غادروا العراق بعد 2003، وهي حلقة مفرغة إذ تساعد في تكريس الوضع العلاجي المتردي”.