غسيل الأموال في سوق عقارات العراق يرفع التضخم إلى مستويات قياسية
46 مجمع سكني في بغداد تفتقر غالبيتها إلى التخطيط السليم وهي مُقامة بشكل يزيدها بعدًا عن حل أزمة السكن أو معالجة العشوائيات، برغم تمركزها على أراضي الدولة المخصصة للاستثمار، والتي تُمنح للمستثمر بأسعار رمزية.
بغداد – الرافدين
أثارت حالة الركود التي تشهده سوق العقارات في العراق، انتقادًا واسعًا للسياسات الخاطئة للحكومة الحالية، مع زيادة غسيل أموال ضخمة من قبل لصوص الدولة وارتفاع التضخم حتى وصل إلى أكثر من 120 بالمائة خلال السنوات الثلاث الماضية.
ورغم تذرع حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني بإنجازاتها التي هي عبارة عن مشاريع عامة لا تمس المواطن العراقي، أصبح من المستحيل على المواطنين من ذوي الدخل المحدود ومن الموظفين أن يتملكوا عقارًا في البلد، وخاصة بعد أن استحوذ المتنفذين والفاسدين على سوق العقار وصار حكرا عليهم.
ويشير اقتصاديون إلى أن إعادة تحريك هذا القطاع يتم عن طريق إطلاق قروض وتوزيع قطع أراضي مخدومة وإنشاء وحدات سكنية اقتصادية وحصر بيعها لمن لا يمتلك سكنًا، لتجنب دخول التجار والمتنفذين فيها وبالتالي رفع أسعارها.
وقال الباحث في الشأن الاقتصادي، أحمد عيد، إن “الارتفاع الكبير في مستويات أسعار العقارات وانخفاض القدرة الشرائية للمواطنين أسباب أدت الى ركود أسواق العقارات في مختلف المحافظات، واقتصرت على مناطق معينة لأصحاب المردود المالي العالي، كما هو الحال في المجمعات السكنية والمناطق الاستثمارية”.

ولفت عيد إلى أن “الفاسدين والمتنفذين اتجهوا نحو العقارات لغسل الأموال واستثمارها في هذا المجال، خاصة بعد الرقابة الشديدة التي فرضتها الخزانة الأمريكية والبنك الفيدرالي الأمريكي على الأموال المحولة إلى خارج العراق التي كان يتخذها الفاسدون وسيلة لغسل أموالهم غير المشروعة”.
وأكد على أن المواطن العراقي هو الأكثر تضررًا نتيجة للسياسات الخاطئة وغياب الرؤية الاستراتيجية في توزيع الثروات والعدالة الاجتماعية، حيث تزايدت الطبقية المجتمعية في ظل النظام السياسي الحالي، الذي استحوذ فيه الفاسدون على مقدرات الشعب العراقي في مختلف المجالات.

ووصل عدد المجمعات السكنية في بغداد إلى 46 مجمعًا، تفتقر غالبيتها إلى التخطيط السليم وهي مُقامة بشكل يزيدها بعدًا عن حل أزمة السكن أو معالجة العشوائيات، برغم تمركزها على أراضي الدولة المخصصة للاستثمار، والتي تُمنح للمستثمر بأسعار رمزية وشبه مجانية، وفقًا لقانون الاستثمار العراقي رقم 13 لعام 2006.
وأوضح الباحث المختص في الجانب المالي والمصرفي، مصطفى أكرم حنتوش، أن “العراق يشهد حالة شلل أو ركود في سوق العقارات وليس انخفاضًا، حيث إن التضخم الذي حصل في سوق العقارات أكثر من 120 بالمائة خلال السنوات الثلاث الماضية، وهذا لم يتناسب مع الزيادة بالإيرادات الوظيفية والأرباح”.
وأضاف أن “أسعار الوحدات السكنية تبدأ من 150 مليون دينار فصاعدًا، لذلك المواطن غير قادر على شرائها، ومن يبيع هو من يستطيع الشراء في الوقت الحاضر”.

ويبين، أن “تضخم العقارات أكبر بكثير من تضخم إيرادات المواطن لذلك لا يستطيع الشراء إلا في حال وجود سياسة اقراض، أو توزيع قطع أراضي مخدومة، وكذلك يتحرك في حال كانت هناك وحدات سكنية اقتصادية بأقساط بسيطة مثل بسماية والجواهري”.
وترتبط أحزاب وشخصيات سياسية متنفذة في ملف الفساد الحاصل في المجمعات السكنية، إذ يمتلك غالبيتهم شركات استثمار خاصة تحوز على عروض استثمارية بسبب نفوذ أصحابها.

وكانت صحيفة نيويورك تايمز قد كشفت في تقرير مطول عن قيام لصوص الدولة في العراق بغسيل الأموال التي استولوا عليها ببناء مجمعات سكنية وأسواق، مؤكدة على أن الاستثمار العقاري في بغداد بات أداة رئيسية لغسيل الأموال في العراق.
ووفقًا لما جاء في تقرير الصحيفة الأمريكية فإن بغداد ومحافظات عراقية أخرى تشهد حركة بناء حثيثة تستبدل البساتين والحدائق الخضراء بأبراج خرسانية تتجاهل تغيرات المناخ، فضلًا عن أن أسعار وحداتها السكنية باهظة لا تتحملها الطبقة الوسطى.
وأشارت الصحيفة في تقريرها إلى أنه في حين أن بعض عمليات إزالة المساحات الخضراء غير قانونية أو حصلت على تصاريح بناء احتيالية، فقد تم تنفيذ المشاريع الكبرى التي أدت إلى تدمير آلاف الدونمات من البساتين بموافقة السلطات الحكومية.
بدوره، أشار الخبير الاقتصادي، كريم الحلو، إلى إن “المجمعات السكنية كان الهدف منها هو حل مشكلة السكن في العراق، بإعطاء السكن لمن لا يملكه، لكن تم رفع هذا الشرط عام 2018، وبالتالي دخل التجار إلى السوق واشتروا آلاف الوحدات السكنية، وبدأوا ببيعها بأسعار مرتفعة”.
وأكد الحلو على أن استغلال هذه المجمعات السكنية بقضايا غسيل أموال ممن لديهم أموال كثيرة نتيجة فساد إداري أدى إلى ارتفاع أسعارها، لكن بعد أحداث فلسطين ولبنان حصل تخوف من شراء العقار خوفًا من الأوضاع واحتمالية تعرض البلاد للقصف لاشتراك بعض الفصائل العراقية الموالية لإيران بقصف إسرائيل، لذلك حصل نوع من التريث.

وأوضح أن “إنشاء مجمعات سكنية جديدة وتخصيص بعضها للعمال والنقابات أثرت على سوق العقارات وأربكته، مع وجود توقعات بنزول الأسعار، كما أن البناء العمودي ساهم بخفض الأسعار، إلى جانب فوز الرئيس الأمريكي ترامب الذي أثر على السوق العالمية وسط ترقب للقرارات التي سيتخذها”.