حكومة الإطار التنسيقي تمعن بإلحاق الضرر بفلسطينيي العراق
قرار حكومي جديد يحرم اللاجئين الفلسطينيين من امتلاك سيارات الأجرة، التي يعيش منها عدد كبير منهم، بعد أن فقدوا كل امتيازاتهم منذ الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، ما يؤدي إلى تضييق الخناق على سبل كسبهم.
بغداد – الرافدين
فتح تضييق السلطات الحكومية في العراق الخناق على الجالية الفلسطينية الباب للحديث عن زيف التضامن معهم من قبل حكومات الاحتلال المتتابعة وميليشياتها ومحاولات تسويق نفسها كمدافع عن قضيتهم بعد 21 عامًا تعمقت فيها جراحهم جراء ما تعرضوا له من قتل وتنكيل وتشريد على يد تلك الميليشيات وأحزابها الطائفية.

واتخذ التضييق على الجالية الفلسطينية في العراق أشكالًا متعددة انعكست سلبًا على حياتهم ومستقبلهم في البلاد، وكان آخرها القرار الصادر عن وزارة الداخلية والذي لم يعد بموجبه مقدور الفلسطينيين على امتلاك سيارة أجرة للعمل عليها، وهي المهنة التي يعمل بها معظم الشباب الفلسطيني في العراق بعد تضييق كل سبل الوظائف الأخرى بقرارات سابقة.
ويأتي هذا القرار بعد أقل من شهرين على قرار حرمانهم من استعمال بطاقة (الكي كارد) للخدمات المصرفية وعقب اتخاذ عدد من الدوائر والمؤسسات الحكومية، من أبرزها دائرة التقاعد العامة ووزارة التجارة، إجراءات بحق اللاجئين الفلسطينيين في العراق اعتبرت “خطيرة وغير إنسانية، وتتنافى مع شعارات وتصريحات زعماء الأحزاب والميليشيات في البلاد” حيال القضية الفلسطينية، بضمنها حجب البطاقة الغذائية الشهرية عن الفلسطينيين، والتي تمثل عصب معيشة العائلة في العراق، وكذلك منع الحقوق التقاعدية للفلسطيني المتوفى، وحرمان ورثته من امتيازاته.
وتبرز الإشكالية الأكبر للقرار الجديد لوزارة الداخلية الحالية لدى الفلسطينيين الذين يمتلكون سيارات للأجرة قبل القرار، وفي هذا السياق يقول “أبو زياد” وهو أب فلسطيني لخمسة أولاد، عندما يحين موعد تجديد وثائق سيارة الأجرة، فلن يكون ذلك متاحا بموجب القرار الجديد، وسأضطر لبيع سيارتي وبخسارة في ظل استغلال السوق لحالنا.
وأوضح أن “بعض أصدقائي ومعارفي بدأ يبحث عمن يثق به من العراقيين لينقل ملكية السيارة باسمه، شكليا، لكن هذا الإجراء محفوف بمخاطر في المستقبل، من أن ينكث أحدهم من أي اتفاق أو أن يتعرض المالك الجديد للوفاة، وسيكون صاحب السيارة الحقيقي أمام معضلة قانونية مع الورثة”.
وتتعدد صور التضييق على الفلسطينيين في العراق والتي وصفت بالمجحفة بعدما تضمنت قرارات أخرى تتعلق بالطلاب، والتنافس على الوظائف والخدمات، وإعادة فرض رسوم الصحة والتعليم والخدمات المختلفة على الفلسطينيين، بعدما كانوا معفيين منها، فضلًا عن حرمانهم من التقدم بطلبات للحصول على سكن ضمن المشاريع الحكومية، وحرمانهم من القانون “21” الخاص بتعويض ضحايا العمليات الإرهابية والأخطاء العسكرية التي ارتكبتها قوات الاحتلال الأمريكي خلال احتلالها العراق أو القوات الحكومية، وهو ما يعني ضياع حقوق آلاف الفلسطينيين.

وتحرم حزمة التضييقات الجديدة عقب الاحتلال فلسطينيي العراق من العلاج المجاني في المستشفيات الحكومية، في وقت ترتفع معدلات الفقر بصفوف من تبقى منهم داخل العراق.
ووفق تقرير لرابطة فلسطينيي العراق فإن هناك عائلات تتطلب توفير أدوية وعمليات وطلاب دراسة مع ارتفاع الحياة المعيشية في العراق، وكذلك عدم وجود وكالة الأونروا في العراق وتخلي المفوضية السامية لشؤون اللاجئين عن التزاماتها تجاه اللاجئين الفلسطينيين بتوقف صرف بدل الإيجارات للسكن وتوقف العمليات والأدوية للمرضى والمنح السنوية للعوائل والطلاب وغيرها من الأسباب مما فاقم واقع اللاجئين الفلسطينيين في العراق لمعدلات فقر غير مسبوقة بتاريخ وجودهم في العراق منذ عام 1948 لليوم.
ويرصد التقرير وجود حالات مرضية مزمنة منها حالات خطيرة تقدر بـ 120 حالة سرطان وحالات مرضية تتطلب عمليات جراحية خاصة بالعمود الفقري تقدر بـ90 حالة وأولئك غير قادرين على متابعة العلاج للتكلفة العالية، وهناك إصابات بحالات العوق الفكري والتوحد التي تتطلب معاهد خاصة لهم وتقدر بـ180 حالة.
ويرى الصحفي العراقي عثمان المختار أن “ما يحصل للفلسطينيين في العراق مُخزي ولم يحدث إلا بزمن دجاجلة المقاومة”.
واضاف المختار في منشور له على منصة أكس أن “الشعارات شيء والواقع شيء آخر”.
واوضح أن “السلطات الحكومية ألغت القانون 202 الذي ينص على معاملة الفلسطيني مثل العراقي لحين تحرير كامل التراب الفلسطيني”.
وتابع “عام 2017 تم إلغاء هذا القانون المعمول به منذ السبعينات، من قبل حكومة حيدر العبادي، وعلى إثره حُرم الفلسطيني بالعراق من الإقامة مرة أخرى إذا ظل خارج العراق أكثر من 3 أشهر، وتم التعامل معهم وفقا للقانون 76 الخاص بتواجد الأجانب في العراق”.
وأشار الصحفي العراقي الى أنه في “عام 2019 ألغت (الحكومة) حقهم (الفلسطينيين) بالتنافس على مقاعد الدراسات العليا وألغت مجانية الصحة عنهم”.
وبحسب المختار فقد حُرم خريجي الجامعات (الفلسطينيين) من التنافس على عقود العمل الحكومية المؤقتة عام 2021″، وفي العام الماضي “2023 تم منع عودة الفلسطيني الذي يسافر خارج العراق لأكثر من 3 أشهر”.
وبين أنه “لغاية الآن تعديل (قانون إقامة الأجانب) الذي من المفترض انصافهم وإنهاء معاناتهم يراوح مكانه بالبرلمان منذ عامين بلا سبب قبل أن تقرر المفوضية السامية لشؤون اللاجئين وقف بدلات إيجار منازلهم”.
ولفت الى أن إلغاء القانون ترتب عليه كل هذه المشاكل بحق من تبقى من الفلسطينيين ممن لا تتجاوز أعدادهم حاليا ثلاثة آلاف فقط بعد سلسلة تهجير وخطف وقتل واعتقال نفذها عناصر المليشيات مثل ميليشيا جيش المهدي وميليشيات العصائب وبدر.
بدوره قال الناشط الفلسطيني في العراق حسن الخالد، إن “التضييق يتواصل على اللاجئين الفلسطينيين في العراق، وكل يوم هناك قرار جديد، حتى أصبحنا لا نريد شيئًا من الحياة سوى العيش بكرامة”.
وأضاف الخالد أن “التضييق القانوني الممنهج على الفلسطيني داخل العراق واضح، من ناحية إلغاء قرار 202 وحرمان عائلة الموظف المتقاعد الاستفادة من راتبه التقاعدي، إلى عدم شمول الفلسطيني بالتعويضات جراء الأعمال الإرهابية، ومنعه من حق التملك، حتى لو منزلاً واحداً للسكن، وإذا غادر البلد أكثر من شهر تسقط عنه صفة اللجوء، ولا يحق له السفر بالبر، وعدم السماح له برخصة القيادة العمومية، وأخيراً عدم السماح للاجئ الفلسطيني بتملك سيارة الأجرة”.
وأشار إلى أن “إدارة المرور حاليا تجدد لوحات المركبات، ومن ثم عندما يذهب الفلسطيني لاستبدال لوحة سيارته القديمة فهو لن يحصل على لوحة جديدة لتمسي سيارته بدون نمرة”.
وأضاف “الغريب أنهم يتلاعبون بنا فهم سمحوا للفلسطيني أن يعمل كسائق أجرة، لكن لا يحق له أن يمتلك سيارة أجرة، وفي الوقت نفسه منعوه من استصدار أو تجديد رخصة قيادة عمومية، وفي المحصلة سيكون محروما من مزاولة هذه المهنة بالجمع بين القرارين”.
ولفت الخالد إلى أن مهنة سائق سيارة أجرة هي “المهنة الأخيرة التي كان يسمح للفلسطينيين مزاولتها، بعد حرمانهم من الوظائف في الدوائر الحكومية، ومن الرواتب التقاعدية، رغم أن كثيرًا من فلسطينيي العراق عمل لأكثر من 35 سنة في الدوائر الحكومية، وبمجرد وفاته تحرم عائلته من راتبه التقاعدي”.
ويرى الخالد أن “القرارات كلها التي صدرت بحق اللاجئين الفلسطينيين في العراق لم تأت اعتباطًا، وإنما تأتي في سياق ممنهج بدأ بالتهديد والخطف والقتل، والآن بدأوا بالتضييق على الفلسطينيين تحت سيف القوانين المجحفة، وكل ذلك بهدف إجبار من تبقى من الفلسطينيين للهجرة خارج العراق”.

ووجد الفلسطينيون أنفسهم عقب الاحتلال في دوامة عنف كبيرة لا يملكون أي وسيلة دفاع، ولا مكان لهم للفرار سوى البقاء منتظرين الموت.
وتقدر منظمات حقوقية مقتل 500 فلسطيني في جرائم العنف الطائفي على يد ميليشيات “بدر” و”جيش المهدي” في بغداد وحدها.
وأسفرت هذه الهجمات الدامية عن مصادرة الميليشيات لنادي حيفا الرياضي واعتقلت رئيسه ولاعبين آخرين، وسيطرت على الهلال الأحمر الفلسطيني ومركز ثقافي باسم (الوطن فلسطين(.
ونفذ الفلسطينيون تظاهرة لهم في بغداد للمطالبة بالكف عن استهدافهم أو إيجاد دولة ثانية تستقبلهم، إلّا أن التظاهرة لم تستمر أكثر من نصف ساعة وسرعان ما قامت قوات كانت تعرف آنذاك بـ”لواء الذئب” بإطلاق النار عليها وقتل عدد من المتظاهرين.
وجاءت هذه الممارسات متزامنة مع بث قناة “العراقية” الحكومية صورًا لثلاثة شبان فلسطينيين، قالت إنهم نفذوا جرائم قتل طائفية، قبل أن تدحض هذه الاعترافات لاحقًا “منظمة العفو الدولية” بوثائقي بعنوان “ثقافة الاعترافات الفتاكة في العراق”.
ورفع حزب “الدعوة” بزعامة رئيس الوزراء الأسبق المتهم بتغذية الطائفية نوري المالكي شعارات مناوئة للفلسطينيين في مناطق متفرقة من بغداد تلتها شعارات أخرى لميليشيات عدة، مثل (الفلسطيني إرهابي) و(العراق للعراقيين) و(أطردوا قاتلي شعبنا) عقب استثمار اعترافات قناة “العراقية” المفبركة والمنتزعة تحت وطأة التعذيب وتوظيفها في رفع مستوى الكراهية والطائفية ضد الفلسطينيين.
واستمر الوضع على حاله إلى حين الهجرة الجماعية للفلسطينيين من العراق عقب أن خرج الفلسطينيون من بغداد وسط تكتّم إعلامي كبير، متجهين إلى سوريا والأردن أملًا بالفرار من العراق بعد أسابيع رعب قضوها على يد الميليشيات الممولة إيرانيا، إذ صودرت منازلهم وسرق أثاثها كمرحلة أخيرة سبقت مرحلة القتل والاعتقال والتهديد.
وتوزّع آلاف الفلسطينيين على مخيمات الرويشد والوليد على الحدود الأردنية والتنف والهول على الحدود السورية عقب أن بدأت رحلة جديدة من التهجير، لكن ليس على يد الاحتلال الصهيوني الذي تدعي الميليشيات اليوم وقوفها بالضد منه، بل على يد هذه الميليشيات نفسها كما يؤكد فلسطينيون مهجرون من العراق.
ومكث هؤلاء الفلسطينيين في خيام وفّرتها الأمم المتحدة لهم إلى حين موافقة كل من كندا والبرازيل على استقبال ساكني مخيم الرويشد وموافقة فرنسا والسويد والنرويج وبريطانيا وبلجيكيا وتشيلي وفنلندا على استقبال نازحي مخيم التنف.
وبقي مخيم الوليد في المنطقة الغربية من العراق ومخيم الهول في المنطقة الشمالية من سوريا من دون كفيل حتى وصول تنظيم “داعش” ما زاد من معاناة الفلسطينيين هناك إلى يومنا هذا.
ولم يبق سوى 3000 آلاف لاجئ فلسطيني في العراق بعدما وصلت أعدادهم إلى نحو 50 ألف لاجئ قبل الاحتلال وفقًا لدراسات بحثية متخصصة، في حين يعيش غالبيتهم ظروفًا إنسانية واجتماعية قاسية جراء الغياب القانوني الذي حرمهم من فرص الرزق سواء عبر التعيينات بوزارات الدولة العراقية أو الاستحصال على إجازات تجارية أو مهنية أو غيرها من تلك التي لا تخصص لغير العراقيين والتي ساهمت بدورها بتقليص فرص الحياة والمعيشة مما أجبر الكثير على البحث عن رزقهم بمهن قد لا تسد احتياجات عائلاتهم بسبب تدني ديمومة تلك المهن على مدار السنة.