“هيومن رايتس ووتش”: استمرار مجازر الإعدامات غير القانونية في العراق
المنظمة الدولية لمراقبة حقوق الإنسان تؤكد على أن الإعدامات تتبع محاكمات جائرة تستند إلى أدلة يشوبها التعذيب بدون إشعار المحامين أو أفراد الأسرة مسبقا، وفي ظل انتهاكات الحق في محاكمة عادلة.
بغداد- الرافدين
قالت منظمة “هيومن رايتس ووتش” إن الحكومة العراقية وسّعت بشدة نطاق الإعدامات غير القانونية وزيادة وتيرتها في عام 2024. وتُظهر الحالات التي وثقتها المنظمة الدولية لمراقبة حقوق الإنسان في تقرير موسع صدر الثلاثاء التاسع عشر من تشرين الثاني، تنفيذ السلطات هذه الإعدامات بدون إشعار المحامين أو أفراد الأسرة مسبقا، وفي ظل مزاعم ذات مصداقية عن التعذيب وانتهاكات الحق في محاكمة عادلة.
وسبق أن أفادت “هيومن رايتس ووتش” أن 150 سجينا تقريبا في سجن الناصرية بالعراق كانوا يواجهون الإعدام الوشيك بدون سابق إنذار.
وأعدمت السلطات في الخامس والعشرين من كانون الأول 2023 قرابة 13 رجلا في سجن الناصرية، وهو أول إعدام جماعي منذ إعدام 21 رجلا آخرين في السادس عشر من تشرين الثاني 2020. ويُعتقد أن حوالي 8.000 شخص ينتظرون تنفيذ حكم الإعدام.
ويأتي تقرير المنظمة الدولية لمراقبة حقوق الإنسان بعد أن ناشدت هيئة علماء المسلمين في العراق الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش؛ للضغط على السلطات الحكومية؛ لإيقاف جميع الإعدامات والممارسات المشينة التي تنتهك حقوق الإنسان في العراق، وإعادة النظر في السياسات الحكومية الأمنية والقضائية الجائرة، والعمل على ضمان محاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم بعدما وضعت المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان أمام مسؤولياتهم، ولا سيما الأمم المتحدة ممثلة بمؤسساتها الإنسانية جميعًا”.
وقالت الهيئة إن “حكومات الاحتلال المتتابعة في العراق ما زالت تنفذ حملات الإعدام الجماعية، وبما يظهر طبيعة النظام السياسي القائم، وممارساته التعسفية ضد أبناء الشعب العراقي، على الرغم من كل التحذيرات المحلية والدولية والأممية من استمرار الإعدامات الجماعية؛ التي تفتقر لأدنى معايير المحاكمات العادلة والإجراءات القانونية السليمة”.
وبينت أن النظام بشقيه “الحكومة ورئاسة الجمهورية”، ينفذ هذه الحملات ويسارع فيها اعتمادًا على مزاعم واهية ومحاكمات صورية، وإجراءات تعسفية؛ تمثل انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان ولقيم العدالة والكرامة الإنسانية، وقبل ذلك كله انتهاكًا لحرمات الله تعالى.
وأشارت هيئة علماء المسلمين في بيانها إلى أن رئاسة الجمهورية، أصدرت بيانًا ترد فيه على الانتقادات التي طالت رئيس الجمهورية استنكارًا وتنديدًا بمصادقته على حملات الإعدامات الجماعية خلال المدة الماضية في سياق النأي بنفسها عن الاشتراك في هذه الجرائم المتتابعة وللأسف فقد اتسم هذا البيان بتدني مستويات الشعور بالمسؤولية وانعدام حسن التعاطي مع مطالبات الناس ومشاعرهم، ولا يليق -ولا يوجد في النظام السياسي الحالي ما هو لائق- بمستوى الخطاب الرسمي، الذي ينبغي أن يلتزم بالمهنية والمسؤولية واحترام المقابل.
وتابعت “لكن الذي حصل أن البيان دلَّ دلالة واضحة على انسياق رئيس الجمهورية -المحسوب سياسيًا على جهة معلومة- لرغبات القوى السياسية المتسلطة وصاحبة النفوذ المطلق في العراق بالتعاون مع الميليشيات الإجرامية التي تمارس جرائمها بدوافع طائفية مقيتة، وابتعاده عن خيار التعامل بالسوية مع جميع أفراد الشعب فضلًا عما جاء في البيان من انحدار إلى استعمال الخطاب الممجوج عينه، الذي تستعمله القوى السياسية الطائفـية ومجمـوعاتها الإرهابية، وأبواقـها الإعلامـية، وتكيل فيه الاتـهامات بالإرهاب وغـيره لـكل مـن يـدافـع عن حقوق المظلومين، ولا سيما المعتقلين منهم”.
وقالت لما فقيه، مديرة قسم الشرق الأوسط في “هيومن رايتس ووتش” “السلطات العراقية تنفذ القتل بموافقة الدولة على نطاق مقلق. ستترك الموافقات على هذه الإعدامات غير القانونية إرثا ملطخا بالدماء للرئيس عبد اللطيف رشيد”.
ونظرا لسجل النظام القضائي العراقي الراسخ في انتهاكات الإجراءات القانونية الواجبة، والتي ترقى إلى الحرمان التعسفي من الحق في الحياة، ينبغي للعراق أن يوقف بشكل عاجل جميع الإعدامات المعلقة ويعلن وقفا مؤقتا نحو الإلغاء الكامل لعقوبة الإعدام.
وأجرت “هيومن رايتس ووتش” مقابلات مع خمسة أفراد من عائلات تسعة رجال حُكم عليهم بالإعدام، وأُعدم ثلاثة منهم في الأشهر الثلاثة الماضية؛ ومع محامٍ يمثل عشرات الأشخاص المحكوم عليهم بالإعدام والذي قدم تفاصيل حول أربع قضايا؛ ومع ناشطين.
كما أرسلت المنظمة في الرابع عشر من تشرين الأول إلى وزارة العدل رسالة تفصل هذه الادعاءات وتطلب معلومات عن ظروف السجن والإعدامات وإمكانية زيارة سجن الناصرية، لكنها لم تتلق أي رد.
ولا تنشر حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني إحصاءات رسمية عن الإعدامات ولن تقدمها رغم الطلبات المتعددة. وبحسب منظمة “آفاد”، وهي منظمة مستقلة تراقب الانتهاكات الحقوقية في العراق، أعدمت السلطات في أيلول وحده 50 رجلا.
ونددت “آفاد” في حزيران الماضي بما أسمته الطفرة في “عمليات الإعدام السرية”، مشيرة إلى توثيقها 63 حالة إعدام في الأسابيع السابقة لم يُعلن عنها.
وفي تموز، نفت وزارة العدل مزاعم تفيد بتنفيذها عمليات إعدام سرية، محذرة من أنها ستتخذ إجراءات قانونية ضد أي مواقع تنشر “أخبارا مضللة من هذا القبيل”.
وفي تشرين الأول، نفى الرئيس رشيد مزاعم تداولتها وسائل التواصل بأنه صادق على أحكام إعدام جماعية. الأمر الذي يشير إلى قيام وزارة العدل والرئيس الحالي في تضليل الرأي العام وعدم الاعتراف بعمليات الإعدام غير العادلة.
وسبق أن قال الدكتور مثنى حارث الضاري مسؤول القسم السياسي في هيئة علماء المسلمين في العراق، إن السلطات القضائية في العراق متواطئة مع السلطة الحكومية وضبّاط التحقيق في عمليات تعذيب المعتقلين.
وشدد الدكتور الضاري على أن النظام السياسي بأحزابه الطائفية جعل العراق البلد الأول عالميًا في ملف الإعدامات وفق ما هو معلن ومُصرّح به، من غير الحديث عن المغيبين مجهولي المصير، وما يجري في السجون السرية التي تديرها الميليشيات.
وتشير الحالات التي وثقتها “هيومن رايتس ووتش” إلى قيام السلطات العراقية بشكل متزايد بتهديد نزلاء محكوم عليهم بالإعدام وجماعات غير حكومية لتحدثهم علنا عن الظروف في سجن الناصرية المركزي. منذ نيسان، أُعدم خمسة رجال قدموا شكاوى مجهولة الاسم عبر محامٍ أجنبي إلى “الأمم المتحدة”.
وكان لدى اثنين منهم تقارير رسمية من لجنة طبية تابعة لـ “مجلس القضاء الأعلى” العراقي تشهد بتعرضهما للتعذيب وتمكنُّهما من تحديد هوية عناصر الأمن الذين عذبوهما. طلب الرجلان من النيابة العامة فتح تحقيق مع عناصر الأمن الذين قالوا إنهم عذبوهما، لكن قال محاموهما إن التحقيق لم يُفتح قط. كما طلب الرجلان إعادة المحاكمة، لكن رفضت السلطات طلباتهما بسبب عدم وجود ملف للقضية.
وأضاف محاموهما أن ملفات القضية هذه دُمرت في حزيران 2014 عندما أحرق تنظيم “داعش” مبنى المحكمة الذي كان يحتجزهما.
وقال أحد الرجلين، في آخر اتصال له مع محاميه في آذار 2024، لـ هيومن رايتس ووتش إن مسؤولي السجن اكتشفوا نقله معلومات خارج السجن، معربا عن خوفه من الانتقام. في أوائل نيسان، حُبس الرجل انفراديا بمعزل عن العالم الخارجي، حتى أبلغت السلطات أسرته ومحاميه في تموز بأنه أُعدم.
ولم يقل أي من الذين تمت مقابلتهم إنه تلقى إشعارا مسبقا بالإعدامات، بما يتفق مع الادعاءات السابقة. في بعض القضايا، اتصل مسؤولو السجن بالعائلات لتسلم الجثث بعد أشهر من الإعدام.
وقال أحد أفراد الأسرة إن سبب الوفاة في شهادة وفاة قريبهم كان الإعدام شنقا، لكن لم تكن ثمة علامات حول رقبة الرجل تشير إلى الشنق عندما غسلوا الجثة قبل دفنها، ما أثار الشكوك حول طبيعة وفاته.
وقال أحد أفراد الأسرة أيضا إن مسلحين من قوات أمن الحكومية العراقية متمركزين خارج المقبرة لأسابيع بعد الدفن ضايقوا أفراد الأسرة الذين زاروا القبر.
وقال أحد أفراد الأسرة إنهم يعتقدون أن سبب ذلك هو منع الأسرة من استخراج الجثة لإجراء تشريح مستقل. لم يُزَوَّدُوا بمحضر تشريح الجثة.
ولم تستجب وزارة العدل لطلب هيومن رايتس ووتش بشأن هذا الادعاء.
وفي حالة أخرى، لم يُدرج سبب الوفاة في شهادة الوفاة التي راجعتها هيومن رايتس ووتش.
وقالت إحدى القريبات لأحد من أُعدموا إن قوات الأمن منعت الأسرة من إقامة مراسم الجنازة ونشرت قوات عند القبر.
وأضافت “لاحظت في آخر مرة زرته فيها في السجن أن أظافره مفقودة، وأسنانه متساقطة، وكانت ثمة علامات على قدميه وحول عنقه”.
وراجعت هيومن رايتس ووتش صورا لثلاث جثث أُفرج عنها بعد الإعدام وتظهر عليها علامات مرئية لسوء المعاملة أو التعذيب، بما في ذلك كدمات شديدة وكسور في العظام وجروح وهزال.
وذكرت المنظمة في تقريرها “يبدو أن الإعدامات نُفذت رغم مزاعم ذات مصداقية عن التعذيب وغير ذلك من انتهاكات المحاكمة العادلة والإجراءات القانونية الواجبة
وقالت إن فرض عقوبة الإعدام يكون تعسفيا وغير قانوني إذا انتُهكت ضمانات المحاكمة العادلة للمتهم.
وأفاد مقررون خاصون للأمم المتحدة بأن ظروف سجن الناصرية غير إنسانية، بما في ذلك الافتقار إلى الرعاية الصحية والصرف الصحي، والحبس الانفرادي لفترات طويلة، والوقت المحدود الذي يقضيه السجناء في الهواء الطلق، والاكتظاظ، والطعام الرديء.
وقال المقررون في السابع والعشرين من حزيران إن “الإعدامات المنهجية التي تنفذها حكومة العراق بحق السجناء المحكوم عليهم بالإعدام بناءً على اعترافات شابها التعذيب، وبموجب قانون مكافحة الإرهاب الغامض، ترقى إلى الحرمان التعسفي من الحياة بموجب القانون الدولي وقد ترقى إلى جريمة ضد الإنسانية”.
وأرسلت “هيومن رايتس ووتش” أربع رسائل إلى وزارة العدل منذ تشرين الأول 2023 تطلب معلومات عن ظروف السجن، والإعدامات، والتصديق على أحكام الإعدام، وإمكانية زيارة سجن الناصرية. في الرابع والعشرين من نيسان، ردت الوزارة بأنها غير قادرة على تقديم أرقام عن عدد أحكام الإعدام الصادرة أو المصدّق عليها، أو الإعدامات التي نُفذت سنويا منذ عام 2020.
وفي آذار، التقت ممثلة عن “هيومن رايتس ووتش” بالرئيس رشيد ووزير العدل خالد شواني وثلاثة أعضاء من المجلس الاستشاري الرئاسي في بغداد.
ونفى الرئيس رشيد مزاعم وجود مخالفات في التصديق على أحكام الإعدام، وحدد الخطوات التي اتخذها مكتبه لضمان حقوق أولئك الذين يواجهون عقوبة الإعدام، والتي أكدتها رسالة رد بتاريخ السابع من آذار. ونفى الوزير شواني مزاعم سوء المعاملة والتعذيب والإعدامات غير القانونية في سجن الناصرية، ووعد بتسهيل دخول “هيومن رايتس ووتش” إلى سجون الناصرية والكرخ والرصافة. لم يستجب المسؤولون لطلبات الزيارة أو رسائل المتابعة اللاحقة.
وطالبت المنظمة في ختام تقريرها الرئيس رشيد التوقف فورا عن التصديق على عقوبة الإعدام، وفرض وقف فعلي لاستخدامها حتى يصدر البرلمان قانونا يلغي عقوبة الإعدام. وتعارض “هيومن رايتس ووتش” عقوبة الإعدام في جميع الظروف لأنها بطبيعتها قاسية ولا يمكن الرجوع عنها.
وقالت “ينبغي لقضاة العراق، تماشيا مع المعايير القانونية الدولية والإجراءات الجنائية العراقية، التحقيق في جميع المزاعم ذات المصداقية بشأن التعذيب وقوات الأمن المسؤولة، ونقل المعتقلين إلى مرافق مختلفة لحمايتهم من الانتقام. وينبغي للسلطات القضائية التحقيق بشأن أي حوادث تعذيب وتحديد المسؤول عنها، ومعاقبة المسؤولين، وتعويض الضحية.”
وقالت فقيه “بهذا المعدل، فإن العراق في طريقه إلى تصدُّر المراتب العليا عالميا في الإعدامات غير القانونية. ينبغي للحكومة بدلا من ذلك تركيز جهودها على إجراء إصلاحات حقيقية للقضاء ونظام السجون العراقيَّيْن وإلغاء عقوبة الإعدام إلى الأبد”.