صدمة تواجه عودة النازحين إلى مدن سويت بالأرض بلا خدمات ولا ماء وكهرباء
النازح معاذ فاضل الأب لثمانية أطفال العائد لقضاء الحمدانية في الموصل: لا شيء متوفر حتى الآن، المياه تأتينا بالصهاريج وليست لدينا كهرباء.
بغداد- الرافدين
كشف تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية إن العادين من مخيمات النزوح في العراق، يعيشون الحقيقة الصادمة المتمثلة بمنازل مدمرة لا يمتلكون المال الكافي لإعادة بنائها ومدن لا تصلح للعيش وبلا خدمات.
وفرّ معاذ فاضل من قريته في شمال العراق إبّان سيطرة تنظيم “داعش”، وعاد بعد عشرة أعوام ليواجه تحدّي إعادة بناء بيته المدمّر.
وتعمل حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني اعلى تسريع إغلاق حوالي 20 مخيما في إقليم كردستان المتمتع بحكم ذاتي والذي يقيم فيها أكثر من 115 ألف نازح، وفق الأمم المتحدة، لكن قرى كثيرة لا تزال تفتقر إلى البنية التحتية اللازمة لاستيعاب العائدين.
ولم تف حكومة السوداني بوعودها بشأن تعويض النازحين ومساعدتهم لإعادة بناء بيوتهم، كما أنها لم تعمل على توفير الخدمات الطبيعية للمدن المدمرة.
ويصعب عودة الغالبية العظمى من النازحين بسبب سيطرة ميليشيات منضوية في الحشد الشعبي على مدنهم وترفض مغادرتها، فيما لا تمتلك حكومة السوداني السلطة الواقعية لأخلال تلك المدن من الميليشيات.
وتلمع عينا فاضل (53 عاما) عندما يروي كيف عاد الى قريته حسن شامي في قضاء الحمدانية في آب مع عائلته، “بكينا من الفرح”، و”نسينا الدمار وكلّ شيء”.
لكن الأب لثمانية أطفال يضيف “لا شيء متوافرا حتى الآن”، “المياه تأتينا بالصهاريج وليست لدينا كهرباء”. وتسكن العائلة حاليا في منزل أعارها إياه صديق.
على مقربة من المكان، منازل معظمها سُوّيت بالأرض، وأخرى في طور إعادة البناء. كذلك، بدأ تدريجا تعبيد الطرق في محيط مسجد صغير جديد أبيض.
وفيما لا يزال أبناء فاضل القصّر يرتادون مدرستهم في مخيّم حسن شام يو3 (U3) الذي يبعد نحو كيلومتر واحد فقط، يشير الفلّاح السابق إلى مدرسة بناته الأكبر التي دمّرت بالكامل.
ويضيف الرجل العاطل عن العمل، “أنا ولدت هنا، وكذلك أبي وأمي، ولدينا ذكريات حلوة هنا”.
وتعلن السلطات العراقية بانتظام عن عمليات مغادرة جماعية لمئات النازحين من المخيمات، بعدما خصصت مبلغ أربعة ملايين دينار (نحو ثلاثة آلاف دولار) لكلّ عائلة عائدة إلى قريتها.
غير أن هذه المنحة غير كافية عمليا لإعادة بناء المنازل وتأمين القوت اليومي.
وتعتاش عائلة فاضل بشكل أساسي من راتب أحد الأبناء الذي يتلقى كل أربعة أو خمسة ايام، مبلغا لا يتجاوز الثمانية دولارات لقاء عمله في قطاع البناء.
واعتبرت لجنة الهجرة النيابية منحة العودة الخاصة بالعائلات النازحة غير كافية، داعية إلى زيادتها ومنحهم مزيداً من الدعم.
وقال عضو اللجنة شريف سليمان، إن المبالغ غير كافية لسد احتياجات النازحين وتلبية متطلبات حياتهم اليومية بعد العودة إلى مناطقهم التي ما زالت مهدَّمة وغير صالحة للعيش بسبب النقص الكبير لأغلب الخدمات فيها
ودعا إلى ضرورة تكثيف الدعم للنازحين من أجل إعادتهم إعادة حقيقية إلى مناطقهم ، مع أهمية توفير الخدمات كافة وإعادة تأهيل البنى التحتية فيها، إلى جانب توفير فرص عمل لأرباب الأسر وأبنائهم لكي يبدأوا حياتهم من جديد في مناطقهم.
ومن شروط العودة، حصول النازحين على الضوء الأخضر من الأجهزة الأمنية بعد التأكد من أنهم ليسوا مطلوبين في جرائم مرتبطة بالإرهاب.
ويشير المتحدث باسم وزارة الهجرة والمهجرين علي عباس جهانكير إلى أن كلّ من “عليهم مؤشرات أمنية (…) لا يستطيع أحد منع” السلطات العراقية من “إحالتهم على القضاء”.
وتقول مديرة إدارة الهجرة والاستجابة للأزمات في محافظة أربيل ناز جلال سليم (37 عاما) “المخيمات ستبقى مفتوحة حتى مغادرة آخر عائلة قد تكون لا تزال بحاجة إلى مساعدة”.
وحاولت بغداد مرارا في الأشهر الأخيرة فرض مواعيد نهائية لإغلاق المخيمات، حتى أنها ذهبت إلى حدّ مقاضاة مسؤولين في الإقليم، قبل أن تعتمد أخيرا نهجا تعاونيا.
ويوضح مدير حملات المناصرة في المجلس النروجي للاجئين (منظمة غير حكومية) في العراق إمرول إسلام، أن بإمكان النازحين، لدى مغادرتهم المخيمات، إما “العودة إلى منطقتهم الأصلية أو البقاء (…) في المجتمع الذي استضافهم لسنوات، أو إعادة التوطين في مكان ثالث”.
ويشدّد على ضرورة تأمين “مدارس ومستشفيات وطرق وأسواق توفّر فرصا لكسب الرزق”، محذرا من أن يتسبّب عدم توفر البنية التحتية بـ”عودة العائلات إلى المخيمات”.
لكنّ، رغم كل الصعوبات، بعض العائلات سعيدة بالعودة، مثل وفاء (اسم مستعار) التي تقول إنها تعمل مع زوجها وأولادها بلا كلل على الرغم من انقطاع الكهرباء والمياه، في تنظيف حديقتهم وبيتهم.
وتقول السيدة الأربعينية ماسحة دموعها بكمّ عباءتها الزهرية، “حين تلقيت خبر إمكان مغادرة (مخيم الخازر)، كنت مثل الطفل الضائع الذي وجد أمّه وركض نحوها ليعانقها”.