العراقيون يشربون منذ سنوات مياهًا ملوثة بالنفط ومخلفات الصرف الصحي
مراصد بيئية تجمع على أن جميع الحكومات فشلت في إيجاد معالجة لمشكلة تلوث المياه التي باتت مصدرًا أساسيًا لأمراض عدد كبير من العراقيين على الرغم من الموازنات المالية الانفجارية التي أقرها مجلس النواب.
بغداد – الرافدين
انتقد مواطنون ضعف الدور الرقابي لحكومة السوداني في متابعة أداء المنشآت الصناعية والمرافق النفطية القريبة من الأنهر.
وعد البعض أن هناك تواطؤًا وإهمالاً في تطبيق القوانين البيئية ومحاسبة المخالفين، مما أفسح المجال لتفاقم التلوث.
وعلى الرغم من التحذيرات المتكررة من تأثير التسربات النفطية، والمياه الثقيلة الناتجة عن المعامل الصناعية، وتراكم النفايات، إلا أن الإجراءات الحكومية ما زالت تفتقر إلى الجدية والفعالية.
وعبر مواطنون في المثنى عن مخاوفهم من تعرضهم وعائلاتهم للتسمم والإصابة بالأمراض بالتزامن مع ظهور بقعة زيتية في نهر الرميثة والتي تسببت بإيقاف كافة المشاريع الإروائية ومحطات المياه على طول النهر.
وشكى أحد المواطنين تلوث المياه، قائلا “نحن نعيش كارثة، لم تعد المياه تصلح للشرب أو حتى لري المحاصيل، وفي بعض الأحيان تتصاعد روائح كريهة من مياه الإسالة وكأننا نعيش بجوار مجمع نفايات”، داعيًا الحكومة إلى الاهتمام بواقع المياه وتنقيتها”.
وكان مركز ماء تكريت حذر من وجود بقعة زيتية في نهر دجلة تتجه نحو مدينة تكريت.
ودعا المركز الأهالي إلى التعاون في ترشيد استهلاك المياه خلال هذه الفترة لتجنب أي أضرار أو نقص في التجهيز.
وقالت مديرية بيئة كركوك، أن السبب الرئيسي لظهور بقع زيتية متكررة في نهر دجلة ضمن حدود محافظة صلاح الدين يعود إلى تسربات من أنابيب النفط المحاذية للنهر.
وأضافت المديرية أن التسرب ناتج عن مخلفات تعود لفترة العمليات العسكرية أو محاولات ثقب الأنابيب بغرض تهريب النفط، موضحة أن شركة نفط الشمال حاولت إقامة ساتر ترابي حول موقع التسرب النفطي قرب قضاء العلم على ضفاف نهر دجلة، إلا أن المديرية رفضت هذه الإجراءات.
وبات تراكم النفايات في نهر القاسم بمحافظة بابل جنوب العاصمة العراقية بغداد، يهدد بتلوث بيئي كبير وبالتالي قد يؤثر على صحة آلاف المواطنين في المدينة.
يترافق ذلك مع شح كبير في كميات المياه الواصلة إلى النهر المذكور، والتي تسهم بشكل كبير في تركز النفايات في النهر، وفقاً لقائممقام قضاء القاسم وسام العيساوي.
وقال وسام العيساوي إن “جدول نهر القاسم يتراوح طوله بين 1.5 الى 2 كم، ويمر ضمن التصميم الأساسي لمدينة القاسم”.
ونوّه العيساوي الى أن “شح المياه في مدينة القاسم حوّل هذا النهر الى مكب للنفايات”، مضيفًا أن “مدينة القاسم تفتقر الى مشروع للمجاري، وأغلب الناس ربطوا مياه تصريف حماماتهم بشبكات مياه الأمطار في المدينة، والمتمثلة بالسواقي”، لافتًا الى أن “السواقي مسلطة على الجدول وأيضاً أصبحت مكباً للنفايات”.

وتعود أسباب تفاقم تلوث المياه في العراق إلى عوامل عديدة متداخلة، يأتي في مقدمتها التلوث الصناعي والتصريف العشوائي للصرف الصحي، ما أدى إلى ارتفاع نسب المواد الكيميائية والبكتيريا الضارة بشكل غير مسبوق.
وسبق أن أكد المرصد العراقي لحقوق الإنسان أن النفط ومياه الصرف الصحي والمخلفات الطبية، ترمى جميعها في الأنهر.
وأكد المرصد على أن العراقيين يشربون منذ سنوات مياها ملوثة بالنفط والصرف الصحي مبيناً أن “جميع الحكومات فشلت في إيجاد معالجة لمشكلة تلوث المياه التي باتت مصدراً أساسياً لأمراض عدد كبير من العراقيين، رغم الموازنات المالية الانفجارية التي أقرها مجلس النواب”.
وأضاف “ترتفع نسبة تلوث المياه في العراق كل عام، مع ازدياد النسمة السكانية وتراجع خدمة شبكات تصفية المياه وازدياد المخلفات النفطية والطبية التي ترمى في الأنهر بشكل مستمر”.
وأكد مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية والتنمية غلام إسحاق زاي، بأن 90 بالمائة من مياه نهري دجلة والفرات مياه سطحية ملوثة، وعلى العراق اتخاذ إجراءات عاجلة لمنع هدر المياه.
وبين المسؤول الأممي أن العراق سيفقد 20 بالمائة من مياهه السطحية ومياه الأمطار بحلول العام 2050.
ويكشف الخبير المائي والزراعي تحسين الموسوي أن “المياه في بعض المناطق هي غير صالحة للاستهلاك البشري، نتيجة ارتفاع مستوى الملوثات فيها، فعندما يقل منسوب المياه وتتراجع الإيرادات المائية، تأتي عملية إعادة تدوير المياه برفع الملوثات منها ومن ثم استخدامها للزراعة”.
وأضاف الموسوي “لكن ما يحصل في العراق أن مياه الصرف الصحي مع مياه البزل وكل المخلفات يتم إطلاقها إلى حوض النهر ما يسبب بارتفاع الملوثات لتصبح المياه غير صالحة للاستخدام”.
ويرى الخبير في الشأن البيئي والصحي حيدر معتز محي أن “معالجة نسب التلوث المرتفعة في نهر دجلة وباقي الأنهر والروافد في العراق يتطلب وضع محدات وقوانين تلزم المؤسسات الحكومية والخاصة والمعامل والمنشآت الصحية والنفطية وغيرها وعدم وجود محددات وقوانين بإجراءات من شأنها الحد من التلوث”.
وأضاف أن “تلوث مياه دجلة والذي يصل نسبته إلى 50 بالمائة يرجع إلى اختلال التوازن البيئي نتيجة لزيادة نسبة المركبات الكيميائية في النهر وبتراكيز غير اعتيادية والتي تكون في الغالب ناتجة عن أنشطة الإنسان الذي يعد العامل الرئيسي للتلوث”.
وأضاف أن “المخلفات التي تلقى في الأنهر والروافد في العراق سواء كانت زراعية او صناعية أو منزلية أدت إلى زيادة أنواع المركبات الكيميائية في النهر الأمر الذي يجعل مياه الأنهر غير آمنة على البيئة المائية والثروة السمكية والإنسان بشكل مباشر”.
وأكد الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي تكبد العراق خسائر مالية كبيرة جراء التلوث النفطي في نهر دجلة.
وقال المرسومي إن “التلوث النفطي ومخلفات المستشفيات في نهر دجلة وكذلك الملوثات المنبعثة من مصانع الطابوق والأسفلت المؤكسد، يؤدي الى أضرار كبيرة على مستوى الصحة والزراعة والثروة الحيوانية ونفوق الأسماك، كما أنه يتلف مياه الشرب والهواء، ما يضطر العراق إلى صرف أموال طائلة من أجل تنقية المياه ومواجهة التلوث في عموم مدن البلاد”.
وأضاف أن “العراق من بين نوادر الدول في العالم التي لا تحصي التكاليف البيئية، بينما يفترض إجراء دراسات حول هذا الموضوع والتشجيع على التحول للاقتصاد الأخضر”.
