العراق يواجه خطر فقدان ثروته السمكية بالكامل
تحذيرات من استمرار تدهور الثروة السمكية الذي يكلف العراق خسائر اقتصادية كبيرة سنويًا وسط عجز حكومة السوداني عن حماية موارد البلاد.
بغداد ــ الرافدين
أطلقت منظمات محلية ودولية تحذيرات شديدة اللهجة بشأن مستقبل الثروة السمكية في العراق، حيث سجلت التقارير والاحصائيات خسائر تدهور الثروة السمكية الناتجة عن شح المياه مما تهدد الأمن الغذائي للبلاد، كما تضع مئات الآلاف من العاملين في قطاع الثروة السمكية في دائرة البطالة.
ويواجه قطاع الثروة السمكية في العراق أزمة خانقة تهدد بفقدانه بالكامل، إذ تشير الأرقام والتقارير المحلية والدولية إلى خسائر مالية ضخمة فضلًا عن التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية المصاحبة لهذا التدهور في قطاع الثروة السمكية.
ويأتي ذلك في ظل فشل الحكومة في اتخاذ التدابير اللازمة لمعالجة هذه الأزمة المتفاقمة التي تعدّ إحدى تجليات سوء الإدارة وغياب التخطيط الاستراتيجي لإدارة موارد البلاد.
ونشرت بعثة الأمم المتحدة (يونامي) تقريرًا أوضحت فيه حجم الكارثة، مؤكدة على أن العراق يخسر ما يقارب 400 مليون دولار سنويًا نتيجة تدهور الثروة السمكية، داعيةً إلى اتخاذ خطوات عاجلة للحد من التدهور، إلا أن الاستجابة الحكومية جاءت خجولة ومحدودة، ما يفتح الباب للتساؤل حول مدى جدية الحكومة في حماية هذا القطاع الحيوي.
وتواصل الثروة السمكية في العراق الانحدار وسط سياسات حكومة الإطار التنسيقي العاجزة عن مواجهة التحديات البيئية والاقتصادية التي تضرب هذا القطاع.
ويعاني هذا المورد الحيوي الذي كان يعد أحد الركائز الاقتصادية المهمة للبلاد، من الإهمال وسوء الإدارة، مما أدى إلى تدهور الإنتاج وخسائر كبيرة في ظل غياب الخطط الحكومية الفاعلة التي باتت الأصوات المحلية والدولية تحذر من فقدان هذه الثروة إلى الأبد.
ويشير تقرير لمنظمة الأغذية والزراعة (FAO) إلى أن العراق، الذي كان يمتلك بيئة مائية غنية بالثروة السمكية في نهري دجلة والفرات، يعاني الآن من نقص حاد في الموارد بسبب تقلص المياه بنسبة تجاوزت 50 بالمائة خلال السنوات الأخيرة. ويرجع ذلك إلى السياسات المائية السيئة وتراجع تدفق المياه من الدول المجاورة، وغياب خطط استراتيجية للتعامل مع الأزمة.
ومن جهتها حذر المجلس العراقي للبيئة والتنمية من أن استمرار هذا التدهور سيؤدي إلى فقدان العراق مكانته كواحد من أهم المنتجين الإقليميين للسمك. وقال رئيس المنظمة حسام الجبوري، إن الثروة السمكية ليست مجرد مورد اقتصادي بل هي جزء من الأمن الغذائي، وإذا استمر الوضع على ما هو عليه فإن العراق سيعتمد بشكل كامل على الاستيراد لسد احتياجاته الغذائية.
وتمثل الثروة السمكية في العراق موردًا اقتصاديًا ذا أهمية كبيرة، إلا أن هذا القطاع يعاني تدهورًا خطيرًا بسبب عدة عوامل أبرزها شح المياه والتلوث والصيد الجائر.
وحذر خبراء الاقتصاد من استمرار تدهور الثروة السمكية في العراق بسبب شح المياه وتراجع مستوى نهري دجلة والفرات نتيجة السياسات غير المتوازنة التي تتبعها حكومة السوداني مع دول الجوار بشأن حصة العراق المائية.
وأضافوا أن السلطات لم تُفلح سوى في إجراءات مؤقتة وإعلان حالة طوارئ مائية، كإزالة نحو 10 آلاف بحيرة صناعية، وهو ما أدى لتفاقم المشكلة بدل حلّها، وسط غياب حلول مستدامة واضحة.
ويرى خبراء أن الحكومة الحالية تتحمل مسؤولية كبيرة في تدهور القطاع بسبب غياب التخطيط والإجراءات الوقائية.

وقال الخبير البيئي أحمد الهاشمي إن الموارد السمكية تتعرض لتدمير ممنهج بسبب التلوث الناتج عن المصانع والمخلفات المنزلية التي تصب في الأنهار بشكل مباشر، إضافة إلى ذلك فإن الحكومة لم تبذل أي جهود لحماية هذا القطاع أو إدخال تقنيات حديثة لتحسين الإنتاج.
ومن جهة أخرى يشير أستاذ الاقتصاد الزراعي علي السوداني إلى أن الاستثمار في الثروة السمكية كان يمكن أن يكون بديلًا مهمًا لدعم الاقتصاد العراقي المتعثر، إلا أن سوء الإدارة وغياب الرؤية المستقبلية جعل هذا القطاع يعاني من خسائر مستمرة.
وأشار المختص بالاقتصاد الزراعي خطاب الضامن، إلى أن تراجع الثروة السمكية يمثل انعكاسًا مباشرًا لسوء الإدارة الحكومية، إذ تسبب في تقليل مساهمة القطاع الزراعي بالناتج المحلي وزيادة الاعتماد على النفط كمصدر دخل وحيد في ظل ارتفاع واردات الغذاء وضغوط العملة الصعبة.
وأكد أن تبني استراتيجيات وطنية للتكيف مع التغيرات المناخية، وتحسين إدارة الموارد المائية يمكن أن يكون الحل الأمثل للخروج من الأزمة، إلا أن غياب الإرادة السياسية الحقيقية للحكومة العراقية يقف عائقًا أمام تحقيق ذلك.
ويضع توصيف العراق كـ”دولة هشة اقتصاديًا” ضمن قائمة الدول المستحقة للدعم في مؤتمر المناخ “كوب29” أمام مفارقة تاريخية مؤلمة، فبلد يطفو على ثروات طبيعية هائلة من النفط والغاز إلى الموارد الزراعية والمائية أصبح في عهد سيطرة الأحزاب والميليشيات التابعة لإيران رمزًا للانهيار الاقتصادي والبيئي.
ولا يعبر هذا التوصيف فقط عن واقع التدهور الاقتصادي، بل هو شهادة دولية على فشل الحكومات المتعاقبة في إدارة موارد العراق وعدم تحقيق الحد الأدنى من التنمية المستدامة، حيث حولت العراق من بلد غني بموارده إلى دولة تعتمد على القروض والمساعدات في وقت تستنزف فيه ثرواته من قبل قلة قليلة تسعى وراء مصالحها الخاصة تاركة غالبية الشعب يعاني الفقر والتهميش.
وأجمع مختصون على أن اختيار العراق ضمن الدول “الهشة” ليس مجرد توصيف اقتصادي، بل هو إدانة للنظام السياسي الذي جعل من الفساد وسوء الإدارة عنوانًا دائمًا وأغرق البلد في أزمات متتالية، من شح المياه وتدهور الزراعة إلى تدمير الثروة السمكية.
ولفت المختصون إلى الثروة السمكية في العراق ليست مجرد مورد اقتصادي بل جزء من هوية البلاد وركيزة لأمنها الغذائي.
وأكدوا على أن استمرار هذا النهج سيؤدي بلا شك إلى خسائر أكبر في السنوات المقبلة، ما يستدعي تحركًا فوريًا وشاملًا وإلا فإن العراق سيخسر أحد أهم موارده الاقتصادية والغذائية إلى الأبد.
ويعكس استمرار الإهمال الحكومي للثروة السمكية نموذجًا صارخًا لفشل إدارة موارد العراق الطبيعية، ورغم التحذيرات الدولية والمحلية لا تزال الحكومة تفتقر إلى الإرادة الحقيقية لاتخاذ خطوات جادة.




