أخبار الرافدين
طلعت رميح

ماذا وراء التلويح الروسي بالقصف النووي؟

يشعر العالم بالخوف إلى درجة الهلع، بعد أن قامت روسيا بإجراء تعديلات على ما يعرف بعقيدتها النووية، إذ وسعت من مجالات استخدام سلاحها النووي، وخففت من شروط اللجوء لسلاح الإبادة الشاملة هذا، ردا على منح الولايات المتحدة الإذن للجيش الأوكراني باستخدام صواريخ بعيدة المدى لقصف العمق الروسي، بما يشكل تهديدا للدولة الروسية.
فإذ ذهبت الآراء في البداية إلى أن القرار الأمريكي باستخدام صواريخ أبعد مدى، ليس إلا محاولة من بايدن لتوريط ترامب في حرب متصاعدة وإفشال ما كان قد أعلنه -وشدد عليه- من قدرته على إنهاء تلك الحرب، فقد غلب على التقديرات بعد الرد الروسي بتغيير العقيدة النووية، وبعد تداول أخبار بأن روسيا قررت قصف الدول التي سمحت لأوكرانيا باستخدام أسلحتها في قصف العمق الروسي.
إن ما تشهده الحرب الجارية حول أوكرانيا من تطورات، باتت تهدد الوجود البشري، على اعتبار أن حلف الناتو سيرد هو الآخر باستخدام السلاح النووي حال قيام روسيا بذلك في أوكرانيا، لتنطلق الحرب العالمية الثالثة التي لن تكون إلا حربا نووية.
غير أن لما يجري تقدير آخر مختلف، سواء لأسباب سماح الغرب لأوكرانيا باستخدام صواريخ قادره على قصف العمق الروسي، أو لما ادخلته روسيا من تعديلات على عقيدتها النووية، إذ ما يجري ليس إلا نمط من أنماط ممارسة أقصى الضغوط وتصعيد التهديدات، استعدادا لولوج التفاوض لإنجاز تسوية توقف الحرب.
صحيح أن العالم مهدد أكثر من أي وقت مضى باندلاع حرب نووية، إذ الحرب العالمية الثالثة لن تكون إلا حربا نووية، خاصة، إذا كانت بدايتها صراع وحرب طرفيها روسيا من جهة وحلف الناتو من جهة أخرى، حيث توازن القوى التقليدية يميل بشكل طاغ لمصلحة الناتو، ولا خيار لروسيا إلا استخدام السلاح النووي.
وصحيح أيضا أن الغرب لا يتورع عن شن حرب نووية، إذا وجد حلا تقنيا يمكنه من شل قدرة روسيا على القيام بالضربة الثانية.
بل حتى صحيح، أن الصراع الدولي الجاري منذ عدة سنوات هو خطير وخطير جدا، إذ يجري بين القوى الساعية لتغيير النظام الدولي، والغرب -الولايات المتحدة وأوروبا- الذي يهيمن على النظام الدولي ويسخره لمصالحه، إذ اعتاد العالم على الدخول في حرب عالمية، إذا جرى الصراع حول تغيير التوازنات والنظام الدولي.
غير أن ما حدث الأيام الماضية بشأن الحرب في أوكرانيا هو أمر مختلف.
ما هو حادث الآن، من رفع مستوى التهديد بين طرفي الصراع –روسيا والناتو- هو تلويح بالقوة للوصول إلى تسوية سياسية.
إن روسيا قد اقتربت من إنهاء المعركة العسكرية والحرب لمصلحتها، فقواتها أصبحت تحتل معظم إقليم الدونباس وما تبقى صار محسوما لها السيطرة عليه، بحكم تراجع قدرة الجيش الأوكراني، كما تكاد تنتهى من احتلال شريط حدودي في مقاطعات اوكرانية ملاصقة لحدود منطقة الدونباس وللأراضي أو الحدود الروسية، وأن تلك القوات تتقدم بمعدلات غير مسبوقة في المرحلة الحالية لتحقيق أهدافها. ووصل الأمر الآن أن تحول التقدم الأوكراني في أراضي كورسك الروسية إلى مصيدة للقوات الأوكرانية، إذ استفادت روسيا من سحب القوات الأوكرانية من الدونباس والدفع بها باتجاه كورسك، بأكثر مما استفادت منه أوكرانيا.
وهو ما يضع روسيا في حالة تقترب من فرض شروطها عند انعقاد مفاوضات إنهاء الحرب.
وفي الاتجاه الآخر، أن حلف الناتو قد توسع فعليا بضم دول لصيقة بالحدود الشمالية لروسيا، بما يحقق للحلف حالة اقترابيه أخطر على روسيا، سواء على صعيد تشتيت قواتها وإنهاك اقتصادها أو على صعيد تهديد حلفاء روسيا وفي القلب منهم بيلاروسيا.
ثالثا، أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قد أعلن وأكد أنه ذاهب إلى انهاء الحرب وتسوية الأزمة. تارة تحت مبرر أن روسيا مسيحيه لا يجب الحرب معها أو تحت عنوان أن روسيا لن تهزم وهي هزمت من قبل نابليون وهتلر، أو تحت عنوان ضرورة معالجة خطأ دفع روسيا للتحالف مع الصين…
ولكل تلك الأسباب صار لازما أن تمنح امريكا –بايدن وترامب معا-الإذن لأوكرانيا باستخدام الصواريخ القادرة على قصف العمق الروسي لتعديل التوازن المختل على صعيد المعركة الجارية، وأن ترد روسيا بالتهديد النووي للحفاظ على ما تحقق في الميدان ولشل قدرة الغرب على تعميق حالة استنزافها، ولكي تدخل مفاوضات التسوية الكبرى وفي يدها ورقة التهديد النووي لتحقيق أهدافها المعلنة منذ إطلاق تلك الحرب بشأن حياد أوكرانيا والإجراءات التي تطلبها من حلف الناتو تحت عنوان الحفاظ على أمنها الإستراتيجي.
أما ماهو حادث من حملة تخويف ومن عمليات إثارة للهلع، فهو يجري لتغيير المزاج السياسي من الاندفاع باتجاه الحرب إلى السير باتجاه التسوية.
لكن ذلك لا يعنى أن ما يجري قد وصل إلى نهاية المطاف، وأن أمر التسوية بات مقررا ووصل إلى مرحلة القرار الذي لا رجعة عنه.
إذ الصراع يجري حول تغيير النظام الدولي. وفي ذلك فروسيا حاملة لواء التغيير، وإنهاء هيمنة الغرب هي المستهدف.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى