جهات متنفذة ترعى المرائب غير الرسمية في بغداد على مرأى ومسمع الحكومة
لم تسلم الطرق والساحات العامة في العاصمة بغداد من الفساد الذي طال أغلب مفاصل الدولة، حتى باتت أغلب الطرق الرئيسة والفرعية في المناطق "ساحات" لوقوف السيارات تتحكم بها جهات "متنفذة" لا تملك السلطات المعنية جرأة الكشف عنها فضلًا عن ملاحقتها.
بغداد – الرافدين
أشر اتساع ظاهرة انتشار المرائب غير القانونية في بغداد بإشراف جهات تدعمها أحزاب وميليشيات مسلّحة، حجم الفوضى التي يعيشها العراق بعدما عجزت الجهات المختصة في حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني ولاسيما أمانة بغداد عن إزالتها.
وتتخذ مرائب السيارات التي يطلق عليها العراقيون اسم “كراجات السيارات” أرصفة وساحات عامة تملكها الدولة و حدائق ومساحات خضراء، لتتحوّل إلى “مشاريع تجارية” تدر عائدات جيدة، على الجهات التي تديرها.
ولا تملك الجهات التي تدير هذه المرائب أي ترخيص قانوني أو إداري لأخذ الأموال من المواطنين مقابل اصطفاف سياراتهم فيها وسط مناشدات شعبية لتشييد مرائب تراعي الحاجة الملحة في بغداد بعدما وصلت اعتداءات الجهات التي تقف خلف هذه المرائب إلى الأزقة والطرق الجانبية المحاذية للأسواق والمراكز التجارية والمناطق القريبة من المؤسسات الحكومية التي تشهد زحمة مرور مع تدني عدد مواقف السيارات.
وتحصي أمانة بغداد حاجة العاصمة إلى 720 موقفًا للسيارات، مبينة أنها تحتاج إلى خمس سنوات لحل مشكلة قلة عددها.
ويؤكد المتحدث الرسمي باسم الأمانة، محمد الربيعي أن “الشوارع التجارية في العاصمة تبلغ 72 شارعًا، وأن كل شارع منها بحاجة إلى 10 مرائب لاستيعاب عدد السيارات الموجودة حاليًا”.
وأشار الربيعي إلى أن أمانة بغداد بحاجة إلى خمس سنوات لتوفير المرائب وحل مشكلة نقصها وارتفاع أسعار الوقوف فيها”.
ولفت إلى أن نقص أعدادها تسبب باستغلال الجشعين والاستحواذ على الأرصفة والمساحات الفارغة القريبة من المطاعم والكافيهات لجعلها مكانًا لوقوف السيارات واستيفاء مبالغ منها قد تكون خيالية في بعض الأحيان مقابل ساعات معدودة، مخالفين بذلك قرارات الأمانة بأن تكون أجرة الوقوف في المرائب ألف دينار فقط.
وعلى الرغم من أن أمانة بغداد حددت تسعيرة الكراجات بعدد الساعات، على أن تبدأ التسعيرة من ألف دينار للساعة الواحدة، وتصبح 3 آلاف دينار في حال تجاوزت مدة الوقوف أكثر من ثلاث ساعات، إلا أن أصحاب الكراجات غير الرسمية لا يلتزمون حتى بهذه التسعيرة، ويفرضون على أصحاب المركبات ما لايقل عن 3 آلاف دينار، حتى لو كان التوقف لبضع دقائق.
ويصف بغداديون الظاهرة بأنها نوع من الابتزاز وفرض الإتاوات، مؤكدين أن الأمر ليس خافيًا على الجهات الأمنية، وأن الكثير من المواطنين وأصحاب المحال التجارية قدموا شكاوى ولم يستجب لهم.
ويبين محمد شاكر، وهو سائق من بغداد، أن “الكراجات غير الرسمية تطلب مبالغ مرتفعة، حيث يدفع أحيانًا 5 الاف دينار عراقي فقط لركن سيارته أثناء شراء الخضراوات”.
ويضيف أنه تعرض لدفع مبلغ 4 الاف دينار عراقي عند زيارته لطبيب في منطقة زيونة، بعد أن زعم شخص بأن الشارع الذي أوقف فيه مركبته هو كراج يخضع لإدارته.
ويشير شاكر إلى أن الجهات الحكومية تبدو عاجزة عن اتخاذ أي إجراءات قانونية إزاء هذه الظاهرة.
ويطالب أمانة بغداد بمحاسبة من يمارسون هذه المهنة بدون تراخيص رسمية من خلال تكثيف الجولات الميدانية وتشديد الرقابة.
في المقابل يبرر أحد الأشخاص الذين يمارسون هذه المهنة ويدير موقفًا غير رسمي للسيارات بأنه توجه إلى هذه المهنة التي تتطلب عراكًا مع رافضي دفع المال لقاء ركن سياراتهم؛ بسبب عدم توفر فرص العمل.
وأضاف مفضلًا عدم الكشف عن هويته “مثلما تطالبنا الدولة بعدم التجاوز على الشارع، يفترض بها أن توفر فرص عمل تليق بنا كمواطنين، وتحد من انتشار البطالة، فالمستوى المعيشي الجيد للمواطن يجعله يحترم القانون ولا يتجاوز على الممتلكات العامة.
وانتهى بالقول إنه “إذا كان المواطن لا يمتلك قوت يومه، فسيضطر للتجاوزات من أجل الحصول على عمل يلبي متطلبات الحياة البسيطة، وأغلب العاملين في تلك المهنة ينتمون إلى عائلات فقيرة”.
بدوره يؤكد محمد غانم، الذي يدير هو الآخر كراجًا غير رسمي في منطقة المتنبي ، أنه لجأ إلى هذه المهنة بسبب غياب فرص العمل، على الرغم من تخرجه قبل تسع سنوات من قسم الإدارة المالية.
ويضيف غانم “ربما تكون هذه المهنة غير قانونية، لكن ماذا نفعل في ظل انتشار البطالة والفقر؟ نحن بحاجة إلى إعالة عائلاتنا”.
ويبين أن تكاليف الحياة في بغداد أصبحت باهظة، بدءًا من إيجار المنازل وصولًا إلى متطلبات الحياة اليومية ما يستدعي تدخل الحكومة لتوفير فرص عمل للشباب.
ويلفت محمد غانم إلى أن “بعض الكراجات غير الرسمية تُدار من قبل جهات متنفذة في الحكومة، وأن الأجور اليومية لتلك الكراجات تتجاوز 600 ألف دينار عراقي، ما يعكس حجم الاستغلال الذي يمارسه البعض في هذا المجال”.
ويعلق علي الحمود الباحث الاقتصادي، على ظاهرة انتشار المهن غير القانونية ولاسيما كراجات السيارات غير الرسمية، بالقول إن “غياب فرص العمل لا يبرر اللجوء إلى مهن مخالفة للقانون، لأن ذلك سيحول المدينة إلى غابة تحكمها قوانين القوة”.
ويرى الحمود أن “الكراجات غير الرسمية تشوه منظر العاصمة، وتحوّل الأرصفة إلى أماكن لركن السيارات، ما يلحق الضرر بالبنية التحتية ويشكل تعديًا على الممتلكات العامة وأن هذا التجاوز يعكس ضعف الإجراءات القانونية تجاه هذه الظواهر التي تضر بجمالية المدينة وحقوق المواطنين”.
وانتهى بالقول إن “الجهات الحكومية متواطئة مع هذه المجاميع وتعمل على حمايتها، خاصة في المناطق القريبة من المجمعات الطبية”.
ويؤكد منتسبون في الأجهزة الأمنية تورط جهات حكومية متنفذة وميليشيات مسلحة أو شخصيات مقربة منها في دعم من يدير المرائب غير الرسمية مقابل مردود مالي ثابت شهريًا نظير حمايتهم التي تحولت إلى أشبه بحصانة تجعل أي موظف حكومي يتجنب الدخول في أي نوع من المشاكل معهم، والتي قد تمتد الى أسرته في حال اضطر المسلحون لردعه.
ويؤكد رجل أمن يعمل في دورية للشرطة في بغداد أنها “مهنة سهلة ومتاحة ومربحة، وشرطها أن تكون مدعومًا من جهة ما وأن الجهات المسلحة عديدة، وجميعها لها سلطة تمنعنا من الاصطدام بهم، أو منعهم من ممارسة تلك المخالفات”.
وأضاف المنتسب الأمني شريطة عدم ذكر اسمه “دائمًا ما نتحدث مع أشخاص يرتكبون مخالفات، سواء فرض أجور على أصحاب سيارات يركنونها على جانب الطرق، أو ممارسة عمل ما في مكان غير مصرح به، فيبرزون لنا ما يدلل على ارتباطهم بجهة مسلحة، عندها نتجنب الصدام المباشر، ونبلغ إداراتنا كي تتخذ الإجراء اللازم”.
وليس غريبًا في العراق أن يتجاوز مسلحون ينتمون لميليشيا ما أو قبيلة قوية، القانون علنًا، وعلى مرأى ومسمع الجهات الأمنية، وذلك لتمتع هذه الجهات المسلحة بالقوة والنفوذ.
وكثيرًا ما وقعت صدامات بين جهات متنازعة على ساحات خضراء أو أراضي تابعة للدولة بهدف استثمارها في بغداد، وفي بعض تلك الصدامات سقط قتلى ومصابون من الجانبين.
وكان مصدر مطلع، قد كشف عن تفاصيل خلاف وصفه بالكبير بين عناصر من ميليشيا بدر التابعة لهادي العامري رئيس تحالف نبني، وقوة من حماية المربع الرئاسي التابعة لرئيس تحالف قوى الدولة عمار الحكيم، في منطقة الجادرية وسط العاصمة بغداد.
وقال المصدر، إن “أحد المستثمرين المقربين من ميليشيا بدر، أراد تحويل متنزه في المربع الرئاسي ضمن منطقة الجادرية وسط العاصمة بغداد، إلى مرآب للسيارات، الأمر الذي أثار حفيظة أفراد حماية الحكيم الذين يحاولون استثمار المتنزه لصالحهم الأمر الذي دفع مسؤول الحماية إلى منع المستثمر المقرب من بدر من القيام بعمله بصفته المسؤول الأمني عن المنطقة”.
وأضاف المصدر، أن “ما جرى دفع عناصر مسلحة تابعة لميليشيا بدر، إلى الدخول على الخط ما تسبب بحدوث مشادة كلامية مع مسؤول حماية الحكيم، كادت أن تتحول إلى صدام مسلح قبل أن يتدخل رئيس الوزراء محمد شياع السوداني شخصيًا لإنهاء المشكلة على الفور”.