العراقيات يتصدرن نساء العالم تحت وطأة التعنيف والتهجير وسحق الكرامات
ينتقل وضع العراقيات يومًا بعد يوم من سيء إلى أسوأ في بلدهن الذي تصدر قائمة أسوأ عشرة بلدان يمكن أن تعيش فيها النساء تزامنًا مع احتفاء العالم باليوم الدولي لمناهضة العنف ضد المرأة.
بغداد – الرافدين
تزداد معاناة المرأة العراقية مع إحياء اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة في ظل ارتفاع معدلات العنف ضد النساء العراقيات لأسباب اجتماعية واقتصادية وسياسية وطائفية، في وقت تغيب فيه الحلول الحكومية للحد من هذه الظاهرة التي بدأت بالتفاقم بعد العام 2003.
ويمر اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة في وقت تتصدر فيه النساء العراقيات قائمة حالات العنف، بحسب البيانات الرسمية حيث يتخذ العنف أشكالًا متعددة ومن مصادر مختلفة.
وتحتفي دول العالم في اليوم الدولي لمناهضة العنف ضد المرأة بعدما حددت الجمعية العامة للأمم المتحدة الخامس والعشرين من شهر تشرين الثاني من كل عام يومًا دوليًا لهذه المناسبة بهدف تسليط الضوء على أشكال العنف التي تتعرض لها النساء ودور الحكومات والمجتمعات في مواجهتها.

وجاء اليوم الدولي لمناهضة العنف ضد المرأة في وقت تشن فيه السلطات الحكومية حملة اعتقالات للناشطات بدعاوى كيدية أسفرت عن زج عدد من ناشطات مدينة الناصرية مركز محافظة ذي قار في السجون الحكومية.
مصادر محلية تحدثت الأحد عن مداهمة قوة حكومية مستشفى الحسين التعليمي في الناصرية واعتقال الطبيبة دعاء الأسدي، لتنضم إلى 3 ناشطات اعتقلن الأسبوع الماضي وأطلق سراح اثنين منهن، بتهم تتعلق بالتظاهرات.
ويعلق الناشط المدني ضرغام الفريجي من الناصرية على حادثة الاعتقال بالقول إن “الزميلة الناشطة دعاء الأسدي تعمل في مستشفى الحسين التعليمي، وان قوة أمنية قامت بمداهمة مقر عملها واعتقالها”.
وأضاف الفريجي أن “مجموعة من الأشخاص المدنيين قاموا قبل يومين بإيقاف دعاء في ساحة الحبوبي بمدينة الناصرية، وطالبوها بعرض هويتها ولكن الأخيرة رفضت حتى تجمع المواطنون وسهلوا إفلاتها منهم”.
وبين أن “هذه ليست المرة الأولى، التي تتعرض فيها دعاء للاعتقال أو التهديد، حيث تلقت عدة رسائل من حسابات وأشخاص، واستخدموا معها مختلف الطرق لإيقافها عن النشر على مواقع التواصل الاجتماعي، والكف عن دعم الاحتجاجات”.
وتابع “دعاء كانت تعلم بأمر اعتقالها، حتى اضطرت إلى أخذ إجازة من العمل، قبل أيام، واليوم فور مباشرتها في المستشفى تم اعتقالها”.
وكشف الناشط المدني عن قيام السلطات الحكومية باعتقال 3 ناشطات الأسبوع الماضي وهن كل من (ماجدة العبودي، ريام الناصرية، نور الناصري)، قبل إطلاق سراح ريام ونور، السبت، بكفالة فيما لا تزال ماجدة العبودي في السجن، حتى الآن.
وسبق أن ذكر قسم حقوق الإنسان في هيئة علماء المسلمين في العراق، أن المرأة من أولى ضحايا السياسات التي انتهجت بعد الاحتلال والممارسات التي تقوم بها أجهزة السلطة فقد توالت الإجراءات والتشريعات من أجهزة السلطة التي تحطّ من مكانة المرأة.
وأوضح تقرير قسم حقوق الإنسان في الهيئة، أنه قدم إلى مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة تفاصيل تعرض عدد غير قليل من المعتقلات إلى الاعتداء من قبل الحراس أو الموظفين الرسميين، ولم تتخذ السلطات أية إجراءات لمعاقبة المجرمين، بل قامت بالدفاع عنهم والتستر على هذه الجرائم البشعة.

ولا يقتصر الأمر على الاعتقالات فحسب حيث تعيش المرأة العراقية محنًا مهولة منذ عام 2003 بعدما فقدت مئات الآلاف من النساء أزواجهن وابنائهم بالقتل والاختطاف والتغيبب والاعتقال، واضطرت نساء إلى اعالة عائلات مكونة من عدة أطفال في ظروف معيشية تفتقر إلى الكرامة الإنسانية.
وتطالب أمهات عشرات الآلاف من المغيبين قسرًا والمختطفين من قبل الميليشيات الطائفية بالكشف عن مصير أبنائهن وأزواجهن وسط تساؤلات حول مماطلة الحكومات المتعاقبة والقضاء في الكشف عن مصيرهم أو حتى فتح ملفاتهم.
وتعاني العائلات التي فقدت معيلها تحديات كثيرة ما أجبر الكثير من أفرادها لاسيما النساء الأرامل والمطلقات على دخول سوق العمل وممارسة أعمال شاقة في المصانع ومكبات النفايات وغيرها لمساندة الأهل في تأمين متطلبات الحياة.
ويعكس جهل الجهات الرسمية بالأعداد الحقيقية للأرامل مدى اللا مبالاة للسلطات الحكومية لهذه الشريحة، على الرغم من أنها تتحمل مسؤولية معاناتهن، إذ لا تملك وزارة التخطيط إحصاءًا دقيقًا حول عدد الأرامل في البلاد وما زالت تتحدث عن مليون أرملة فقط استنادًا لأرقام قديمة غير محدثة.
في المقابل تقدر إحصاءات غير رسمية عدد الأرامل في العراق، بنحو 3 ملايين امرأة عقب تشكيك منظمات حقوق المرأة بالأرقام التي تصدرها وزارة التخطيط والتي وصفتها بغير الدقيقة لعدم شمولها زوجات المفقودين والمغيبين، على الرغم من تصنيف الأمم المتحدة لهن ضمن شريحة الأرامل وسط حديث عن تقاعس حكومي متعمد بهدف الهروب من مسؤولية تقديم الرعاية اللازمة لهذه الشريحة.
وتتزايد يومًا بعد آخر مشكلة الأرامل في العراق لاسيما أن أعدادهن في تصاعد مستمر بسبب الفوضى الأمنية، واستمرار سياسة الإهمال الحكومي لشريحة أصبحت مأساتها منسية في ظل واقع مرير يعكس حقيقة ما يسمى بالعراق الجديد.
وتواجه شريحة الأرامل العراقيات قسوة الحياة وشظف العيش في ظل فقر مدقع ترتفع معدلاته على وقع أزمات الفقر والبطالة التي حولت هذه الشريحة إلى مجرد أرقام تعيش ظروفًا قاسية تحت خط الفقر.
وتتفاقم أوضاع المرأة العراقية في ظل الفوضى وانتهاك الحقوق بشتى أشكاله الذي تتعرض له هذه الفئة ولاسيما العنف الأسري والطلاق والتحرش والاغتصاب والقتل والاختطاف والتهجير، إلى الحد الذي نتج عنه انحراف كبير في مسار المجتمع.
وتشير إحصائية صادرة في أيلول الماضي عن المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق، إلى ارتفاع حالات العنف الأسري في البلاد خلال السنوات الثلاث الماضية إلى 53 ألف حالة.
ووفق الإحصائية بلغ معدل حالات اعتداء الزوج على الزوجة خلال الثلاث سنوات الأخيرة 75 بالمائة من إجمالي الحالات، أما اعتداء الزوجة على الزوج فقد بلغت نسبته 17 بالمائة، بينما وصلت نسبة اعتداء الأبوين على الأطفال إلى 6 بالمائة، والاعتداء على كبار السن كالجد والجدة بلغ 2 بالمائة.
ويبين حقوقيون أن قسمًا كبيرًا من حالات التعنيف والضرب والإهانة بحق النساء والأطفال، تبقى طي الكتمان ولا يتم التبليغ عنها، لهذا فالأرقام بلا شك تصل إلى أضعاف ذلك بينما ينجم عن بعض حالات التعنيف وفيات أو إصابات بعاهات مستديمة وتشوهات عميقة، إضافة لآثارها النفسية الرهيبة على الضحايا ما يستدعي تشريعات رادعة للحد من هذه الظاهرة.
وترى المحامية شيرين زنكنة أن تشريع قانون مناهضة العنف الأسري سيقلل من حالات التعنيف ويمنع حدوثها.
وتبين زنكنة أن “المادة الثانية من مسودة القانون تؤكد أن هذا القانون يهدف إلى حماية الأسرة، وعلى وجه الخصوص النساء والفتيات من كافة أشكال العنف المبني على النوع الاجتماعي، والحد من انتشاره والوقاية منه، ومعاقبة مرتكبيه، والتعويض عن الضرر الناتج عنه، وتوفير الحماية للضحايا، وتقديم الرعاية اللازمة لهم وتأهيلهم، وتحقيق المصالحة الأسرية.”
ووفق ناشطات وحقوقيات في مجال المدافعة عن المرأة والطفل، تسعى الأحزاب الطائفية إلى رفض مشروع القانون وإنهائه بالكامل، عبر ترويج أنه مخالف للشريعة الإسلامية.
وتوضح الناشطة في مجال حقوق المرأة والطفل، إسراء السلمان أن “ذريعة مخالفة القانون للشريعة هي لتشتيت وتفتيت المجتمع، بالتالي كلامهم ليس مبني على أساس صحيح، حتى الإشاعات التي يحاولون الترويج لها في الشارع العراقي، هي تحريض على القانون لشرذمته وإيجاد مبررات مجتمعية لرفضه”.

ومن بين أشكال العنف الكثيرة التي تتعرض لها المرأة في العراق تتسع ظاهرة التحرش لتأخذ مساحة كبيرة بين المشاكل الكبيرة التي تواجه النساء العراقيات في السنوات الأخيرة.
ويحث المرصد العراقي لحقوق الإنسان في هذا الصدد، السلطات على تشديد المتابعة وتفعيل الإجراءات القانونية بحق المتحرشين، لضمان عدم إفلات الجناة من العقاب أولاً، وحفظ سرية هوية الضحية التي تبلغ عمّا تتعرض له ثانيًا.
وسبق أن حذر المرصد، من تزايد حالات التحرش الجنسي واللفظي في كثير من المنشآت الحكومية والخاصة، بما في ذلك المنازل، وفق شهادات لضحايا وشهود عيان.
وكان المرصد قد استمع للشهادات الشخصية وأجرى مقابلات عديدة، تحدثت خلالها نساء وكذلك رجال عن تفاصيل حوادث تحرش وقعت في مستشفيات وجامعات ومدارس ودوائر حكومية وأخرى خاصة، وكذلك في وسائل إعلام.
وشدد المتحدثون جميعهم على عدم ذكر أسمائهم أو كشف معلومات تقود إلى التعرف عليهم أو على مرتكبي حالات التحرش، خشية “الوصمة المجتمعية” والملاحقات العشائرية.
بدوره يطالب أستاذ علم النفس، أحمد الذهبي للحد من ظاهرة التحرش بـ”ضرورة العمل الجدي” لوضع معالجات حقيقية تهدف إلى “تثقيف المجتمع بمكانة المرأة”.
وأشار الذهبي إلى أن التحرش ولاسيما التحرش الجنسي، له “آثار نفسية خطيرة، قد تدفع بعض الضحايا إلى الانتحار، ويؤدي إلى اضطرابات نفسية سلوكية، يصعب على الضحية التخلص منها”.
ودعا إلى “تفعيل القوانين” لحماية المرأة من التحرش والابتزاز، وفرض عقوبات رادعة بحق المتورطين، للحد من هذه الظاهرة والقضاء عليها تدريجيا.
وعلى الرغم من غياب إحصائيات حقيقية عن عدد حالات التحرش الجنسي في العراق، لكن الناشطة النسوية بشرى العبيدي، تضع العراق في صدارة الدول التي تنتشر فيها هذه الظاهرة.
وأرجعت العبيدي ذلك لعدة أسباب، أبرزها “عدم وجود تشريعات قانونية تجرم التحرش الجنسي، وعقوبات حالية غير رادعة بحق المتورطين تصل إلى السجن لمدة 6 أشهر وغرامة مالية لا تتجاوز 2 مليون دينار عراقي، وغالبًا ما تذهب العقوبة إلى الغرامة المالية فقط ويفلت الجاني من العقاب”.
وتعاني المرأة العراقية الكثير في بلد يعد ضمن البلدان العشر الأخطر على المرأة بحسب تصنيف معهد المرأة والسلام والأمن، لعامي 2023-2024، وأوضاعها تزداد سوءًا مع استمرار النهج الحكومي في مصادرة حقوقها.
ويتذيل العراق مؤشر المرأة والسلام والأمن لعامي 2023- 2024 وجاء في المرتبة 168 من بين 177 دولة في النسخة الرابعة من المؤشر الذي يصدره معهد المرأة والسلام والأمن بجامعة جورج تاون الأمريكية.
ويعتمد المؤشر في بياناته على مصادر حديثة وذات سمعة عالية مثل وكالات الأمم المتحدة، والبنك الدولي، واستطلاع معهد “غالوب” العالمي.
وحل العراق في المؤشر الدولي مع أفغانستان وسوريا واليمن ضمن البلدان العشرة الأخيرة الأقل أمانًا للنساء، حيث تعاني المرأة أوضاعًا متردية وتهدر حقوقهن السياسية والاجتماعية والتربوية.