مستقبل ملتبس يلف تنفيذ الاتفاقية الصينية مع العراق
مجلة “فوربس”: الولايات المتحدة، تحاول التركيز بقوة على جلب الشركات الأمريكية إلى العراق لإعادة بناء قطاع الطاقة من أجل إبعاد المستثمرين الصينيين، ومواجهة النفوذ الإيراني.
بغداد – الرافدين
يسود الغموض بشأن مستقبل الاتفاقية العراقية الصينية التي سبق وأن ابرمتها حكومة عادل عبد المهدي مع بكين بدعم وتوجيه إيراني يصب في مصلحتها السياسية والاقتصادية.
وكشفت شبكة “ذا دبلومات” الأمريكية، وقت سابق عن تعطل مفاجئ لصفقة صينية كانت ترمي إلى مشاريع بنية تحتية في العراق بتمويل صيني ضخم أثارت مخاوف جدية من التبعية الاقتصادية المتزايدة لبكين.
وبحسب الشبكة، أعلنت السلطات الصينية عن توقف مؤقت لها بسبب قرار عراقي، معربة عن استعدادها لتقديم تطمينات للحكومة العراقية، مما يعكس عمق الأزمة ويطرح تساؤلات حول مستقبل العلاقات الاقتصادية بين البلدين، وتأثيرها على المشهد السياسي في العراق والمنطقة.
وقالت مجلة “فوربس” الأمريكية إن الولايات المتحدة، تحاول التركيز بقوة على جلب الشركات الأمريكية إلى العراق لإعادة بناء قطاع الطاقة من أجل إبعاد المستثمرين الصينيين، ومواجهة النفوذ الإيراني، والحد من انبعاثات الغاز.
ونقلت المجلة الأمريكية عن مساعد وزير الخارجية لشؤون الطاقة في وزارة الخارجية جيفري بيات، قوله إن الجميع يدركون الأصول التي يمثلها العراق، باعتبار أنه يملك ثاني أكبر احتياطيات مؤكدة في اوبك.
وذكرت بأن الصين التي تعتبر فعليًا إحدى الجهات الرائدة في مجال تشغيل حقول النفط والغاز في العراق في الوقت الحالي، حيث تقوم بتطوير 10 حقول أخرى للنفط والغاز بعد فوزها بعملية عطاءات لتطوير مناطق عراقية محددة في وقت سابق من العام 2014، مشيرة إلى أن تطوير قطاع الطاقة في العراق يمثل فرصة لانتزاع مكانة الصين في المنطقة.
وفي أواخر أيلول 2019، وقع حكومة عادل عبد المهدي التي اسقطتها ثورة تشرين اتفاقات مع الصين. وبموجبها، تعهدت عشرات الشركات الصينية بالعمل في البنى التحتية العراقية مقابل تلقي بكين 100 ألف برميل نفط يوميا.
ورجح مراقبون أن هنالك ضغوطات أمريكية لعرقلة تنفيذ الاتفاق نتيجة التنافس الاقتصادي بين الغرب بزعامة الولايات المتحدة، والشرق بزعامة الصين وروسيا
وسبق وأن حذرت الولايات المتحدة حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني بأنها لن تسمح لإيران وروسيا والصين بالسيطرة على حقول الغاز في العراق.
وقال سايمون واتكينز، في دراسة نشرها بموقع “أويل براس” المتخصص بشؤون الطاقة، بأن واشنطن حذرت السوداني بأنها ستزيد من الرقابة المالية على الأموال العراقية برمتها وسيتم إيقاف المدفوعات إلى إيران مقابل توريد الغاز للمحطات الكهربائية في العراق، بمجرد أن تفكر حكومته بمنح تطوير حقل عكاز في الانبار إلى روسيا أو الصين.
ويؤكد الخبير الاقتصادي ضياء المحسن أن “الاتفاقية العراقية الصينية الضخمة، التي تقدر قيمتها بحوالي 10 مليارات دولار، تواجه ضغوطا أميركية قوية قد تعرقل تنفيذها”.
وأوضح أن “الحكومة العراقية كانت تعتبر هذه الاتفاقية حلا آمنا لإعادة إعمار البنية التحتية المتضررة، إلا أن التطورات السياسية الإقليمية والدولية، وخاصة المنافسة المتزايدة بين الولايات المتحدة والصين، وضعتها في موقف محرج”.
وحسب المحسن، “يمثل التوازن الدقيق المطلوب في العلاقات العراقية مع القوتين العظمى، الولايات المتحدة والصين، تحديا كبيرا لبغداد خاصة في ظل التزاماتها الاقتصادية المتعددة”، مؤكدا أنها “تواجه صعوبة في اتخاذ قرار نهائي بشأن هذه الاتفاقية، حيث إن التراجع عنها قد يضر بعلاقاتها مع بكين، بينما قد يؤدي الإصرار على تنفيذها إلى زيادة التوتر مع واشنطن”.
وشدد على أن “المصلحة الوطنية العراقية يجب أن تكون هي الأولوية في أي قرار يتعلق بهذه الاتفاقية، وأن الحكومة يجب أن تتجنب الضغوط الخارجية وأن تعمل على تحقيق التوازن في علاقاتها الدولية”.
ويصف خبراء اقتصاديون الاتفاقية بالغامضة وغير الواضحة، حتى بالنسبة للسياسيين المقربين من صنع القرار، لأنه ورغم مرور 5 سنوات على توقيعها، لا تزال بنودها المالية والجزائية غير معروفة بشكل دقيق، مما يفتح الباب أمام تفسيرات متعددة.
وبحسب الخبراء فأن الأحداث الإقليمية الأخيرة لعبت دورا في هذا القرار حيث سعت الحكومة العراقية لتجنب مواجهة واشنطن، لا سيما وأن النفوذ الأمريكي في العراق كبير وأن أي حكومة تحتاج إلى موافقة واشنطن لاتخاذ قرارات مهمة في السياسة الخارجية وحتى الداخلية.
وحول السلبيات التي رافقت تنفيذ تلك الاتفاقية، يرى الأكاديمي والباحث الاقتصادي خطاب الضامن، أن “معظم المشاريع تعاني من التنفيذ البطيء، إذ ما زالت الكثير من تلك المشاريع تحت التنفيذ منذ عام 2019، وأبرزها المدارس، بسبب البيروقراطية والتأخير في تمويل مستحقات المقاولين العراقيين”.
وأشار الضامن إلى أن “النقطة الأهم، هي تعثر عمليات التدريب ونقل التكنولوجيا، فقد تضمنت الاتفاقية بنودا لتدريب الكوادر العراقية ونقل التكنولوجيا لضمان استدامة المشاريع المنفذة، وهذا لم يحدث بسبب الاعتماد على أسلوب التنفيذ غير المباشر (عن طريق مقاولين ثانويين)”.
وأوضح، أن “الاتفاقية لم تصل إلى مستوى الاتفاقيات المشابهة التي عقدتها الصين مع دول أخرى في أفريقيا وآسيا، إذ أن بعض تلك الدول حققت قفزات كبيرة في مجالات تدريب الكوادر الوطنية ونقل التكنولوجيا الحديثة في البناء والتشييد وتشغيل مشاريع البنى التحتية والمشاريع الصناعية المختلفة بفضل الاستثمارات الصينية”.
وأشار الأكاديمي والباحث الاقتصادي إلى “وجود غموض بتسعير برميل النفط العراقي في الاتفاقية، وفي تكاليف البناء، التي تختلف قياسا بالتكاليف التي تطلبها شركات أخرى غير صينية لتنفيذ نفس أنواع المشاريع التي تضمنتها الاتفاقية، ما يثير شكوكا بالفساد ورفع التكاليف لتغطية عمولات غير شرعية وغيرها”.
وأضاف أن “الاتفاقية سارت وفق التنفيذ غير المباشر للمشاريع التي تم الاتفاق عليها، من خلال توزيع عقود الإنشاءات على شركات ومقاولين ثانويين عراقيين، وتفرغ الشركات الصينية لأعمال الإشراف عن بعد، وخصوصا في مجال المدارس، ما أوجد شبهات فساد، وساهم بانخفاض مستوى الجودة في التنفيذ”، لافتا إلى “انعدام الشفافية والرقابة التي تضمن وجود مؤسسات رقابية مستقلة لمتابعة مراحل تخمين الكلف والتنفيذ لمنع الفساد الإداري والمالي”.
وهذا ما يتعارض مع الهدف المعلن من هذه الاتفاقية كما يحدده المستشار الحكومي، مظهر محمد صالح، والذي يشير بالقول إن “هدف الاتفاق هو تنفيذ المشاريع بالاتفاق بين الجهات الحكومية في البلدين، دون تدخل وسطاء ومستفيدين، وأن الهدف من ذلك هو تجنب التكاليف المتضخمة لتنفيذ المقاولات في العراق والتي أمست ظاهرة شائعة للأسف بعد 2003 كواحدة من أبواب استنزاف الأموال العامة عبر تعاظم تكاليف التنفيذ”.
ويأتي ذلك في وقت تشهد فيه المدارس الحكومية اكتظاظا شديدا أدى إلى جعل الدوام ثنائيا وثلاثيا، نظرا لقلة عدد المدارس، الأمر الذي زاد الحاجة إلى المدارس الخاصة التي يصعب على غير الميسورين دخولها.
ويعتقد الخبير الاقتصادي، بلال خليفة، أن “الاتفاقية فشلت، لأنها توجه بوصلة الاقتصاد العراقي نحو الصين بدلا من الولايات المتحدة، التي تنظر إليه بأهمية بالغة، أو كجزء لا يتجزأ من استراتيجية الأمن القومي الأمريكي، كما يصفه الكاتب الأمريكي مايكل نايتس، لكونه واقعا في قلب الصراع”.