أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

مجلس القضاء الأعلى يعبر عن إفلاسه الوطني ويربت على أكتاف لصوص سرقة القرن

أحكام قضائية واهنة ومتواطئة مع لصوص سرقة القرن بعد التمهيد لسفرهم خارج العراق، تثير الاشمئزاز في الشارع العراقي.

بغداد- الرافدين
تحولت الأحكام القضائية الواهنة بشأن لصوص الدولة في سرقة القرن إلى موضع تهكم بين العراقيين واصفين الأحكام القضائية بأنها مشينة ومتواطئة مع لصوص الدولة.
ونظر قاض عراقي متقاعد إلى الأحكام القضائية باشمئزاز مؤكدا على أن مجلس القضاء الأعلى عبر عن إفلاسه الأخلاقي عندما ربت على أكتاف لصوص سرقة القرن، بعد أن أطلق سراحهم ومهد لسفرهم خارج البلاد وأصدر أحكام قضائية مضحكة بحقهم.
وطالما أبدى العراقيون امتعاضهم، حول صمت القضاء تجاه ملفات تمس جوهر العدالة في العراق، مثل ملف المغيبين قسرًا وإفلات الجناة من العقاب وتسييس القضاء وجعله هامشًا للأحزاب السياسية الحاكمة.
ويترأس فائق زيدان مجلس القضاء الأعلى، وهو على قمة نظام المحاكم العراقية، وقال سفير سابق ومسؤول سابق في المخابرات العراقية إن لدى زيدان القدرة على إخفاء القضايا.
وسمح زيدان لنور زهير بالسفر بذريعة تصفية أصوله الخارجية، والدفع مجددا للحكومة العراقية.
وأعلن في بغداد أن محكمة جنايات الكرخ المتخصصة بمكافحة الفساد، حسمت الدعاوى الخاصة بجريمة “الأمانات الضريبة”، أو ما يُعرف إعلامياً بـ”سرقة القرن”.
وقال المجلس إن الحسم تمثّل بإصدار حكم بالسجن على المتهم الأول الرئيسي نور زهير مدته 10 سنوات، والسجن 6 سنوات لرائد جوحي المدير السابق لمكتب رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي المقيم حاليا خارج العراق، وعدد من الموظفين المدانين بالجريمة، والحبس 3 سنوات بحق عضو مجلس النواب السابق هيثم الجبوري.
وليس بين هؤلاء من يقيم في العراق بعد أن تم السماح لهم بمغادرة البلاد من قبل مجلس القضاء الأعلى.
وكان مصدر قضائي قال لوكالة الصحافة الفرنسية في شهر آب إن السلطات فقدت أثر الجبوري الذي توقّف “لعدة أشهر” عن تسديد مبالغ لا يزال يتعين عليه سدادها للدولة، بعدما أعاد مبلغ 2.6 مليون دولار من أموال وُجدت في حسابه.
ويكشف موقف مجلس القضاء الأعلى مستوى الانهيار الذي وصل له القانون في العراق، بينما يتم التغطية على أكبر سرقة في التاريخ المعاصر في العراق بعد استيلاء لصوص الدولة على أكثر من 2.5 مليار دولار من أموال الضرائب في العراق.
وسقط مجلس القضاء الأعلى وهو يصنع الذرائع للصوص الدولة ويثني على تواطؤ القضاة، عندما وجه كتاب شكر إلى القاضي ضياء جعفر، قاضي أول محكمة تحقيق الكرخ الثانية، المشرف على القضايا المرفوعة على نور زهير، المتهم الأكبر بسرقة القرن، والذي أخرج بكفالة غامضة، وهارب خارج العراق.
وتمثل “سرقة القرن” باختفاء مبلغ 3.7 تريليون دينار عراقي، بما يعادل نحو مليارين ونصف المليار دولار، من أموال الأمانات الضريبية، تم الكشف عنها من قبل جهات معنية قبل نحو شهرين من انتهاء فترة الحكومة العراقية السابقة برئاسة مصطفى الكاظمي.
فيما أعلنت مصادر قضائية ورقابية أن السلطات الحكومية تتستر على فضيحة تاريخية غير مسبوقة بعد أن كشفت أن كمية الأموال التي سرقت من الهيئة العامة للضرائب تصل إلى 8 مليار دولار وليس 2.5 مليار كما ذكر سابقا.
وفي 2023، كشف كتاب رسمي صادر عن هيئة الضرائب أن مبلغ 2.5 مليار دولار، جرى سحبه بين أيلول 2021 وآب 2022 من مصرف “الرافدين” الحكومي، عبر 247 صكاً ماليا، حُرّر إلى خمس شركات، قامت بصرفها نقدا مباشرةً.
وعلى أثر انكشاف السرقة تحركت هيئة النزاهة والسلطة القضائية لتتولى التحقيق بالقضية وصدرت منذ ذلك الحين أوامر قبض قضائية اعتقل على أثرها زهير.
وزهير المدير المفوض لشركة “المبدعون” للخدمات النفطية المحدودة”، واسمه الكامل “نور زهير جاسم المظفر”، وكنيته “أبو فاطمة”.
وتشير تقارير إلى أن زهير يمتلك أكثر من 20 عقارا فخما داخل العاصمة بغداد، فضلاً عن أموال وشركات.

نور زهير لص حر
وفي تشرين الأول 2022، تم إلقاء القبض على زهير أثناء محاولته الفرار بطائرة خاصة خارج البلاد عن طريق مطار بغداد الدولي. ثم أفرج عنه بكفالة في الشهر التالي بعدما ردّ للدولة ما يزيد قليلا على 125 مليون دولار من أصل أكثر من مليار دولار “اعترف” بأنه أخذها. وتعهّد بأن يُعيد المبلغ المتبقّي.
ونهاية آب 2024، أصدر القضاء العراقي أمرا بالقبض على زهير بعد أيام من ظهوره في مقابلة تلفزيونية على فضائية محلية، وكذلك على هيثم الجبوري.
وسبق أن كشف تحقيق تلفزيوني مصور لمجلة “إيكونوميست” البريطانية عن ضلوع سبعة فصائل مرتبطة بالأحزاب والميليشيات الحاكمة في العراق في سرقة القرن التي تم فيها نهب 2.5 مليار دولار من أموال الضريبة في العراق.
وذكرت المجلة في التحقيق المصور الذي أجراه مراسلها في الشرق الأوسط نيكولاس بيلهام، أن لصوص الدولة يتقاتلون في ما بينهم في العلن، لكنهم يعملون معا لإثراء أنفسهم، بغض النظر عن المواقف السياسية والطائفية.
ويقول كاتب التحقيق في مجلة “إيكونوميست” عندما زرت العراق؛ مررت بجوار قصر نور زهير في المنصور، وكانت الأضواء مضاءة.
وزعم العراقيون الذين تحدثت إليهم أنه كان قد تم رصده في دبي وعمان ولندن. وفي نيسان 2023؛ قامت المحاكم بإلغاء تجميد أصوله، وأخبرني أحد مساعدي السوداني أن رئيس الوزراء ليس لديه خيار آخر؛ حيث قال “لو لم يطلق سراح نور زهير لكان قد فقد رأسه”.
وتهكمت مجلة “إيكونوميست” بطريقة أن العراق يعيش مسرحية الديمقراطية، فعلى الرغم من أن المشهد العام يبدو على ما يرام، بوجود هيئة النزاهة العامة ومجلس القضاء الأعلى ولجنة الأخلاقيات البرلمانية، فإنه يفتقر إلى المصداقية والموثوقية.
ونقلت المجلة عن أحد المسؤولين السابقين قوله إن البلد بمثابة “أرض للعصابات”. غالبا ما تستخدم المؤسسات التي يجب أن تحافظ على المساءلة لزعزعة استقرار الشعب.
وقال الباحث السياسي في “ذي سنتشري فاونديشن” سجاد جياد أن سبعة فصائل من مختلف الأطياف قد حصدت مكاسب من سرقة القرن: المدعومون من إيران، والمدعومون من الولايات المتحدة، وأنصار الوضع الراهن، وكل الفصائل تستفيد من مخططات الفساد.
وأضاف “هؤلاء المعارضون يقاتلون بعضهم البعض في العلن لكنهم يعملون سويا لإثراء أنفسهم، بغض النظر عن المواقف السياسية والأيديولوجية”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى