الاختناقات المرورية معضلة يومية تكشف سوء التخطيط وتكلفة الفساد في العراق
الطرق الرئيسة في المدن العراقية تتحول إلى ساحات انتظار ضخمة، حيث يقضي المواطنون ساعات طويلة مملة في مركباتهم عالقين في اختناقات لا تنتهي.
بغداد – الرافدين
تشهد المدن العراقية وعلى رأسها العاصمة بغداد أزمة مرورية متفاقمة باتت تشل حركة التنقل اليومية للمواطنين وتؤثر على مختلف جوانب حياتهم، مع تزايد أعداد السيارات وقلة البنية التحتية المهيأة لتحمل هذا الزخم المروري، جعلت الطرق الرئيسة تشبه ساحات انتظار ضخمة، حيث يقضي المواطنون ساعات طويلة عالقين في اختناقات لا تنتهي.
ولا تقتصر آثار الأزمة المرورية على الإزعاج اليومي، بل تتجاوز ذلك لتلقي بظلالها على الجوانب النفسية والاقتصادية. إذ تؤدي الاختناقات إلى تأخر الموظفين عن أعمالهم، وزيادة استهلاك الوقود، وارتفاع معدلات التلوث، فضلاً عن الإجهاد الذي يعاني منه المواطنون بسبب ساعات الانتظار الطويلة.
ويشتكي قائدي السيارات في بغداد من الازدحامات المرورية اليومية التي تحولت من مجرد تحديا للحركة إلى جزءً من الحياة اليومية، حيث يتصارع السائقون من أجل التقدم خطوة.
وترتبط هذه المعضلة بوجود أعداد ضخمة من السيارات في بغداد، وتوافد آلاف السيارات عليها من محافظات أخرى يومياً لا تتناسب مع الطرقات، فضلاً عن سوء التخطيط، وافتتاح مجمعات تجارية ضخمة في مناطق وسط المدينة المزدحمة، إلى جانب تمركز معظم الدوائر الحكومية ومقار الوزارات في مناطق قلب بغداد، ما يتسبب في ضغوط كبيرة على حياة المواطنين.
ويتكبد العراق خسائر سنوية تصل إلى نحو 500 مليار دينار (نحو 342 مليون دولار) جراء الاختناقات المرورية التي تعاني منها العاصمة العراقية بغداد وحدها، جراء عمليات الهدر اليومي بالوقود، بحسب تقرير لمؤسسة عراق المستقبل للدراسات والاستشارات الاقتصادية.
ووصفت مجلة “الإيكونومست” البريطانية في آذار مارس الماضي، بغداد في تقرير بأنها واحدة من أسوأ المدن في حركة السير، حيث تشهد ازدحامات مرورية خانقة بسبب تهالك الطرق وانتشار نقاط التفتيش وزيادة أعداد السيارات وتلكؤ وفساد في مشاريع البنى التحتية، وفشل الحكومات المتعاقبة بعد 2003 في حل المشكلة”، حيث أكدت “إيكونوميست” أنه “لدى بغداد أسوأ حركة مرور في الشرق الأوسط.
وقال خبراء اقتصاديون إن بغداد تضم أكثر من 50 عقدة مرورية مقابل واردات وموازنات تتعدى تريليونات الدنانير.
وأكد الخبراء أن بغداد وخلال العقدين الماضيين وفي ظل الفساد المستشري لم تتمكن من إنشاء جسور رغم المبالغ الطائلة التي دخلت إليها، حيث تركز عملها على الأرصفة والمتنزهات وتبليط الطرق، وكانت غالبيتها إما غير جيدة أو لم يتم استكمالها، وأن ما تم تخصيصه لمشاريع الجهد الخدمي للسنوات الثلاث الأخيرة تعدى الــ 3 تريليونات دينار، لكن ما تم صرفه خلال العام الماضي لا يتجاوز 600 مليار دينار، ما يشير إلى أن منظومة الفساد تحكم أمانة العاصمة.
وانتقدت لجنة النقل والاتصالات النيابية كثرة المجسرات في بغداد، فيما أشارت الى أن المجسرات شوهت العاصمة وفاقمت الازدحامات.
وقال عضو اللجنة زهير الفتلاوي إن “المجسرات المنفذة في بغداد نقلت الازدحام إلى أماكن أخرى ومثال على ذلك مجسر ساحة عدن وصنعاء، إذ نقلت الازدحام إلى باب المحلات في المنطقة بعد ما كان الهدف الرئيسي منها هو فك الاختناق في ساحة عدن”.
وأضاف، أن “الاختناقات أصبحت أكثر، لا سيما بعدما تجتاز السيارات المجسر وتنزل وتتفاجأ بطابور كبير من السيارات، وهذا يعني المشكلة يجب ان تتعالج بكامل جوانبها ليس نقل الاختناق الى مكان اخر”.
وأشار الفتلاوي إلى أن “أرخص الطرق ليس هو الذي يكلف أقل، بل هو الذي ينتج عن تنفيذه أقصى عوائد مربحة نسبة إلى المبالغ المصروفة عليه”، مشيرًا إلى أن “المبالغ التي صرفت على المجسرات بلغت ما بين ثلاثة تريليون وخمسة تريليون”.
ولفت إلى أن “العاصمة بغداد تحولت إلى مدينة كونكريتية بفعل الجسور”.
ورأى الفتلاوي، أن “تنفيذ المجسرات بهذه السرعة يعود لمآرب معروفة”، مستدركًا “جسري الأحرار والشهداء تنفيذهما بائس”، متسائلًا “هل يوجد مجسر يتنفذ في ثلاث أشهر؟، انفصال الصفائح الحديدية للأرصفة عن أماكنها وهو من أغرب المجسرات في العالم على الإطلاق وصرف عليها مبالغ لو كان صرفها على جوانب الطريق وتوسعة الطريق والأموال لو انصرفت إلى المنازل لتعويضها كان أفضل”.
وأضاف “أما مجسر ساحة قحطان الذي يبدأ من مستشفى اليرموك وعندما تصعد السيارات على هذا المجسر تتفاجأ بعدها بسكة القطار الموجودة هناك، كان المفروض عمل نفق لسكة الحديد”.
وأفاد بأن “المجسر الثاني هو مجسر الصالحية الذي، شوه معالم مدينة بغداد والمعالم الأثرية موجودة كون المنطقة ليست مزدحمة وتمتلك شارع واسع”.
وذكر رئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الانسان فاضل الغراوي أن” 60 بالمائة من العراقيين يعانون من ضغوطات نفسية بسبب الازدحامات المرورية في الشوارع العامة.”
وقال الغراوي إن “الازدحامات المرورية أحد الاسباب المباشرة لزيادة التلوث في العراق كون السرعة المنخفضة للسيارات تعني المزيد من الاحتراق للوقود مثل البنزين ووقود الديزل في محركات الاحتراق الداخلي التي تنبعث منها كمية كبيرة من الغازات الدفيئة وخاصة ثاني أوكسيد الكاربون في الغلاف الجوي”.
ويرى الكاتب صباح زنكنة في مقالة له تحت عنوان “بغداد: مدينة الزحامات والسيارات العالقة” “في أغلب بلدان العالم، عندما تزدحم المدن، يتوجه الناس إلى المترو أو القطارات السريعة. أما في بغداد، فالبديل الوحيد هو استيراد المزيد من السيارات دون جدوى أو دراسة!”.
وأضاف “استيراد السيارات هو الآخر جعل بغداد في مهرجان معرض دولي!، فبدلاً من التفكير في الحد من استيراد السيارات، يبدو أننا قررنا المنافسة على لقب “أكبر معرض سيارات عالقة في العالم”، فكلما زاد عدد السيارات، ازداد عدد الحفر والمطبات، وانتشار العوادم الكاربونية والتي تدمرت خلالها البيئة والانسان”.
وقال متهكمًا “في ظل كل هذه الفوضى، يبدو أن الحل الوحيد للبغدادي هو أن يتحول إلى كائن برمائي يتنقل عبر نهر دجلة وأزقتها مغتزلًا أو معتزًلا شوارعها المكتظة، أو باختراع نوع جديد من الطائرات الشخصية للتحليق فوق الغيوم إلى محل عمله ، وحتى ذلك الحين لابد من التحمل وتخطي مزيدًا من الازدحامات وساعات طويلة من الانتظار، فالازدحامات أصبحت الهوية الوطنية الجديدة للفرد العراقي ولابد من الاعتزاز بها!”.