هل يكفي الدعم المالي البريطاني لحكومة الإطار التنسيقي لمنع العراقيين من الهجرة غير الشرعية
وزيرة الداخلية البريطانية إيفيت كوبر تعلن أنها أبرمت اتفاقا مع العراق للحدّ من الهجرة غير النظامية، من دون أن توضح لماذا يجازف العراقيون ويسلكون طرق الموت، بينما مزاعم حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني تتحدث عن استقرار سياسي وأمني في البلاد.
بغداد- الرافدين
أعلنت الحكومة البريطانية أنها أبرمت اتفاقا مع العراق للحدّ من الهجرة غير النظامية والتعاون بشكل أكبر لمكافحة شبكات التهريب.
وقالت وزيرة الداخلية البريطانية إيفيت كوبر في بيان إنّ “هذه الالتزامات التاريخية… تبعث بإشارة واضحة إلى شبكات التهريب الإجرامية بشأن تصميمنا على التحرّك في جميع أنحاء العالم لملاحقتها”.
ولم توضح كوبر لماذا يهاجر العراقيون ويسلكون طرق الموت، بينما مزاعم حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني تتحدث عن استقرار سياسي وأمني في البلاد.
ووضعت الحكومات المتعاقبة حال الشباب العراقي بين خيارين إما الهروب من جحيم الواقع المزري، أو البقاء في البلاد حيث الفقر والبطالة وتردي مستوى التعليم، وبالتالي الوقوع في شرك المخدرات واللجوء للانتحار، أو الانخراط في صفوف الميليشيات بحثًا عن لقمة العيش بينما يرون ثروات بلادهم تنهب من قبل الساسة والمرتبطين بهم مما تنشئ جيلًا غير سوي ومشبع بالصدمات النفسية.
واتّفق البَلدان على “العمل” لتسريع إجراءات إعادة المهاجرين العراقيين إلى بلادهم عندما لا يكون لديهم تصريح إقامة صالح في المملكة المتحدة.
ويأتي “الاتفاق” الذي ينصّ أيضا على تقديم لندن دعما ماليا للسلطات العراقية، بعد زيارة كوبر التي استقبلها وزير الداخلية في حكومة الإطار التنسيقي عبد الأمير الشمري الثلاثاء في بغداد.
واستمرارا لنهج حكومات المحافظين التي سبقتها في حكم البلاد، جعلت حكومة العمّالي كير ستارمر الحدّ من الهجرة بشقّيها الشرعية وغير الشرعية إحدى أولوياتها.
ووعدت الحكومة بالتصدّي لشبكات المهرّبين الذين ينظمون رحلات غير شرعية لعبور المانش على متن قوارب صغيرة.
ومنذ بداية العام، وصل أكثر من 33500 شخص إلى المملكة المتحدة عبر المانش في رحلات غير شرعية محفوفة بالمخاطر، وهو عدد أكبر مما كان عليه عام 2023 رغم التعاون الفرنسي-البريطاني لمكافحة هذه الظاهرة.
ويأتي المهاجرون بشكل رئيسي من العراق وأفغانستان وإيران وفيتنام، لكنّ الغالبية منهم يأتون من العراق بهذه القوارب أو بوسائل أخرى.
ووقّعت لندن اتفاقات تعاون مع دول أخرى لمكافحة الهجرة غير الشرعية، ولا سيما مع ألبانيا عام 2022، ومؤخرا مع دول العبور في أوروبا الشرقية مثل صربيا وكوسوفو ومقدونيا الشمالية.
كما وقّعت دول أوروبية أخرى اتفاقات مع الدول التي ينطلق منها المهاجرون غير الشرعيين.
من المقرر أن يتوجه وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو إلى لندن مطلع كانون الأول ليبحث مع نظيره البريطاني ملف الهجرة.
وفقا للأرقام التي نشرها مكتب الإحصاءات الوطنية الخميس، انخفض معدّل الهجرة بنسبة 20 بالمائة خلال عام في المملكة المتحدة، وذلك نتيجة للسياسات التي انتهجتها حكومة المحافظين السابقة التي منعت بعض الطلاب الأجانب من القدوم مع أسرهم.
ودخل 1.2 مليون شخص إلى البلاد بين حزيران 2023 وحزيران 2024، وغادر 479 ألفا خلال الفترة نفسها، ليصل صافي رقم الهجرة إلى 728 ألفا.
واستبعد عراقيون أن يوقف الاتفاق البريطاني العراقي مسعى آلاف العراقيين للمجازفة وعبور البحار من أجل البحث عن حياة كريمة وأمنة خارج العراق.
وأجمعوا على أن المعضلة ليست بالمهربين فهم نتيجة وليس سببا مما يعاني منه جيل كامل فقد الآمل في وطن يدار بواسطة طبقة سياسية فاسدة وسطوة ميليشيات ولصوص دولة منذ 21 عاما.
وفُقد أكثر من 60 شخصًا بعد غرق قارب قبالة سواحل كالابريا في منتصف حزيران الماضي فيما أُنقذ 11 آخرون. وكان القارب الذي انطلق من تركيا، يقلّ غالبية من الأكراد أتوا من العراق وإيران بالإضافة إلى عائلات أفغانية.
وقضى ما لا يقلّ عن 36 شخصًا في حادث الغرق هذا، بحسب الحصيلة الأخيرة الصادرة عن السلطات الإيطالية فيما تتواصل عمليات البحث للعثور على المفقودين الذين كانوا على متن القارب.
وتقول المنظمة الدولية للهجرة إن 3155 مهاجرًا توفوا أو فُقدوا في البحر الأبيض المتوسط العام الماضي.
ولقي أكثر من ألف حتفهم أو سُجّلوا في عداد المفقودين هذا العام بحسب المصدر نفسه.
وفي منتصف أيار أعلنت سلطات كردستان العراق اعتقال مهرّب المهاجرين الملقّب بـ”العقرب” والملاحَق في دول أوروبية عدة، بعد تحقيق استقصائي لشبكة “بي بي سي” كشف أنه متواجد في مدينة السليمانية.
وفي السنوات الأخيرة، سلك آلاف العراقيين طرق الهجرة، مجازفين بعبور البحر للوصول إلى المملكة المتحدة، أو المشي عبر الغابات في بيلاروسيا للوصول إلى الاتحاد الأوروبي.
وفند غرق عشرات المهاجرين العراقيين غير الشرعيين في تحطم سفينة قبالة الساحل الجنوبي لإيطاليا، مزاعم حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني عن الاستقرار السياسي والاجتماعي في البلاد.
وقال قسم الإعلام في هيئة علماء المسلمين في العراق، إن استمرار هجرة العراقيين وإصرارهم وعائلاتهم على مغادرة البلد على نحو غير مأمون، مرّده إلى جملة من الأسباب التي جعلت العراق بيئة غير صالحة للعيش في ظل النظام السياسي القائم فيه.
وأضاف قسم الإعلام في الهيئة إن المشاهد المؤلمة التي تحيط بالمهاجرين العراقيين، ومناظر الأطفال والنساء وهم يصارعون الأمواج أملاً في النجاة، هي رسالة لتجَّار السياسة الذين ما انفكوا يتاجرون بقضايا العراقيين من نازحين ومعتقلين ومغيّبين وغيرهم، من أجل تمرير مشاريعهم في صناعة ما يسمّونه (إقليمًا) ويجعلون من كردستان العراق مثالاً لهم، في سعيهم لتسويق الأوهام بشأن مستقبل رغيد وعيش كريم، بينما واقع الحال يكشف يوميًا حجم الأكاذيب التي يروّجها هؤلاء، ويُظهر للعراقيين بطلان أي مشروع يقوم على المحاصصة والطائفية والتضحية بوحدة الوطن.
وأوضح القسم في تصريح صحفي أن ارتفاع وتيرة رغبة العراقيين وعائلاتهم بالهجرة من العراق، نحو مستقبل مجهول في أوروبا وغيرها؛ يعكس حجم الفساد المالي والإداري لدى السلطات الحكومية في العراق، ومديات التدهور الاقتصادي التي أودت بالعراقيين نحو دركات سحيقة في مؤشر الفقر؛ بحيث صاروا من الشعوب الأكثر فقرًا في المنطقة والعالم.
ويدفع الانهيار الاقتصادي وعدم الثقة بمستقبل العملية السياسية ملايين العراقيين للبحث عن لجوء في بلدان أوروبية وغربية أخرى خلال السنوات الأخيرة حسب دراسة لمنظمة الهجرة الدولية.
ويحاول غالبية العراقيين الهجرة بشتى الطرق المشروعة وغير المشروعة للحصول على اللجوء في الدول الأوروبية وللهرب من الاضطرابات والانفلات الأمني الذي تشهده البلاد خلال العقدين الماضيين.
ويعزو المهاجرون سبب هجرتهم للافتقار إلى فرص العمل والبطالة، مؤكدين أن لا مستقبل واعد لهم في العراق.
وتصنف سجلات الأمم المتحدة الشعب العراقي من أكثر الشعوب طلبًا للهجرة والتوطين في بلد آخر.
وحل العراق في المرتبة الرابعة على قوائم الاتحاد الأوروبي بأكثر الدول على مستوى العالم في تقديم طلبات اللجوء بحسب وكالة الهجرة بالاتحاد الأوروبي
ويبلغ عدد العراقيين المهاجرين واللاجئين نحو خمسة ملايين مهاجر موزعين على 35 دولة وذلك بحسب إحصائية غير دقيقة، بينما لا تمتلك حكومة العراق إحصائية لعدد المهاجرين واللاجئين.
وأكدت إحصاءات وكالة الهجرة على أن العراقيين هم ثاني أعلى الشعوب العربية بعد السوريين طلبًا للجوء إلى أوروبا.