الحركة الرابعة.. باتجاه إيران
الحركة الرابعة ستجري باتجاه إيران، وسيكون الضغط الصهيوني العسكري مترافقا مع ضغط سياسي واقتصادي أمريكي لإحداث تغيير داخلي يحقق تغيير السياسات، إن لم يكن تغيير النظام. وتلك هي ذات التوجهات التي جرت لإحداث التغيير في أوضاع غزة ولبنان وسوريا من قبل.
قدم الإعلام الصهيوني الإستراتيجية المعتمدة لتغيير التوازنات في الإقليم تحت عنوان إعلامي وسياسي يتعلق بالصراع مع إيران وحلفائها وعن منعها من امتلاك السلاح النووي.
وتحدث نتنياهو عن النهضة وعن حرب الوجود، وتبارزت المجموعات الصهيونية في التعصب والتطرف وشدة الدموية، حول الاستيطان في غزة بعد احتلاها وطرد سكانها. وتحدث مؤخرا عن طرد الفلسطينيين من الضفة الغربية، ومنع إقامة دولة فلسطينية.
وفي كل ذلك، بدى واضحا أن الخطط المعتمدة تدور حول ممارسة أبشع عمليات القتل والإبادة والتدمير من جهة، وفتح المجال لتفاعل عوامل الصراع الداخلي من جهة أخرى، سواء عبر تغيير التوازنات بين القوى الداخلية في الدول المستهدفة أو عبر تحريك مجموعات من الداخل، لتحقيق ما سمى بتغيير وجه الشرق الأوسط.
تلك الخطط هي ما جرى تنفيذه بدءا من العدوان على غزة ومرورا بما جرى باتجاه لبنان ويجري العمل بها في سوريا حاليا والتي سنراها بوضوح في الفترة المقبلة باتجاه إيران، وهي خطط تجري وفق ظروف كل دولة. ولذلك يمكن القول إن لا هدوء ولا استقرار في الإقليم وأن الحروب ستظل العنوان الفعلي لمجريات الأحداث، طوال الفترة الحالية والقادمة. وأن أعمال العدوان والقصف الصهيوني وتصعيد الحروب الداخلية سيظلان مسيطران على مشهد الشرق الأوسط، بل يمكن القول بأن ما جرى في لبنان من وقف لإطلاق النار، ليس إلا حاله مؤقتة، سيجري خلالها دفع الأوضاع الداخلية للاصطدام –الحرب الأهلية- كما سيجري العمل وفق الآلية الدولية التي فرضت للوصاية على هذا البلد تحت عنوان مراقبة الاتفاق، لنزع سلاح حزب الله. فإن لم تنجح تلك الخطة، ستعود الأعمال العسكرية من جديد.
لقد جرى العدوان الصهيوني على غزة باستخدام أشد الأسلحة فتكا من قبل الجيش الصهيوني لسحق مجموعات المقاومة وتدمير الحاضنة المجتمعية لها عبر أعمال التدمير الشامل لمقومات الحياة والبقاء، من جهة، كما جرت تحركات متعددة لأحداث تغيير في التوازنات الداخلية والدفع بقوى فلسطينية لصناعة حالة احتراب داخلي من جهة أخرى. لقد جرى اللعب بورقة السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس للحلول محل سلطة المقاومة أو على أنقاض سلطة المقاومة، كما جرت محاولة لتشكيل سلطة إدارية جديدة عبر دعم مجموعات قبلية وعشائرية وجهوية للحلول محل سلطة المقاومة في توزيع المعونات الغذائية في البداية والدفع بها لتصبح سلطة إدارية تحت قيادة وسيطرة الاحتلال. وما تزال الجهود متواصلة في هذا الاتجاه عبر دفع أطراف عربية للدخول بقواتها العسكرية إلى غزة لدعم سلطه عباس أو لدعم سلطة العشائر والقبائل أو للاصطدام مع المقاومة.
وفي الحرب على لبنان، جرى التركيز على إحداث أكبر قدر من التدمير للمجموعات والتكوينات المسلحة، بل حتى السياسية، مترافقا مع إلحاق خسائر فادحه بالبيئة الطائفية الحاضنة لتلك الميلشيا، وهو ما جرى متزامنا مع فتج المجال لتحريك مجموعات طائفية أخرى للاستفادة من تغيير التوازنات الحادث بإضعاف حزب الله، سواء عبر إحداث تغيير في بنية السلطة أو بترشيح شخصيات معادية لحزب الله لقيادة مؤسسات الحكم “رئيس دولة غير موالي لحزب الله” أو بالدفع لإشعال حرب أهلية في لبنان.
وإذ كانت عين الكيان الصهيوني على سوريا باعتبارها ممر السلاح الإيراني لميلشيا حزب الله في لبنان وعلى إضعافها لضمان استمرار السيطرة على الجولان، فقد جرى القصف الصهيوني وتواصل لإضعاف سلطه بشار الأسد تحت عنوان موالاتها لإيران، وبشكل محدد المجموعات السياسية والعسكرية الأقرب لها، ولإضعاف وجود إيران وحزب الله على أراض سورية فقد نتج عن الضربات وعن ملاحقة حزب الله في لبنان، تغيير التوازنات الداخلية، وهو ما وجدته مجموعات المعارضة فرصه لتجديد الصراع والحرب الداخلية. وكما هو معلوم، فقد تعرضت المعارضة والمجتمع السني طوال السنوات الماضية إلى أعمال إبادة بشعة على أيدي النظام وميليشيات حزب الله وبقية ميليشيات إيران طوال السنوات الماضية، بما ولد ثارات لا تهدأ. تتحرك المعارضة السورية الآن استثمارا للتغيير في توازن القوى على الأرض الذي أحيى الأمل وجدد إمكانية دحر النظام، والتحول فيما بعد لمواجهة الكيان الصهيوني لتحرير الأرض السورية. والقادم هو إيران.
وفي هذا الاتجاه نشهد تحركا إيرانيا مضادا، إذ تتحرك إيران في اتجاه الإقليم لإعادة رسم صورتها أو لتغيير ملامح صورتها الحقيقية لمواجهة ما بات مؤكدا وواضحا من خطة أمريكية صهيونية ليس فقط لتقليم أظافرها وإضعاف ميلشياتها بعد أن أدت دورها الذي خدم المخططات الصهيونية والأمريكية، بل أيضا لإضعاف النظام وترويضه أو تغييره.
الشرق الاوسط سيظل في داخل دوامة الصراع الدموي، والهدف الحقيقي وبعيد المدى هو تحقيق سيطرة الكيان الصهيوني على الأرض الفلسطينية وطرد أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين. والباقي هوامش.