حكومة السوداني تسخر موارد العراقيين قسرًا لصالح ميليشيا حزب الله في لبنان
استقطاع 1 بالمائة من رواتب الموظفين والمتقاعدين في العراق بدعوى دعم لبنان وغزة يثير ضجة كبيرة بسبب صيغة القرار الإجرائية التي جاءت بنود تطبيقها مخالفة تمامًا للقانون بعدما تضمنت عبارات اتسمت بعدم الشفافية وغياب الوضوح.
بغداد – الرافدين
دخل قرار حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني الخاص باستقطاع جزء من رواتب موظفي ومتقاعدي الدولة بزعم دعم لبنان وغزة حيز التنفيذ على الرغم من إثارته جدلًا واسعًا بين الأوساط الشعبية والقانونية فيما يتعلق بدوافع القرار وشفافية تطبيقه.
وباشرت هيئة التقاعد الوطنية، بالبدء باستقطاع 1 بالمائة من رواتب المتقاعدين العراقيين في الوقت الذي دعت فيه غير الراغبين بالتبرع إلى ملء المعلومات المطلوبة على رابط مستحدث لهذا الغرض في منصة أور الإلكترونية التابعة للحكومة.
وجاءت المباشرة في الاستقطاع في أعقاب تداول وثيقة موقعة من قبل الأمين العام لمجلس الوزراء حميد نعيم على منصات مواقع التواصل الاجتماعي أشار مضمونها إلى أن “مجلس الوزراء قرر في جلسته الاعتيادية السابعة والأربعين المنعقدة في التاسع عشر من تشرين الثاني الجاري، الموافقة على استقطاع وزارة المالية 1 بالمائة من الراتب والمخصصات والراتب التقاعدي لمؤسسات الدولة جميعها، (تبرعاً طوعياً) يودع في حسابات دعم غزة ولبنان بالتساوي أو على وفق الأولويات التي يحددها رئيس مجلس الوزراء”.
ووفق ما أوردته الوثيقة الرسمية أيضاً فإنه “في حال عدم رغبة الموظف أو المتقاعد من التبرع فيتقدم بطلب رسمي إلى الوزير أو رئيس الجهة غير المرتبطة بوزارة يبين فيه عدم رغبته في التبرع، ليقوم الوزير أو رئيس الجهة غير المرتبطة بوزارة بالإيعاز لرفع اسمه من قوائم المتبرعين”.
وأثارت العبارات الواردة في الوثيقة حفيظة المواطنين والمراقبين خصوصا فيما يتعلق بالأسلوب الاجرائي المتبع “الإجباري”، وكذلك عدم الوضوح في عبارات القرار وطريقة تطبيقه الحقيقية.
فبينما ينص قرار مجلس الوزراء على “فتح باب التبرع” المعروف في جميع انحاء العالم أنه ينتظر من يأتي بإرادته للتبرع، يذهب التطبيق الحقيقي للقرار عبر الاستقطاع الإجباري، فيما توجه الدعوة لغير الراغبين بالتبرع بملء استمارة “عدم الرغبة بالتبرع”، على خلاف ما يفترض أن يحصل من خلال فتح استمارة للراغبين بالتبرع فقط.
ويرى المراقبون أن هذ العملية معقدة وفيها استخدام “لصيغ التلاعب” وأن السلطات تراهن على جهل المواطنين في ملء الاستمارة وصعوبة وصولهم إليها خصوصا من المتقاعدين الذين لا يعرفون كيفية استخدام الوسائل الإلكترونية بينما يتحدث آخرون عن دوافع طائفية تسعى إلى تحقيقها السلطات عبر توفير السيولة لدعم حزب الله بعد خسائره الجسيمة في لبنان.
وقال الصحفي العراقي عثمان المختار إن “قطع 1 بالمائة من مرتبات الموظفين والمتقاعدين العراقيين يأتي لصالح مليشيا حزب الله اللبنانية وأن إضافة عبارة (غزة) جاء لأغراض التورية”.
وبين المختار أن “قيمة المرتبات للموظفين والمتقاعدين في العراق تبلغ شهريًا أكثر 4 مليار دولار ولك أن تحتسب قيمة ما سيتم تقديمه”.
ولفت إلى أن “هناك أكثر من 252 ألف منزل للعراقيين السنة مدمرة شمال وغرب البلاد، وينتظرون منذ سنوات تعويضات مُستحقة فيما تُماطل الحكومة بصرفها”.
وخلص الصحفي العراقي بالقول إن من يرى جنوب لبنان على بُعد 1200 كيلو متر ولا يرى مدينة بيجي أو الموصل المنكوبة مثلًا يحكمه عقله الطائفي.
ومن الناحية القانونية يرى الخبير القانوني طاهر الطائي أن استقطاع الرواتب بهذا الشكل يمثل مخالفة دستورية وقانونية على الرغم من محاولة الحكومة تقنين تلك المخالفة عبر إضافة كلمة “تطوعيًا”.
وقال الطائي إن “المادة 28 من الدستور نصت على أنه (لا يمكن فرض أي ضرائب أو رسوم إلا بموجب قانون) بينما الاستقطاع لم يكن عبر قانون وإنما بقرار من مجلس الوزراء”.
وأضاف أن “الحكومة ومن أجل تلافي حقيقة القرار وهي الاستقطاع الإجباري وكونه مخالفة دستورية أضافت عبارة تطوعية حيث قالت إن على الرافض تقديم طلب إعفائه من الاستقطاع”.
ولفت إلى “المسائل المالية المتعلقة برواتب الموظفين والمتقاعدين تخضع للقوانين النافذة، مثل قانون الموازنة العامة، وقانون رواتب موظفي الدولة”
وبين الخبير القانوني أن “البرلمان هو الجهة المخولة بالموافقة على أي تغييرات مالية من خلال تشريع القوانين، فيما نوه إلى أن بعض الاستثناءات تخول مجلس الوزراء تقديم مقترح لإجراءات تقشفية أو إصلاحات مالية في حالة وجود أزمة اقتصادية أو عجز مالي، لكن هذه المقترحات يجب أن تُعرض على البرلمان للموافقة”.
ويقدر عضو مجلس النواب ماجد شنكالي مبالغ الاستقطاع من رواتب الموظفين والمتقاعدين بأكثر من 800 مليار دينار.
وقال شنكالي خلال لقاء متلفز إن “مجموع رواتب الموظفين والمتقاعدين في العراق يصل إلى نحو 80 تريليون دينار سنويًا، وبالتالي فإن استقطاع 1 بالمائة من هذا المبلغ يعادل حوالي 800 مليار دينار، أي ما يفوق 600 مليون دولار سنويًا”.
ولاقى هذا القرار امتعاضًا لدى الكثير من الموظفين، حيث قال الموظف محمد عبد الجبار، إن “الموظفين يطالبون منذ سنوات بتعديل سلم الرواتب ولم يتم تعديلها لغاية الآن، وبعد إن كانت المطالبات بزيادة الرواتب تم إنقصاها في سبيل مساعد الدول الأخرى”.
وأضاف عبد الجبار، أن “القرار رغم أنه غير إجباري، لكن من يرفض عليه تقديم طلب عبر دائرته ومن ثم يحول الطلب إلى الوزارة وبالتالي هي إجراءات معقدة تجبر الموظف على القبول به لتجنب الخوض في المعاملات والكتب الرسمية”.
ودعا الموظف، الحكومة إلى “ضرورة إعادة النظر بهذا القرار وعدم المساس برواتب الموظفين وإنما زيادتها وليس الاستقطاع منها، لأن المعيشة صعبة والغلاء مستمر، أما مساعدة الدول الأخرى فإن الحكومة يمكنها تقديم المساعدة والدعم لمن تشاء دون المساس برواتب الموظفين”.
في حين يرى المهندس في قسم المشاريع بمحافظة نينوى وليد سالم أن “التبرع بالمال في جميع بلدان العالم ينبغي أن يكون عبر فتح حسابات خاصة ومن يرغب بتقديم العون المادي فيضع في هذه الحسابات المبالغ المالية بغية إيصالها إلى فلسطين ولبنان”.
وأوضح أنه “كموظف ومواطن عراقي وعربي ومسلم قدم 3 مرات تبرعات مالية لأهالي غزة خلال الأشهر التي تلت العدوان الإسرائيلي، وبمبلغ أكثر بكثير مما ستقطعه الحكومة، ولكنه أكد أن طريقة فرضه وإجبار الموظفين عليه طريقة استفزازية كونها صدرت من جهات غير مؤتمنة على أموال العراقيين في الأساس”.
أما الموظف في ممثلية التربية في كردستان العراق يوسف الجبوري وهو نازح من محافظة ديالى فيرى هو أن “النازحين العراقيين أولى بتقديم الدعم والمساعدة المالية”.
ولفت الجبوري إلى تلك الحملة كان ينبغي أن “تكون مبادرة جهد وطني لإعمار منازل النازحين المدمرة من أجل تسهيل عودتهم وإنهاء مأساة النزوح التي يعيشونها منذ 10 سنوات”، لكنه ختم حديثه قائلا إنه “سيتبرع بالمال وسيرضى بالاستقطاع خشية أن يفسر طلبه من الإعفاء من التبرع بأنه دعم للكيان الإسرائيلي”.
من جانبه يؤكد الإعلامي والصحفي عبد الرحمن عماد أن “الاستقطاع كان يفترض أن يشمل رؤساء السلطات والوزراء والدرجات الخاصة والمستشارين بدلا من فرضه على موظفين قد لا يتجاوز قيمة راتب أحدهم الـ 200 ألف دينار شهريا”.
وأشار عماد إلى أن الحكومة وبدل أن تعمل على زيادة رواتب الموظفين على اعتبار أن الرواتب الحالية غير كافية لسد احتياجاتهم الشهرية قامت باستقطاع جزء منها لتزيد من معاناتهم وإن كان المبلغ المستقطع قليلا”.
وأكد عماد أن “آلية تطبيق قرار الحكومة بشأن التبرع عبر الاستقطاع كفيلة بإثارة شكوك الموظفين والمتقاعدين بشأن شبهات الفساد”، مبينا أن “تجنب تلك الشبهات لا يكون إلا عبر فتح حساب خاص للتطوع بعيدا عن الفرض والاستقطاع”.