أخبار الرافدين
21عاما على احتلال العراق: فشل وفساد سياسيتقارير الرافدين

الميليشيات العراقية الولائية تستعير الخطاب الطائفي لتبرير قتالها إلى جانب النظام السوري

يرسم الحرس الثوري الإيراني المسار الخاص للميليشيات الولائية "العراقية" في سوريا على الرغم من تبعيتها للحشد الشعبي الذي يشرف عليه رئيس الحكومة في بغداد بصفته القائد العام للقوات المسلحة بعدما باتت تضطلع هذه الميليشيات بدور يتبع الأجندة الإيرانية في سوريا بشكل خاص.

بغداد – الرافدين
رفعت الميليشيات الولائية من منسوب الضخ الإعلامي الموجه ضد فصائل الثورة السورية بعد نجاحاتها في عملية ردع العدوان وتحرير مدينة حلب والتوغل في مدينة حماة في محاولة منها لشيطنة تلك الفصائل وربطها بالإرهاب وإيجاد مسوغ طائفي يبرر نشاطاتها وظهورها من جديد على الساحة السورية.
وتزامن هذا الضخ الدعائي الذي يعتمد على معلومات مغلوطة ويتخذ من إثارة الطائفية سبيلًا له مع تداول لقطات مصورة لانتشار الميليشيات الولائية المحسوبة على العراقيين ولاسيما ميليشيا بدر بزعامة هادي العامري في دمشق وسط معلومات متداولة عن استدعاء المزيد من تلك الميليشيات لزجها في المعركة مع فصائل الثورة السورية في حماة وفي أطراف حلب.
وعلق الصحفي العراقي عثمان المختار على المعلومات المغلوطة التي تروجها الميليشيات عن الأوضاع في سوريا بالقول إن “الجميع يعلم أن فصائل الثورة السورية لا تلتقي مع تنظيم داعش لا فكريا ولا تنظيميا ولا حتى جغرافيا”.
وأضاف المختار أنه وعلى الرغم من ذلك يَصر المغرضون والبعض من الذين لا يملكون المعلومات الكافية في العراق ودول أخرى على وصف الإرهاب بحق تلك الفصائل.
واشار إلى أن ما يحصل يمثل محاولة لـ “إيجاد غطاء آخر لقطعان الميليشيات بالتوجه إلى سوريا لارتكاب نفس جرائمها بين 2012 و2019”.

الميليشيات الولائية ترفع من منسوب الضخ الإعلامي الموجه ضد فصائل الثورة السورية بعد نجاحاتها في عملية ردع العدوان

وتحولت هذه الميليشيات إلى قوة دفع كبيرة للطموحات الأمنية الإيرانية في الشرق الأوسط في سياق عدم اقتصار نطاق ناشطها المسلح على الساحة العراقية فحسب، وتجاوزه ليشمل مناطق أخرى خارج العراق أيضًا، والحديث هنا عن الجوار العراقي وتخومه ولاسيما سوريا.
وتنتشر في سوريا منذ اندلاع الثورة السورية، العديد من الميليشيات الولائية التي ينحدر مقاتلوها لأصول عراقية ممن يأتمرون بأوامر الحرس الثوري الإيراني ونظام المرشد علي خامنئي الذي بات يحرك هذه الميليشيات كأحجار الشطرنج ضمن رقعة معاركه الإقليمية كما يقول مراقبون.
واضطلعت هذه الميليشيات التي ينضوي معظمها في ميليشيا الحشد الشعبي بداية الثورة بدور ميداني كبير ساهم في ترجيح كفة المعارك لصالح النظام السوري في معركته ضد الفصائل الثورية فضلًا عن تورطها في ارتكاب مجازر طائفية ترقى إلى جرائم الحرب مكتملة الأركان إبان العمليات العسكرية.
ولا تتوفر إحصائيات دقيقة لعدد المقاتلين العراقيين في سوريا، لكن مصادر عديدة تقول إنهم بالآلاف، في بعض الأحيان.
واستندت الخطة في بداية الثورة السورية التي أدارها الحرس الثوري على نقل المقاتلين العراقيين إلى إيران لتدريبهم، ثم نقلهم مباشرة إلى سوريا، وتوزيعهم على الجبهات حسب الحاجة، لقاء مرتب شهري يتراوح بين 500 و1000 دولار لكل منهم، مع التكفل بمأكلهم ومشربهم وتنقلهم وتجهيزاتهم العسكرية.
وبسبب انتشار البطالة وارتفاع معدلاتها في العراق، تحول القتال في سوريا إلى نوع من فرصة العمل بالنسبة للكثير من العاطلين، فيما فتحت بعض الميليشيات مقرات تطوع علنية في بغداد ومحافظات أخرى، تحت لافتة “الدفاع عن المذهب الشيعي” في سوريا.
وبالرغم من أن انتشار هؤلاء المقاتلين تركز بادئ الأمر في محيط مقام السيدة زينب في دمشق بزعم حمايته، إلا أن ظروف المعارك وحاجة الحرب قادتهم إلى الانتشار في مناطق عديدة من سوريا لاحقًا، ما حوّل الميليشيات القادمة من العراق إلى قوة رئيسة في هذا النزاع قبل ان تستقر في الأشهر الاخيرة قبل اندلاع عمليات ردع العدوان في دير الزور والبوكمال ومحيط منطقة التنف، وعلى حدود المنطقة الشمالية المتاخمة لإدلب، وفي مناطق من البادية السورية، إلى جانب مقار متفرقة في ضواحي دمشق وحلب.
ويؤكد الباحث في شؤون الجماعات المسلحة رائد الحامد، أن وجود الميليشيات العراقية في سوريا رُصد منذ الأشهر الأولى للثورة السورية ربيع عام 2011.
وأضاف الحامد أنه “على صعيد الميليشيات العراقية، كانت البدايات من لواء أبو الفضل العباس، تحت عنوان حماية ضريح السيدة زينب في ضواحي دمشق وهو لواء بلغ تعداده المئات لكنه أسس لاحقاً لاستقدام مليشيات أخرى لعبت أدوارًا قتالية ليس في دمشق وضريح السيدة زينب فقط، إنما في عموم المحافظات السورية، أبرزها ريف دمشق وحلب، ودرعا، ودير الزور، والقنيطرة”.
وأوضح أن أبرز الميليشيات الموجودة حاليًا في سوريا هي “حركة النجباء، وجند الله، وحركة أنصار الله الأوفياء، وكتائب حزب الله العراقية”.
وأضاف أن “هذه الميليشيات هي الأكثر قوة وتسليحًا ونفوذًا، إلى جانب عصائب أهل الحق، ولواء أبو الفضل العباس، وسرايا طليعة الخراساني، ولواء ذو الفقار، وغيرها من المجموعات التي تنتشر في محافظتي دير الزور السورية والأنبار العراقية”.
ولفت إلى أنه “مع تراجع زخم القتال في سوريا بين قوات المعارضة وقوات النظام بعد معركة حلب نهاية عام 2016 والدخول في اتفاقيات أستانة برعاية تركية ضامنة للمعارضة ومشاركة النظام وايران وروسيا، اتجهت هذه المليشيات لممارسة نشاطات تركز على جانبي التغيير الديمغرافي في دمشق وحلب وحمص، وفرض ثقافات وافدة على المجتمع السوري، خصوصًا في محافظة دير الزور”.
وتابع الباحث العراقي في شؤون الجماعات المسلحة “الجانب الثاني اقتصادي حيث تسيطر الميليشيات العراقية على منافذ العبور بين سوريا والعراق على جانبي الحدود، إضافة إلى تقارير تشير إلى ضلوعها بتجارة المخدرات عبر الحدود الدولية بين البلدين”.

تمتلك الميليشيات العراقية مقرات ومعسكرات في دير الزور والبوكمال ومحيط منطقة التنف وفي تخوم الحدود الشمالية لإدلب

وتبين شهادات لمقاتلين شاركوا بمعارك سوريا ضمن الفصائل الموالية لإيران، إن رحلتهم بدأت من منفذ الشلامجة الحدودي بمحافظة البصرة الذي يربط العراق بإيران، وتلقوا، بعد عبورهم إلى الجانب الإيراني، تدريبات عسكرية في “معسكر سري بمنطقة عبادان تابع للحرس الثوري”، تعلموا خلالها استخدام الأسلحة الخفيفة والمتوسطة.
ويضيف المقاتلون “بعد اكتمال التدريبات، جرى إرسالنا بطائرات إيرانية تقلع من مطار في عبادان الذي يديره الحرس الثوري أيضًا، بعد أن زودنا بهويات إيرانية وأسماء مختلفة بعد التلاعب بها”.
ويؤكد علي محمد، (24عامًا)، والذي قاتل في سوريا، ضمن ميليشيا بدر التي يتزعمها هادي العامري، الملقب بشيخ الإطار التنسيقي، أن “هذه الهويات تُسحب منهم فور وصولهم إلى سوريا”.
وللحرس الثوري “سلطة مطلقة” على كافة الميليشيات التي تقاتل في سوريا، فهو “يقسم محاور القتال فيما بينها، ويتكفل بإعادة جثث القتلى لبلدانهم”، حسب مقاتلين عراقيين.
وكان مدير الاستخبارات الوطنية الأمريكية الأسبق، دان كوتس قد أكد، أن إيران لديها 10 آلاف عنصر من الميليشيات العراقية والأفغانية والباكستانية، دربتهم وسلحتهم للقتال في العراق وسوريا، وأن طهران باتت قوة تهدد الأمن الدولي.
ويقول المرصد السوري لحقوق الإنسان إن الميليشيات العراقية وغير العراقية المدعومة من إيران تتوزع على 55 قاعدة و515 نقطة عسكرية في سوريا.
وقد أقر قائد الحرس الثوري الإيراني حسين سلامي في عام 2020 أن عدد هؤلاء أكثر من 100 ألف عنصر في حوالي 70 ميليشيا.
وتبلغ حصة الميليشيات الولائية المحسوبة على العراق من هذا العدد نحو 11 ميليشيا تمتلك تمثيلًا عسكريًا في سوريا منذ مطلع العام 2012 ولغاية الآن، ومن بين هذه الميليشيات العراقية تستحوذ أربعة منها على غالبية مناطق الانتشار المحددة لها في الشرق السوري المحاذي للعراق.
وتوصف الفصائل الأربعة عادة بكونها الأكثر قربًا من طهران، مقارنة بباقي الفصائل، من جهة الدعم والتسليح وأبرزها “كتائب حزب الله”، التي تخطى مجمل تعداد عناصرها عتبة 18 ألف مقاتل، بواقع أكثر من ضعف ما كانت عليه عام 2017.
وتمتلك ثلاثة ألوية داخل “الحشد الشعبي”، هي لواء 45، و46، و47، ومن خلال تلك الألوية، يحصل أفراد الميليشيا العاملين في سوريا على رواتبهم الشهرية بصفتهم أعضاء في “الحشد الشعبي”.
وتأتي ميليشيا النجباء في المركز الثاني من ناحية مساحة الوجود والعدد في الأراضي السورية ويتزعم الميليشيا أكرم الكعبي، وهي الأخرى مدرجة على لائحة الإرهاب الأميركي على غرار “كتائب حزب الله”.
ويبلغ تعداد عناصر ميليشيا النجباء نحو 10 آلاف مسلح، وتمتلك اللواء رقم 12 في “الحشد الشعبي”، ويندرج المسلحون العاملون في سوريا تحت هذا اللواء، من ناحية تسلم الرواتب الشهرية المدفوعة من الحكومة في بغداد لـ”هيئة الحشد الشعبي”، والبالغة مليون و400 ألف دينار (نحو ألف دولار).
وتأتي ميليشيا عصائب أهل الحق ثالثَ الفصائل العراقية في سوريا بزعامة قيس الخزعلي، ويبلغ إجمالي عناصرها نحو 16 ألف عنصر، وتمتلك ألوية 41، و42، و43 في “الحشد الشعبي”، وهذه الألوية تُمول من خلالها أنشطة الميليشيا في سوريا، من ناحية دفع رواتب العناصر العاملين هناك، أو حتى التسليح.
وفي المركز الرابع تبرز ميليشيا حركة أنصار الله الأوفياء، بزعامة حيدر الغراوي، التي أدرجت في حزيران الماضي على قوائم المنظمات الإرهابية من قبل الخارجية الأميركية.
وتشترك الميليشيا، التي تأسست عام 2013 في محافظة ميسان جنوبي العراق، في “الحشد الشعبي”، ضمن اللواء 19، وتنتشر في مناطق بمحافظة الأنبار غربي العراق إلى جانب مناطق التنف السورية.

تعد ميليشيا حزب الله العراقية أبرز الميليشيات المقاتلة في سوريا وأكثرها عدة وعتادًا بعدما تحولت إلى رأس حربة للمشروع الإيراني

وإلى جانب الميليشيات الأربعة، تأتي ميليشيات مسلحة محسوبة على العراق وتمتلك خريطة انتشار بأعداد محدودة، وتواجه في الوقت نفسه اتهامات بضلوعها في أنشطة تجارية من بينها التهريب على الحدود العراقية السورية ومن أبرز تلك الميليشيات “كتائب الإمام علي”، وتأسست عام 2014، من خلال عدة انشقاقات بين فصائل كبيرة أخرى أبرزها “جيش المهدي” بزعامة مقتدى الصدر ويتزعم هذه الكتائب حاليًا شبل الزيدي، وتمتلك اللواء 40 في “الحشد الشعبي”، وبتعداد عناصر يبلغ نحو ستة آلاف عنصر، ومنه تموّل أنشطة عناصرها الموجودين في سورية، وهي مدرجة أميركياً على لائحة الإرهاب.
تليها “كتائب سيد الشهداء”، بزعامة أبو آلاء الولائي، وهو هاشم بنيان السراجي وتمتلك هذه الكتائب اللواء 14 في “الحشد الشعبي”، ومن هذا اللواء هناك ما لا يقل عن 200 عنصر مسلح ينتشرون داخل الأراضي السورية الشرقية المحاذية للعراق.
ويبرز أيضًا من ضمن الميليشيات العراقية في سوريا فصيل “حركة الأبدال” بزعامة جعفر الموسوي، وهو قيادي سابق في “كتائب حزب الله”، وانشق عنها عام 2014، وتحظى الجماعة بمواقع في البوكمال السورية إضافة إلى أجنحة مسلحة لـ”لواء الطفوف”، و”كفيل زينب”، و”سرايا الخراساني”، و”ذو الفقار”.
ويصف الباحث في الشأن الأمني العراقي أحمد النعيمي، خريطة انتشار الميليشيات العراقية في سوريا بأنه “مُتفق عليه بين النظام السوري وإيران وقادة تلك الفصائل، وهذا الانتشار يوفر على النظام جهدًا ونفقات عالية، إذ ركّز الجيش على مناطق السيطرة ذات الكثافة السكانية والأهمية الاجتماعية والاقتصادية للنظام، بينما وُجّهت الفصائل العراقية للانتشار في مناطق مفتوحة ذات كثافة سكانية منخفضة للغاية، وهي مناطق شرق وشمال شرق سورية المحاذية للعراق دولياً، ومحلياً مع قوات قسد”.
ولفت النعيمي إلى أن ” تلك الفصائل تمول نفسها من ناحية التسليح والرواتب، وحتى التموين، ضمن إطار دعمها المباشر للنظام السوري، الذي يدير تلك المناطق من خلال قوات يمكن اعتبارها مشرفةً على الجهد الميداني لهذه الفصائل”.
ولفت إلى أن “الاكتفاء الذاتي للميليشيات العراقية العاملة في سوريا يشمل أيضًا احتساب القتلى الذين يسقطون الهجمات المسلحة والقصف الجوي، شهداء في الحشد الشعبي، وتُصرف لذويهم رواتب تقاعدية مثل أقرانهم الذين يُقتلون داخل العراق”.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى