إيران تقطع إمدادات الغاز وتتسبب بأزمة تجهيز للتيار الكهربائي في العراق
يعاني العراقيون من انقطاع الكهرباء خاصة في مواسم الذروة في الشتاء والصيف مع تحكم إيران بإمدادات الغاز وعدم التزامها ببنود الاتفاقيات الموقعة بينها وبين العراق مقابل فشل واضح للسلطات في حل أزمة الثروة المهدورة من الغاز المصاحب لاستخراج النفط.
بغداد – الرافدين
أعاد خروج ثلاث محطات كهرباء عن الخدمة بسبب انحسار إمدادات الغاز الإيراني، الحديث عن جدوى استمرار العراق في اعتماده على الغاز الإيراني في الوقت الذي تستمر فيه الحكومات المتتابعة بعد الاحتلال بإحراق الغاز المصاحب للنفط دون استثماره في إنتاج الكهرباء.
وتأثر عدد من مناطق المحافظات الوسطى في العراق بتوقف المحطات الكهربائية بعد توقف إمدادات الغاز من إيران التي تشهد انخفاضًا في درجات الحرارة خلال هذه الفترة من السنة ما يدفعها لإيقاف صادرات الغاز لتلبية ارتفاع الطلب الداخلي.
وبحسب مصادر مطلعة فإن “محطات بسماية والصدر والمنصورية خرجت عن الخدمة نتيجة انحسار إمدادات الغاز المورد من إيران الى مستويات كبيرة خلال الأيام الماضية”.
وبينت المصادر أن “عددًا من مناطق العاصمة بغداد والمحافظات الوسطى تراجعت فيها ساعات تجهيز الكهرباء بينما شهدت خطوط الطاقة ميرساد وسيربل زهاب انقطاعات خلال الساعات الماضية وتأثرت بسببها مناطق واسعة من محافظة ديالى التي تعتمد على الخطين”.
وأكد مسؤول حكومي الاثنين، أن قرار تقليص إمدادات الغاز الإيراني “أحادي الجانب” وجرى بشكل مفاجئ ومخالف للعقد المبرم بين البلدين، فيما أشار إلى أن وزارة الكهرباء طالبت الجانب الإيراني بـ “الالتزام الفوري” بتلك البنود.
وقال المسؤول الذي رفض الكشف عن هويته إن “المنظومة الوطنية تتعرض خلال موجة البرد الحالية، إلى تحديات خارجة عن إرادتها، نتيجة إجراءات أحادية من الجانب الإيراني”.
وأضاف أن “الجانب الإيراني خفض مؤخرًا إمدادات الغاز المشغل للمحطات الغازية من (25) مليون متر مكعب يوميًا إلى (6) ملايين متر مكعب فقط، على الرغم من أن العقد المبرم بين الطرفين يلزم وزارة الطاقة الايرانية بتوريد (50) مليون متر مكعب يوميًا إلى العراق في فترات الذروة الشتوية والصيفية، ولمدة خمس سنوات، لكن هذا الإجراء المفاجئ أدى إلى فقدان ما يقارب (6000) ميغاواط من الشبكة الوطنية”.
وتحاول حكومة محمد شياع السوداني التغطية على فشلها بينما تواصل استيراد الغاز من إيران لتوليد الطاقة الكهربائية عبر تصريحات صنفت في خانة التصريحات غير الدقيقة ولاسيما تصريح مستشار رئيس الوزراء في حكومة الإطار التنسيقي حسين علاوي، لوكالة الأنباء الحكومية، في الثاني والعشرين من شهر أيلول الماضي، التي قال فيها إن استثمار الغاز في العراق سيجعله ضمن أعلى 5 منتجين للغاز في العالم.
وكانت مراصد صحفية معنية بتدقيق مصداقية المعلومات، قد فندت التصريحات الحكومية المتعلقة بزيادة إنتاج استثمار الغاز وعلاقتها في جعل العراق من بين الدول الخمس الأكثر إنتاجًا للغاز على مستوى العالم، في وقت تستمر فيه حكومة الإطار التنسيقي بإحراق الغاز المصاحب لاستخراج النفط دون استثماره للاستفادة منه في إنتاج الكهرباء.
وقال مركز “تفنيد” المعني بتدقيق المعلومات إن “الادعاء غير دقيق، فالعراق في مرتبة متأخرة بإنتاج الغاز، وحتى لو استثمر جميع الغاز المحروق سيكون إنتاجه 33 مليار مترًا مكعبًا سنويًا، وهذا الرقم بعيد عن إنتاج أعلى 12 بلدًا منتجًا للغاز، أما بالاحتياطي فيأتي بالمرتبة 11 عالميًا”.
وأضاف المركز أنه “بالنظر إلى أعلى الدول لإنتاج الغاز، فتتصدر الولايات المتحدة الأمريكية الترتيب بإنتاج أكثر من ألف مليار متر مكعب، وروسيا ثانيًا بإنتاج 669 مليار مترًا مكعبًا، وإيران ثالثًا بإنتاج 292 مليار مترًا مكعبًا، والصين رابعًا بإنتاج 272 مليار مترًا مكعبًا، بينما تحتل كندا المرتبة الخامسة بإنتاج 216 مليار مترًا مكعبًا، وتأتي إندونيسيا كأقل بلد منتج للغاز من بين أعلى 12 دولة في العالم في 2023، بإنتاج 70 مليار مترًا مكعبًا، بحسب موقع إينر داتا، المختص بالطاقة”.
وتابع “أن ترتيب الدول وفقًا للموقع المختص بالطاقة يظهر بُعد العراق عن هذه المراتب، حتى لو حول جميع غازه المصاحب إلى منتج يمكن الاستفادة منه بـ33 مليار مترًا مكعبًا”.
وتشير بيانات البنك الدولي إلى أن افتقار حقول النفط العراقية لمعدات جمع الغاز، يؤدي سنويًا إلى حرق 18 مليار متر مكعب من الغاز المصاحب للنفط، وبحسب تقديرات دولية، فإن هذا الحرق يكلف العراق 2.5 مليار دولار سنويًا، أو ما يعادل 1.55 مليار متر مكعب من الغاز يوميًا، وهو ما يعادل 10 أضعاف ما يستورده العراق من إيران.
وتكلّف فاتورة استيراد الغاز الإيراني ميزانية العراق أرقامًا كبيرة، إذ إن بغداد – على الرغم من كونها ثاني أكبر منتجي النفط في أوبك – لم تنجح بعد في تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغاز.
ويبين الخبير الاقتصادي، وضاح عبد الحليم الطه أن “حرق الغاز المصاحب لاستخراج النفط يمثل مشكلة قديمة ومستمرة، تسبب خسائر اقتصادية وبيئية كبيرة للعراق وأن الحلول لهذه المشكلة معروفة ومتمثلة في استثمار الغاز واستخدامه بدلًا من حرقه، خاصة في مجال إنتاج الكهرباء، لما له من فوائد اقتصادية وبيئية”.
ويعزو الطه هذا الإهمال إلى “تلكؤ واضح وإخفاق من وزارة النفط”، حسب تعبيره، مشيرًا إلى احتمال وجود أبعاد سياسية وراء هذا الإخفاق لفسح المجال لاستيراد الغاز من إيران.
وأشار إلى أن الفرص كانت متاحة على مدى أكثر من عقدين لاستيراد الغاز من مصادر أخرى بتكاليف أقل.
ولفت إلى أن استيراد العراق للغاز من إيران يتم بتكلفة مرتفعة، تصل أحيانًا إلى ثلاثة أضعاف السعر العالمي مستندًا بذلك عبر إجراء مقارنة بسيطة بين أسعار استيراد الغاز من إيران لكل من العراق وعُمان والتي تظهر فارقًا كبيرًا بينهما.
وأضاف إنه “من المفترض أن يبدأ العراق في إنتاج إضافي للغاز في عامي 2025 و2026، إلا أن اهتمام وزارة النفط بهذا الملف لا يزال لا يتناسب مع أهمية هذا المورد وما يمكن أن يشكله من إيراد إضافي مهم للعراق”.
وخلص الخبير الاقتصادي إلى حتمية إيلاء المزيد من الاهتمام لاستثمار الغاز في العراق، نظرًا لأهميته الاقتصادية والبيئية، وإمكانية تحويله من مصدر للهدر إلى مورد مهم للدخل الوطني.
وسبق أن أكد مستشار رئيس الوزراء الحالي مظهر محمد صالح، أن خسائر العراق جراء عدم التوقف عن الحرق واستيراد الغاز تُقدّر بنحو 12 مليار دولار سنويًا.
وأوضح أن ما يتكبده العراق من خسائر جراء استيراد الغاز لتشغيل محطات الكهرباء أو حرق الغاز المصاحب من حقول الوسط والجنوب يشكل كلفة باهظة على الموارد النفطية بشكل كبير وعلى موارد البلاد المالية.
وكان رئيس حكومة الإطار التنسيقي محمد شياع السوداني، قد أكد على مضي حكومته بمشروع استثمار الغاز في مشاريع الطاقة وتوليد الكهرباء، ضمن مساعي تحقيق إيرادات مالية، وإنهاء استيراد العراق المنتجات النفطية.
وتعتزم السلطات الحكومية إيقاف حرق الغاز نهائيًا مع نهاية عام 2028، تزامنًا مع زيادة كفاءة وحدات التوليد إلى أكثر من 65 بالمائة للدورات المركبة، وفقًا لنائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة ووزير النفط حيان عبد الغني.
وأكد عبد الغني خلال لقائه مساعد وزير الخارجية الأمريكي وعدد من الشركات، في شهر أيلول الماضي خلال زيارته إلى معهد بيكر في ولاية هيوستن الأمريكية، أن العراق سيوظف هذا الطاقة باتجاه توليد الطاقة الكهربائية والصناعات المختلفة.
إلا أن هذه التصريحات الحكومية كانت محل تشكيك من قبل مختصين بقطاع الطاقة والغاز وسط تأكيدات استمرار التلكؤ في هذا الملف جراء السياسات الخاطئة وتفشي الفساد مع توقعات بعدم نجاح البلاد باستثمار الغاز خلال السنوات المقبلة، والحاجة إلى سنوات طويلة للوصول إلى هذا الهدف مادامت ترتهن لاتفاقيات استيراد الغاز من إيران.
وفي هذا الإطار يبدي الخبير الاقتصادي، نهاد إسماعيل، عدم تفاؤله بالتصريحات الحكومية ولاسيما بعد إعلان لجنة برلمانية أن العراق أنفق 81 مليار دولار بين عامي 2005 و2020 على تطوير قطاع الطاقة دون تحقيق نتائج ملموسة.
وأشار إسماعيل أن العراق يواجه تحديات كبيرة في تلبية احتياجاته من الغاز لأسباب متعددة، على رأسها الاعتماد المفرط على إيران لتوريد الغاز بأسعار مرتفعة، إلى جانب إهمال البنية التحتية والفشل الإداري والفساد.
وبين أن إيران تزود العراق بـ 50 مليون متر مكعب من الغاز يوميًا ضمن اتفاق مقايضة، حيث تستلم إيران النفط والوقود العراقي مقابل ذلك وفقًا لاتفاقيات سابقة”.
ولفت إلى أن العراق استلم 9 مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي الإيراني عام 2023 بينما يعاني من انقطاع الكهرباء لفترات تتراوح بين ست وعشر ساعات يوميًا، مع توقف الإمدادات الإيرانية أحيانًا”.
وأشار إلى أن “هذا الأمر يثير التعجب ولاسيما وأن العراق ينفق 4 مليارات دولار سنويًا على استيراد الغاز الإيراني”.
ويرى الخبير الاقتصادي أن “تهريب الوقود ولاسيما عمليات التهريب إلى سوريا، وغياب الاستقرار السياسي والأمني، وانتشار الميليشيات المسلحة، عوامل أخرى تساهم في تفاقم المشكلة”.