أربعة ملايين معاق في العراق يعيشون التهميش والإهمال والفاقة
العراقيون من ذوي الاحتياجات الخاصة ينتقدون الوعود الفارغة التي تقطعها حكومة الإطار التنسيقي لهم والانتهاكات في دوائر الدولة بحقهم وعدم توفير أبسط متطلباتهم.
بغداد – الرافدين
أعربت منظمات حقوقية وإنسانية في اليوم العالمي لذوي الإعاقة الذي تحتفل به الأمم المتحدة في الثالث من كانون الأول، عن قلقها العميق إزاء استمرار الإهمال والتقصير بحق هذه الشريحة في العراق، وفشل حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني في وضع حل ينتشل ذوي الهمم من معاناتهم.
وتتضارب الأرقام الرسمية وغير الرسمية بشأن أعداد المعاقين في بلد صنفته الأمم المتحدة كواحد من الدول التي يوجد فيها “أكبر عدد من الأشخاص ذوي الإعاقة في العالم”.
وكشفت إحصائيات رسمية لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية أن نسبة المعاقين في العراق بلغت 11 بالمائة وعددهم يقدر بأكثر من 4 ملايين مواطن وهم بحاجة للرعاية لتعزيز ثقتهم بأنفسهم والمشاركة في بناء البلد من خلال دمجهم الكامل في المجتمع.
وحول إعلان وزارة العمل وجود 4 ملايين معاق، قال المختص بالشأن العراقي أحمد النعيمي إنها نتيجة 4 عقود من الحروب شهدها العراق منذ عام 1980 ولغاية الآن، مضيفا، أن “الحروب خلفت أكثر من نصف هذا العدد والعدد المتبقي هم ضحايا الحوادث العرضية أو الإعاقات الولادية، ومنها أيضا إعاقات ليست جسدية، بل عقلية”.
ويعتبر النعيمي أن العدد بالنسبة للعراق أرقام غير مفاجئة مع كل ما مر به، لكن المشكلة تكمن في الإهمال الذي يتعرض له أفراد هذه الشريحة، بدءا من العلاج والتأهيل والرعاية وانتهاء بانعدام ثقافة المجتمع في التعامل معهم”، مضيفا أنه لغاية الآن لا توجد مواقف مخصصة لهم ولا مداخل خاصة بهم على أبواب الدوائر الحكومية والشركات والأماكن العامة”.

وانتقدت منظمة “هيومن رايتس ووتش” في وقت سابق، تقاعس الحكومة في بغداد عن الإيفاء بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في الوظائف، المضمنة في قوانينه الوطنية، مشيرة إلى أن ذلك يجعل مئات الآلاف منهم عاطلين عن العمل.
وأشارت المنظمة في بيان إلى أن لدى كل من العراق وحكومة أربيل قوانين تحدد نسبة قدرها 5 بالمائة من وظائف القطاع العام للأشخاص ذوي الإعاقة.
وطالبت في بيانها، إنه “يتعين على الحكومة العراقية اتخاذ الخطوات المناسبة لتوظيف الأشخاص ذوي الإعاقة في القطاع العام وتعزيز توظيفهم في القطاع الخاص، من خلال برامج العمل الإيجابي، والحوافز، والمبادرات لتعزيز فرص العمل الهادفة للأشخاص ذوي الإعاقة”.
وتابعت “ينبغي للحكومة في العراق إنشاء آليات مراقبة للوزارات لتقديم تقارير دورية عن أدائها في الوفاء بحصة التوظيف والتزاماتها الأخرى بموجب القانون رقم 38 والقانون رقم 22”.
وأضافت أن “الحصص في حد ذاتها غالبا ما تكون غير كافية لتفكيك أو معالجة عوائق التوظيف التي يواجهها الأشخاص ذوو الإعاقة، وبالتالي ينبغي أن تقترن بإنفاذ التشريعات الأخرى المتعلقة بعدم التمييز والمساواة، فضلا عن الدعم والتمويل لخلق بيئات عمل ملائمة”.
وتوفر الحكومة في بغداد بعض المكاسب وفق التزامات قانون رعاية ذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة رقم (38 لسنة 2013)، الذي يشمل نحو 250 ألفاً من شديدي العوق براتب المعين المتفرغ لخدمته بواقع 170 ألف دينار شهريًا (110 دولار أميركي تقريبًا) وفقًا لأسعار الصرف في الأسواق العراقية، وهو مبلغ لا يسد جزء بسيط من احتياجاتهم.

وعن معاناة ذوي الإعاقة بسبب تردي البنى التحتية في العراق، يرى رئيس جمعية المعاقين موفق الخفاجي، أن البنى التحتية غير ميسرة للمعاقين، الذين يواجهون صعوبات في الوصول للخدمات، سواء كانت في الشوارع أو المباني، أو وسائط النقل.
وأشار إلى ما أسماه “تجاهل” احتياجات ذوي الإعاقة، فوفقًا له، فإن “تصاميم المشاريع الحديثة غير دامجة لذوي الإعاقة، وهذا مخالف لاتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بهم”.
وأضاف الخفاجي أنه “ما زلنا في قطاع التعليم نعتمد على صفوف التربية الخاصة، ونسعى جاهدين لترويج التعليم الدامج الذي يجعلهم متساوين مع أقرانهم”.
وقال الخفاجي إن “كثير من القوانين التي تتضمن منح حقوق لذوي الإعاقة بقيت حبر على ورق”.
وأكد على “ضرورة اتخاذ تدابير جادة من أعلى سلطة في البلد وتخصيص ميزانيات كافية لدمج وتمكين وتنمية ذوي الإعاقة، والإسراع بحسم مشكلة تعطيل الحكومة لتعديل القوانين الخاصة بهم وتوظيفهم في القطاع الحكومي والخاص، وجميعها موجودة ولم تنفذ”.
وخرج ذوو الإعاقة لأكثر من مرة في تظاهرات سلمية، طالبوا خلالها بتفعيل فقرات عديدة في قانون 38 لسنة 2013، بسبب قلة المبالغ المالية المخصصة كإعانات، والتي لا تحفظ كرامتهم، خاصة من كان منهم من ذوي الدخل المحدود، وتعديل فقرات أخرى، بسبب وجود أخطاء لا تتفق مع اتفاقية الأمم المتحدة التي يجب أن يلتزم العراق بها”.
وأظهرت نتائج المسح الوطني للإعاقة أن أعلى نسبة للإعاقة هي الإعاقة الحركية وتصل إلى 42 بالمائة، يليها صعوبات التعلم بنسبة 21 بالمائة، ثم تأتي الإعاقة البصرية بنسبة 15 بالمائة، ومن ثم الإعاقة السمعية 9 بالمائة… واقل نسبة للإعاقة هي الإعاقة العقلية عدم القدرة على العناية الذاتية وتبلغ 6 بالمائة فقط من مجموع الأشخاص من ذوي الإعاقة.

ويتعرض ذوو الإعاقة في العراق إلى انتهاكات شبه يومية، وبحسب المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان، أن الأشخاص ذوي الإعاقة يتعرضون الى مئات الانتهاكات يوميا لدى مراجعتهم دوائر الدولة.
وأشار المركز إلى أن “أغلب دوائر الدولة في العراق لا يوجد فيها ترتيبات تسهيلية إذ لا يوجد أماكن توقف لسياراتهم أو دراجاتهم كما لا توجد سلالم خاصة لصعودهم ولا أماكن خاصة لجلوسهم ولا توجد علامات دلالة تساعدهم في الوصول اثناء المراجعات ولا يوجد حمامات خاصة لهم ولا يوجد مترجمين للغة الإشارة في أغلب دوائر الدولة كما يتعرضون لامتهان كرامتهم الإنسانية.
ويرى متابعون لواقع ذوي الاحتياجات الخاصة، لاسيما المكفوفين بأن عدد فاقدي البصر كبير في العراق، الشأن الذي أكدته لجنة حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة الدولية سنة 2019 في تقرير لها ذكرت فيه أن العراق يعاني منذ عقود من العنف والحرب بما فيها المعارك ضد تنظيم داعش بين 2014 و2017 “وفيه أكبر عدد من الأشخاص ذوي الإعاقة في العالم”.
وتوجه الانتقادات للجهات المختصة في البلاد، إذ لا يوجد سوى ثلاثة مراكز خاصة بالمكفوفين، أحدهما في بغداد، وهو معهد النور، والآخر في البصرة، والثالث في محافظة أربيل، واسمه كذلك النور، لكنه يعد الأفضل من حيث التجهيزات.