أخبار الرافدين
تقارير الرافدين

تخفيض سن التقاعد يكشف ارتباك حكومة السوداني وعبأ الرواتب على الميزانية القلقة

أثار تخفيض سن التقاعد إلى 60 عامًا أضرارًا كبيرة على شريحة واسعة من الموظفين، بما في ذلك حرمانهم من سنوات خدمة مؤثرة في حقوقهم المالية والترفيعية، ما خلق حالة من الإرباك داخل المؤسسات الحكومية.

بغداد ــ الرافدين
شهدت التعديلات على قانون التقاعد موجة واسعة من الانتقادات والجدل، وسط تخبط حكومي واضح في إدارة هذا الملف الحيوي.
وأثار تخفيض سن التقاعد إلى 60 عامًا أضرارًا كبيرة على شريحة واسعة من الموظفين، بما في ذلك حرمانهم من سنوات خدمة مؤثرة في حقوقهم المالية والترفيعية، ما خلق حالة من الإرباك داخل المؤسسات الحكومية.
وبينما بررت الحكومة في حينها هذا القرار بالرغبة في توفير فرص عمل للشباب وتقليل معدلات البطالة، إلا أن تطبيقه كشف عن غياب دراسة شاملة وعميقة للآثار المترتبة عليه، ما دفع جهات حكومية وبرلمانية تحت الضغوط إلى إعادة النظر في تعديل القانون والدعوة لإرجاع سن التقاعد إلى 63 عامًا ليضع الحكومة في موقف متناقض.
ويعكس هذا التخبط ضعف التنسيق الحكومي وغياب رؤية متوازنة تراعي احتياجات المؤسسات الحكومية وأهمية الحفاظ على الخبرات المتراكمة، ليجد العراق نفسه أمام أزمة جديدة تضاف إلى التحديات الاقتصادية والاجتماعية الراهنة.
وأجمع مختصون على أن المشاكل المستمرة منذ تشكيل حكومات ما بعد 2003 تعكس الفشل في إدارة الدولة، وتغلل الفساد في جميع مفاصلها وعدم جديتها في تحسين ظروف المواطن كما وعدت.
وقالوا إن حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني عاجزة عن تقديم رؤية واضحة للمستقبل، بينما يستمر التخبط الحكومي لتظل معاناة الشباب العاطلين عن العمل والموظفين المتقاعدين دون حلول حقيقية، ما يزيد من تعميق الأزمات الاقتصادية والاجتماعية في البلاد.
ويرى الخبير المالي والمصرفي مصطفى حنتوش، أن سوء التخطيط الحكومي وغياب الرؤية طويلة الأمد، قد يعمق أزمة البطالة بدلًا من معالجتها خاصة.
وأضاف أن سوق العمل يعاني من شح فرص التوظيف في القطاع الحكومي وضعف تحفيز القطاع الخاص.
وفي المقابل لفت مراقبون إلى أن الحكومة لم تقدم أي خطة واضحة لمعالجة التحديات المرتبطة بالبطالة أو لتنشيط القطاع الخاص، الذي يُنظر إليه كحل مستدام لخلق فرص العمل.
وقال الناشط علي الحبيب إن الحكومة تعتمد على حلول ترقيعية بدلًا من إصلاحات جذرية، داعيًا إلى توجيه السياسات الاقتصادية نحو مكافحة الفساد وتحفيز الاستثمار.

علي الحبيب: حكومة السوداني تعتمد على حلول ترقيعية بدلًا من إصلاحات جذرية وتوجيه السياسات الاقتصادية نحو مكافحة الفساد وتحفيز الاستثمار

وتبرز التناقضات في المواقف الحكومية بشكل واضح من خلال التصريحات المتباينة للوزراء والبرلمانيين.
ففي الوقت الذي تؤكد فيه وزارة المالية على أهمية الخبرات المتراكمة لدى الموظفين، تحدث مسؤولون آخرون عن ضرورة تخفيف العبء على الموازنة العامة من خلال تقاعد الموظفين الأكبر سنًا.
وبعد إقرار القانون الذي ينص على تخفيض سن التقاعد إلى 60 سنة فقدت الكثير من المؤسسات الحكومية الخبرات والكفاءات، وبدأ بعض المؤسسات الحكومية بتقديم طلبات من أجل تمديد خدمة بعض أصحاب الخبرة والكفاءة، أو أصحاب الاختصاصات النادرة لغرض بقائهم في الخدمة لفترة أطول.
وأبدى رئيس رابطة ونقابة المتقاعدين فرع ذي قار عماد فرحان الحجيمي في وقت سابق استغرابه من هدف التعديل على قانون سن التقاعد، قائلًا إن توفير الدرجات الوظيفية لا يتحقق في إقصاء الخبرة، بل من خلال فتح الشركات والاستثمار وتشغيل المعامل المغلقة ودعم القطاع الزراعي والسياحي، مضيفًا أن الاستغناء عن هذه الخبرات يعد جريمة كبرى، كما أن كثيرًا من المتقاعدين كانوا التزموا بموعد لتسديد السلف المصرفية، فكان قرار تعديل قانون التقاعد مفاجئًا لهم، وأدى إلى حصول إرباك في المصارف التي منحتهم السلف.
وأشار مهدي العيسى رئيس الجمعية العراقية للمتقاعدين إلى أن التعديل الأول لقانون التقاعد الموحد رقم 9 لعام 2014 أقر على عجلة، ولم تكن هناك فرصة لدراسته بشكل مستفيض.
وقال إن التعديل حرم المشمولين به من خدمة وظيفية قدرها ثلاث سنوات تتضمن ثلاث علاوات سنوية أو علاوتين وترفيع وعند الاحتساب سميت بالسنوات المجتزأة التي حرمت بعض أساتذة الجامعات من الشمول بقانون الخدمة الجامعية، إذ يفترض أن تكون خدمة الأستاذ في الجامعات 10 سنوات، وعند صدور التعديل كان لدى بعض منهم خدمة فعلية في المؤسسات الحكومية تسع أو ثماني سنوات، وبالتالي حرم بعضهم من الشمول بقانون الخدمة الجامعية وبالتالي تأثرت قيمة الراتب الممنوح لهم.
وأجبرت الانتقادات الواسعة التي وجهت للتعديل الخاص بقانون التقاعد، اللجنة القانونية في مجلس النواب إلى إعادة النظر في تعديل القانون وإعادة عمر المتقاعد إلى ما كان عليه قبل عام 2019 وهو 63 سنة.
ووصف الخبير القانوني علي الجبوري هذه التناقضات بأنها انعكاس لفشل المنظومة الحكومية في إدارة الملفات الحيوية، مشيرًا إلى أن التخبط في اتخاذ القرارات يعكس غياب التنسيق بين الجهات الحكومية ويزيد من انعدام الثقة بين المواطن والمؤسسات.
ويفضح إعادة النظر في قانون التقاعد بين 60 و63 عامًا فشل حكومة الإطار التنسيقي في تقديم حلول متوازنة تراعي احتياجات الشباب وأهمية الخبرات بذات الوقت، بسبب غياب خطة شاملة تعالج البطالة وتنشط القطاع الخاص.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى