أخبار الرافدين
طلعت رميح

العراق ما بعد انهيار نظام بشار

تتحرك قوات المعارضة السورية الآن في بيئة داخلية وإقليمية ودولية مختلفة، وتعتمد خطط مختلفة عن خططها العسكرية والسياسية التي اعتمدتها خلال مرحلة الثورة الشعبية التي انطلقت في عام 2011 بمراحلها وتعرجاتها المتعددة.
الوضع الذي تتحرك خلاله المعارضة الآن، لم يعد ذاك الوضع الذي كان سابقا، حين كانت الدول الخارجية قادرة على توفير شبكة أمان عسكرية وسياسية وإعلامية لبقاء النظام، وبما مكنه من ارتكاب كل أنواع الجرائم. فإذ كانت إيران وميليشياتها وروسيا، قد لعبا الدور العسكري الأكبر في هزيمة قوات المعارضة خلال المرحلة السابقة، فالأمر لم يعد كذلك الآن.
لقد تراجعت قدرة إيران وميليشياتها على الأرض السورية واضطرت ميليشيا حزب الله إلى سحب قواتها خلال معركة الدفاع عن النفس على الأرض اللبنانية. وكذا باتت إيران في موضع الدفاع عن النفس أيضا، سواء كان المعنى، أن الأرض الايرانية تعرضت لقصف صهيوني قد يتكرر، أو أن النظام الإيراني بات مهددا في الداخل، أو كان المعنى أن الميليشيات الإيرانية في الإقليم تعاني من تراجع دورها.
وروسيا التي شكل طيرانها القوة الضاربة في قصف الثوار والمدنيين، وقدم الغطاء الجوي للميليشيات الإيرانية ومجموعات الحرس الثوري، باتت منشغله -وربما أسيرة- بمعركتها في أوكرانيا. وهي إذ تتجهز للتفاوض مع الولايات المتحدة، فهي تحسب تدخلاتها في سوريا الآن، بميزان دقيق.
ويبدو أن روسيا لم تعد على نفس درجة حماسها السابق في دعم النظام، بعد أن ظهر جليا عدم قدرته على إصلاح نفسه وإدارة الصراع بكفاءة، وأظهرت امتعاضها من الدور الإيراني ومن حركة ميلشياتها في سوريا، ومن تغلغل إيران وميلشياتها في داخل الجيش السوري على حساب نفوذها.
وفي المقابل، فقد شهد الموقف التركي تغييرا لصالح المعارضة، إذ اصبحت تركيا صاحبة دور فاعل أكثر من ذي قبل في دعم المعارضة بعد طوفان الأقصى التي باتت بدورها أقرب إلى مواقف وتقديرات تركيا.
لقد وقفت تركيا الى جانب الثورة السورية منذ انطلاقها. وقد حاولت إقناع النظام بالوصول إلى تسوية سياسية، وتمكنت من الوصول إلى تسويات مع روسيا وإيران وخلف النظام لحماية المكون السكاني الثائر ولوقف الاقتتال، لكنها وجدت روسيا وإيران والنظام في موقع عدم الالتزام بتلك الاتفاقات.
كل تلك العوامل وغيرها نقلت الموقف التركي إلى موقع المساندة الكاملة والمخططة لإنهاء تلك الأزمة التي تهدد الأمن القومي لتركيا. وكان للدور التركي بعدا هاما وإن كان غير منظور، إذ جاء تفعيل الموقف التركي في مرحلة ضعفت فيها قدرة روسيا وإيران على الدخول في مواجهه مع تركيا، إذ كلا البلدين سيخسران كثيرا، في ملفات أخرى تتشابك فيها مصالحهما مع تركيا. باختصار الوضع أصبح مختلفا.
لكن الأهم أن اظهار المعارضة إدراكا لمدى التغير الحادث في البيئة الداخلية والإقليمية والدولية وأن وضعت خطة للتحرك ضمن إطار وحدود تلك التغييرات، إذ كم من فرصه تتوفر دون قدره على الإمساك بها، أو أن يساء حساب أبعادها بدقة.
لقد بات ظاهرا أن المعارضة تدير معاركها بطريقه مختلفة، وأنها تتحرك وتخوض معاركها وفق خطط تتناسب مع وضعية أنها تخوض معركة عسكرية سياسية داخلية وإقليمية ودولية، ولا تدير حالة ثورية جماهيرية كالسابق.
لقد أظهرت المعارضة أنها تدرك تحولها إلى ما يشبه الجيش النظامي فاعتمدت خطط تتوافق مع هذا التحول، واظهرت قدره على العمل المخطط الذى يجمع بين العمل العسكري والعمل السياسي، وهو ما ظهر في إصدارها إعلانات سياسية تحيد المتعاونين مع النظام في المناطق التي حررتها، وفي التفاوض مع المحاصرين من قوات النظام، وفي الوصول إلى حلول عبر التفاوض مع القوات الكردية. وكان لافتا التصرف كرجال دولة في مخاطبة مواقف دول في الإقليم.
نستطيع القول بإن الوضع في سوريا قد اختلف جذريا، وأن النظام إن لم يكن في طريقه للانهيار، فهو في أقل تقدير، قد خسر قدرته على السيطرة على مناطق واسعه، كانت تمكنه من الحركة الداخلية والخارجية.
لكن للتغيير في سوريا، بعد آخر بالغ الأهمية. فالتغيير في سوريا هو تغيير للإقليم.
فإذا كانت التغييرات في البيئة الإقليمية والدولية، هي التي أخلت بالتوازنات القائمة لمصلحة المعارضة، بما فتح مساحة أمامها للتحول من الدفاع إلى الهجوم الإستراتيجي الراهن، فتأثيرات تصاعد قدرة المعارضة واجتياحها للنظام والميليشيات، تجعل النظام الطائفي الفاسد في العراق في وضع المرتعش والخائف الآن. وهذا ما يفسر عدم تحرك الميليشيات الإيرانية في العراق للذهاب مسرعة لإنقاذ النظام السوري.
خوف النظام الطائفي الفاسد في العراق، لا يعود فقط لأن إيران وميليشياتها هم من استهدفوا وظهر عجزهم في سوريا، بل أيضا لأن العراق هو الآخر لم يشهد حلا سياسيا لمعضلته. ولأن النظام القائم –إذا جاز وصفه بالنظام- لا يحظى بأية مشروعية مجتمعية سياسية أو قانونية أو وطنية.
وجه كبير للشبه بين الحالتين في العراق وسوريا، إذ فقد الحكم القائم في البلدين مبررات وجوده لدى مختلف طوائف الشعب.
وكل التقديرات الإقليمية والدولية تشير إلى أن المعركة الحاسمة في الإقليم سيشهدها العراق. وأن النظام السوري إن سقط، فلا شك أن الحكم القائم في العراق سيكون التالي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى