الحلم الإيراني بالوصول لمياه البحر المتوسط يتبدد أمام انتصار ثوار سوريا
فصائل الثورة السورية تقطع مسار مشروع الربط السككي بوجه طهران بعد تحرير سوريا التي أنهى زوال نظام الأسد فيها حلم طهران بالوصول إلى مياه البحر المتوسط تحت حماية الميليشيات الولائية في المنطقة.
دمشق – الرافدين
أنهت سيطرة فصائل الثورة السورية على العاصمة دمشق وزوال نظام بشار الأسد الحلم الإيراني بالوصل إلى مياه البحر المتوسط ومنها إلى أوروبا عبر العراق وسوريا بعدما دفعت إيران بكل ثقلها السياسي والعسكري لإنجاز هذا المشروع في السنوات الأخيرة مستفيدة من نفوذها وسلطة ميليشياتها في المنطقة.
وأجمع خبراء اقتصاديون على أن خسائر إيران في سوريا لا تقتصر على الجانب السياسي والعسكري فحسب بل تشمل الجانب الاقتصادي الذي يعد مشروع الربط السككي من أبرز ثماره بعدما ذهب في مهب الريح مع وصول جحافل الثوار إلى دمشق والإعلان عن انتهاء حقبة الأسد.
وقال الخبير الاقتصادي زياد الهاشمي إن “إيران خسرت تحقيق مشروعها الكبير بارتباطها سككيًا بموانئ البحر الأبيض المتوسط السورية والوصول تجاريًا لأوروبا، بعد تمدد المعارضة المسلحة السورية على الأرض”.
وبين الهاشمي أن “إيران عملت على هذا الطموح الكبير منذ 2003، والذي على أساسه وقع الرئيسان الايراني والسوري قبل سنوات اتفاقية اقتصادية للربط السككي بين البلدين عبر العراق، للتبادل التجاري وربط ايران مع الموانئ السورية لتسهيل تصدير البضائع”.
ولفت إلى أن “العراق وحسب الاتفاقية الايرانية السورية لم يكن سوى ممر بري لتبادل تجارة دول أخرى من خلال خطين محتملين، الخط الايراني الجنوبي (شلامجة-بصرة-طرطوس). والخط الايراني الأوسط (خسروي – خانقين – لاذقية)، ومن هناك تستطيع ايران تصدير منتجاتها نحو أوروبا وشمال افريقيا”.
وأشار إلى أن “الأحداث الميدانية في سوريا و تقدم قوات المعارضة، قطع الطريق حتمًا أمام هذا المسار السككي وجعل الحلم الإيراني الكبير بالوصول للبحر الأبيض المتوسط، في مهب الريح”.
وخلص بالقول إنه “من غير المستبعد ان يكون هذا المشروع الاستراتيجي هو أحد أهم أسباب موقف ايران القوي والداعم للحكومة السورية ورفضها القاطع لأي تغيير سياسي سوري لأن لعبة المصالح وتحقيق أهداف التوسع الاقتصادي لدى بعض الدول، تعد في أحيان كثيرة في قمة الأولويات وأهم من أي دوافع أو عوامل أخرى”.

وكان من المفترض أن يمثل الممر البري لإيران من طهران إلى بيروت مرورًا ببغداد ودمشق منفذًا بريًا على البحر المتوسط، وهو أمر بالغ الأهمية من الناحية الاستراتيجية، سيما أن طهران اعتمدت خلال السنوات الماضية على الطيران لإمداد ميليشياتها بالسلاح والمؤن.
وسعت إيران قبل انطلاق عملية ردع العدوان في سوريا بكل ثقلها للهيمنة على المنطقة بما يضمن أن تتحول إلى قوة ذات نفوذ على مستوى الإقليم، وظهرت نوايا التوسع الإيراني بوضوح منذ احتلال العراق في 2003 ومن ثم فتح الولايات المتحدة العراق أمام الهيمنة الإيرانية عبر صعود الأحزاب والميليشيات الولائية.
وكانت طهران تطمح من إطلالتها على البحر المتوسط بالحصول على وسيلة نقل رخيصة لشحن الأسلحة؛ فضلا عن كونه طريقًا بديلًا للجسر الجوي الإيراني في المنطقة، إلى جانب ترسيخ الهوية الطائفية على حساب الهوية الوطنية للدول العربية.
وإضافة إلى ذلك فإن الممر البري الإيراني عبر العراق كاد أن ينهي الوظيفة الاقتصادية لمشروع ميناء الفاو، الذي عرقلت الأحزاب الولائية تنفيذه منذ سنوات.
وسبق أن قال محافظ البصرة السابق، وائل عبداللطيف، أنّ المشروع الإيراني سيقتل موانئ البصرة، تحديدًا ميناء الفاو الكبير الذي يمكن أن يكون طريقًا يربط الشرق الأوسط بأوروبا عبر تركيا.
وأضاف أنّ “فائدة العراق الكبرى هي في ميناء الفاو من خلال الواردات وتشغيل اليد العاملة، وهكذا تنخفض أسعار السلع، لكن إن أنشئت سكك حديدية لذهبت البواخر إلى موانئ في إيران ومنها تأتي البضائع إلى العراق، وهذا ما سيتسبب في زيادة الأسعار ويؤثر في كفاءة الميناء بشكل كبير”.
واجمعت دراسات استراتيجية دولية على أن الضرر الكبير لمشروع الإطلالة الإيرانية على المتوسط، سيكون فادحًا على الوضع السيادي والاقتصادي العراقي.
وعزا “المعهد الإسباني للدراسات الاستراتيجية” خطط إيران لإنشاء سلسلة من الطرق البرية نحو الغرب؛ إلى توسيع نفوذها الجيوسياسي في منطقة البحر المتوسط”
وذكر أن الطموحات الإيرانية تتقاطع مع مصالح عدد من القوى الإقليمية والعالمية، مما قد يؤدي إلى تأجيج الصراعات التي تعاني منها المنطقة حاليًا.
وأشارت دراسة المعهد الاسباني إلى أن الطريقة التي ستتعامل بها القوى المختلفة مع “لعبة الشطرنج” الراهنة في المنطقة، هي التي ستحدد من سيسيطر على الشرق الأوسط مستقبلًا، ومن سيفقد نفوذه على المدى الطويل. ومن بين جميع الجهات الفاعلة، يبرز الإيرانيون بقدرتهم على فهم طبيعة العلاقات المتشابكة في منطقة تتجاوز فيها الطائفية حدود الدول.
في المقابل كانت إيران تحرص على استخدام سياسة العصى والجزرة بهدف الدفع لإنجاز المشروع حيث لم تدخر جهدًا في التعجيل من مراحل إنجازه وشن حملة ضد مشروع التنمية مع تركيا الذي عدته خطرًا يهددها.
وكان العراق وتركيا قد أعلنا عن مشروع من خط سكة حديد مزدوج لقطارات الشحن والركاب وطريق سريع بطول 1190 كم لشاحنات البضائع يبدأ من ميناء الفاو الكبير في جنوب العراق حتى يصل إلى تركيا، بكلفة تقدر بمليارات الدولارات.
وسيمر خط السكة الحديد والطريق عبر تسع محافظات عراقية وينتهي به الأمر عند الحدود مع تركيا.
ولجأت إيران إلى تحذير رئيس حكومة الإطار التنسيقي محمد شياع السوداني على لسان مسؤول حكومي مما أسماه بـ “المجازفة الاقتصادية” في مشروع الربط السككي بين ميناء الفاو الكبير في جنوب العراق وتركيا.
وقال المسؤول الإيراني خلال زيارة غير رسمية إلى بغداد كموفد من المرشد علي خامنئي، خلال لقاء مع السوداني العام الماضي بأن مشروع الربط السككي مع تركيا غير ذي جدوى اقتصادية للعراق بالنظر لتكلفته العالية ومردوداته القليلة، مطالبًا بالتركيز على استكمال مشروع الربط السككي مع إيران.
وكشف مصدر إعلامي عراقي نقل عن المسؤول الإيراني رسالة من خامنئي إلى السوداني تحثه بالتركيز على المشاريع الاقتصادية مع إيران بذريعة “التقارب الجغرافي والطائفي والمصير المشترك بين البلدين”.
وقدم المسؤول الإيراني للسوداني دراسة تؤكد أن الربط السككي الذي بدأ العمل به ما بين البصرة والشلامجة، سيوفر للعراق عوائد اقتصادية ضخمة، مقارنا التكلفة العالية مع مشروع الربط السككي مع تركيا.

وكان خامنئي قد دفع خلال زيارة السوداني إلى طهران نهاية العام 2022 إلى المزيد من “مذكرات التفاهم والتعاون بين إيران والعراق” في إشارة لربط السيادة والاقتصاد العراقي بإيران.
وقال “في الفترات السابقة جرت مفاوضات وتفاهمات جيدة لكنها لم تصل إلى مرحلة العمل. لذلك علينا أن نتحرك نحو العمل فيما يتعلق بجميع الاتفاقات، وخاصة في مجال التعاون الاقتصادي وتبادل البضائع والسكك الحديدية”.
وفيما بعد جدد السوداني تعهده أمام المرشد الإيراني علي خامنئي باستمرار وضع مفاتيح الاقتصاد العراقي بيد إيران في إشارة ضمنية لإكمال مشروع الربط السسكي.
واعترف أمام خامنئي خلال مشاركته في تأبين الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي الذي لقي مصرعه في تحطم طائرة مروحية في شهر آيار الماضي، بدور إيران في دعم وإسناد حكومته وأن العراق مدين لإيران بوقوفها الدائم معه.
وقال لخامنئي إن مصرع رئيسي لن يؤثر على تعهداتنا “أمام سماحتكم” وسنستمر بتعزيز الاتفاقيات الاقتصادية والسياسية مع الرئيس الحالي .
ولطالما حاولت حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني وبضغط إيراني تسويق إيجابيات مزعومة تعود بالفائدة على القطاع الاقتصادي وقطاع النقل والمواصلات عند إنجاز الربط السككي في إغفال للأثار الكارثية على العراق المنطقة.
وسبق أن وصف مصدر سياسي عراقي التأكيدات الرسمية لوزارة الخارجية على دخول مشروع ربط سكك الحديد بين العراق وإيران مرحلة التطبيق، بأنه خضوع تام لسياسة الهيمنة الإيرانية.
وأكد المصدر في تصريح لقناة “الرافدين” إن مشروع إطلالة إيران على المتوسط عبر العراق، لا يكتفي بضرره الاقتصادي في تهميش ميناء الفاو الكبير، وإنما سيحول العراق برمته إلى أشبه بمحافظة إيرانية، وممر ينهي مفهوم السيادة العراقية.
وأشار إلى أن رئيس الحكومة محمد شياع السوداني تعهد للمرشد الإيراني علي خامنئي أثناء زيارته إلى طهران نهاية العام الماضي بدخول مشروع الممر البري الإيراني إلى المتوسط حيز التطبيق.
ونوه المصدر في تصريح لقناة “الرافدين” إلى أن التأكيد بدخول مشروع الطريق البري الإيراني على المتوسط، حيز التطبيق يؤكد الانصياع التام من قبل حكومة السوداني لسياسة الهيمنة الإيرانية.
إلا أن هذه المزاعم حول الأهمية الاستراتيجة للمشروع التي تسوقها حكومة السوداني تصطدم بشهادة مغايرة لوزير النقل الأسبق عامر عبد الجبار الذي شن هجومًا حادًا على مشروع الربط السككي مع إيران، بعد أن عده رصاصة رحمة في جسد ميناء الفاو الكبير.
وقال عبد الجبار، إن “الربط السككي مع إيران لم يحدد بنقل المسافرين، بل سيشمل البضائع أيضًا وأن التصريحات الحكومية حول اقتصار الطريق على المسافرين فقط، غير صحيحة ولدينا الكثير من الأدلة التي تؤكد ما نقوله”.
وأضاف إن “مشروع الربط السككي، أطلق رصاصة الرحمة في جسد ميناء الفاو الكبير، وقتل أهميته الاستراتيجية، حيث إن خطوة الربط السككي تخدم المصالح الإيرانية بالدرجة الأولى”.
واستغرب عضو مجلس النواب ووزير النقل الأسبق من “إصرار الحكومة الحالية على منح إيران ربطًا سككيًا بحمولة محورية قدرها 25 طنًا لكل محور”.
ولفت إلى أن “أي ربط سككي مع أي دولة تقع على الخليج العربي يتناقض مع مشروع طريق التنمية، لأنه في حال تم الربط مع إيران، سنحتاج فقط إلى 15 رصيفًا في ميناء الفاو بدلاً من 90 رصيفًا وهو ما عده بالجريمة الكبرى ضد العراق”.