أخبار الرافدين
21عاما على احتلال العراق: فشل وفساد سياسيتقارير الرافدين

اليوم العالمي لمكافحة الفساد يمر شاحبًا على العراقيين بعد أن نخر الفساد بلادهم

دعوات لإحالة قضايا الفساد في العراق إلى محاكم دولية مختصة على غرار محكمة الجنايات الدولية بعدما تورط القضاء الحالي في إيجاد المسوغات لهروب المتورطين بعمليات الفساد من المساءلة وضمن إفلاتهم من العقاب.

بغداد – الرافدين
شككت أوساط حقوقية وصحفية بمزاعم مكافحة الفساد في العراق التي تروج لها الحكومات المتتابعة بعد الاحتلال مع حلول اليوم الدولي لمكافحة الفساد بعدما غرقت مؤسسات الدولة المختلفة بوحل الفساد الذي بات متجذرًا ويضرب جميع المفاصل الحكومية.
وأكد حقوقيون وصحفيون أن العلاقة بين الفساد وبين الأحزاب هي علاقة عضوية يصعب فصلها بعدما تغول الفساد وتحول إلى ورم خبيث يكاد يصعب استئصاله من جسم العملية السياسية ما يستدعي الحاجة إلى محاكمة دولية تبت بقضايا الفساد على غرار محكمة الجنايات الدولية.
وجاء الحديث عن الفساد في العراق وصعوبة مكافحته من قبل المنظومة الحاكمة متزامنًا مع احتفال العالم باليوم الدولي لمكافحة الفساد، الذي تقرر الاحتفال به في التاسع من شهر كانون الأول من كل عام بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2003.
وخصصت هذه المناسبة لتوضيح الصلة الوثيقة بين مكافحة الفساد والسلام والأمن والتنمية بعدما استند الاحتفال فيها سنويًا على إعلان الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد.
ويتبوأ العراق قمة مؤشرات تقارير المنظمات الدولية باعتباره من أكبر الدول الفاسدة على مستوى العالم، فمنذ عام 2003 يتخذ العراق مراتب متقدمة في جميع مؤشرات ومعايير الفساد والحريات وجودة الصحة والتعليم ونصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي.

أوساط حقوقية وصحفية تشكك بمزاعم مكافحة الفساد في العراق التي تروج لها الحكومة مع حلول اليوم الدولي لمكافحة الفساد

ومنذ عقدين من الزمن والعراق البلد الغني بالنفط يغرق في بحر من الفساد استنزف معظم إيراداته، ما دفع المواطنين نحو بئر عميق من الفقر، على الرغم من امتلاك بلادهم ثروات هائلة.
ويعزى السبب الرئيس لتفشي الفساد على نطاق واسع في البلاد إلى نظام المحاصصة الذي أدخله الأمريكيون في سنة 2003 بعدما ساهم وفق مخطط ممنهج في تقسيم هياكل الدولة بين الأحزاب التي تدّعي كل منها تمثيل المجموعات الدينية والعرقية الرئيسة في العراق.
وبعد احتلال العراق، نهبت هذه الجماعات موارد البلاد ونشرت نظام المحسوبية وتقاسم رؤساء الأحزاب، الذين ينتمي الكثير منهم إلى الميليشيات، الوزارات المربحة فيما بينهم من خلال المساومات والمقايضات.

زكي رضا: تعود مساحة الفساد الكبيرة في العراق الى عدم اكتمال بناء الدولة وغياب الحوكمة أو ضعفها

ويرى الكاتب زكي رضا أن “مساحة الفساد الكبيرة في العراق وبقية بلدان الدول النامية، يعود في أحّد أسبابه الى عدم اكتمال بناء الدولة وغياب الحوكمة أو ضعفها، وأنّ الفساد المستشري وعلى أعلى المستويات لا يعني ضعف النخب الحاكمة في استغلال موارد الدولة وتوجيهها لخدمة المواطن فقط، بل يعني أنّ هناك قصد ونيّة مسبقة من قبل هذه النخب في سرقة وإهدار المال العام والإثراء غير المشروع متسلّحة بنظام محاصصتي يغضّ النظر عن فساد النخب الحاكمة”.
ويبين رضا أن “للفساد في العراق كما بقية دول العالم النامية آثار مدمّرة على بناء الدولة والمجتمع وبما يضعف ثقة المواطنين بالدولة ومؤسساتها، فهو المسؤول الأوّل عن ارتفاع نسبة الفقر والبطالة في المجتمعات المبتلية بحكومات فاسدة كالحكومة العراقية”.
وعن سبل محاربة آفة الفساد يوضح أن “محاربة الفساد لا تتم بالخطابات السياسية والدينية، بل بوجود منظومة سياسية تكرّس بداية طريق طويل لمحاربة الفساد، بإعادة بناء المجتمع بشكل صحيح بعيدا عن التخندقات الدينية والطائفية والقومية، وتولي اهتماما حقيقيا وكبيرا بمستوى التعليم بالبلاد، وتعزيز القوّة القضائية واحترام حياديتها، وتدعيم الشفافية بما يسمح للمواطنين والمختصين بالوصول الى المعلومة بشكل سلس وسريع”.
وتختلف طرق الفساد وتتنوع أساليبه في العراق منذ احتلاله عام 2003 وحتى اليوم، حيث تتفنن الأحزاب الحاكمة بتمرير الفساد وتسويقه من خلال وزارتها التي حصلت عليها بالمحاصصة واستحواذ أتباعها على كل المؤسسات والمصالح في العراق.
وتكون عملية الفساد عن طريق صفقات استيراد وتصدير، أو عن طريق توفير الأغطية المالية للمشاريع الوهمية، واستخدام الفواتير والصكوك المزورة، إضافة إلى السرقة الواضحة، التي تجري عبر نقل المبالغ المالية الضخمة من الدوائر والبنوك الرسمية إلى حسابات بنكية خارج العراق، أو تحويلها إلى كتل نقدية كبيرة ويجري نقلها إلى إيران وغيرها من طرق وأساليب الفساد التي تضخمت بموجبها حسابات البعض وتحولوا بين ليلة وضحاها إلى مليارديرات.
وسبق أن كشفت دراسة لمركز الأبحاث الفرنسي (CFRI) حول العراق وجود 36 مليارديرًا وأكثر من 16 ألف مليونير في العراق.
وبحسب مركز الأبحاث الفرنسي أنه “منذ عام 2003، كانت قضية العدالة الاجتماعية في قلب الاحتجاجات المختلفة، لأسباب كثيرة ومعقدة، لكن لا بد من القول إن المجتمع العراقي منقسم الآن بين طبقة عليا حيث تعيش الأقلية بشكل مريح وطبقة دنيا حيث الأغلبية تناضل بشدة من أجل البقاء. وبين الاثنين، اختفت ببساطة الطبقة المتوسطة التي كانت حاضرة إلى حد كبير بين السبعينات والتسعينات”.
وبينت الدراسة أنه “في العراق الجديد الذي أقامه الأمريكيون، تتكون هذه الأقلية المميزة بشكل رئيسي من كبار المسؤولين التنفيذيين في الأحزاب السياسية والميليشيات، فضلا عن مديري الشركات التابعة لهم، والنواب والوزراء الحاليين أو المتقاعدين، والعائلات التي تنتمي إلى البرجوازية العليا والدنيا، والمجموعات الإعلامية المؤثرة، ومديري الشركات المتوسطة، أو الكبيرة المرتبطة بدول النظام الإقليمي في إشارة إلى إيران”.
وأوضحت أن لدى هذه الطبقة إمكانية الوصول إلى السلع التي نادرًا ما تكون متاحة للسكان الأكثر حرمانًا، والسكن في مجمعات جديدة مبنية وفقًا للنموذج الغربي، ومدارس مستقلة باللغة الإنجليزية لأطفالهم، وحمامات سباحة، وملاعب، وحدائق، ومناطق ترفيهية، ومسارح ودور سينما، ووجهات مميزة لقضاء العطلات مثل إسطنبول ولندن وواشنطن وباريس، أو السفر على درجة رجال الأعمال أو كبار الشخصيات.
وكان وزير المالية في حكومة مصطفى الكاظمي علي علاوي قد تحدث هو الآخر عن وجود نحو 30 مليارديرًا من السياسيين لتعزز تصريحاته ما ذكرته دراسة مركز الأبحاث الفرنسي، فضلًا عن إثارته التساؤلات حول أسماء هؤلاء “المليارديرات”، والمتعاونين معهم، لا سيما وأن السرقات الكبيرة من المال العام أو الصفقات والمشاريع لا تتم إلا عبر مجاميع، بالإضافة إلى أماكن خزن هذه المبالغ الهائلة، وإمكانيات استعادتها ومحاسبة المتورطين.
وبحسب التعريف السائد للملياردير، هو الذي صار يملك أكثر من مليار دولار أمريكي أو جنيه استرليني، لكن يبدو أن بعض السياسيين العراقيين تغلبوا على هذا التعريف كونهم يمتلكون أكثر من 3 مليار دولار، تتفرق هذه المبالغ على عقارات ومعارض سيارات ومجمعات سكنية ومراكز تجميل ومطاعم، وقد لجأ بعضهم إلى الاستثمار بالفنادق وشركات السياحة.

نبيل المرسومي: تضخم أموال السياسيين يعود إلى الفساد واستغلال الجاه والمنصب، التي أدت إلى تكون مثل هذه الثروات المرتبطة بالريع النفطي وقدرة البعض في الاستحواذ على الثروة

ويعزو الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي تضخم أموال السياسيين إلى “الفساد واستغلال الجاه والمنصب، التي أدت إلى تكون مثل هذه الثروات المرتبطة بالريع النفطي وقدرة البعض في الاستحواذ على الثروة”.
وأوضح المرسومي “نحن نتحدث عن نحو 36 شخصًا يمتلكون أكثر من مليار دولار وهذا رقم كبير يعادل العدد الموجود في 8 دول مختلفة من بينها الدول الخليجية مجتمعة كذلك الحال بالنسبة للمليونيرية فهناك 16 ألف مليونير يمتلك أكثر من مليون دولار واقل من مليار”.
وتابع “هذا الأمر يعد من مظاهر سلوك الدولة الريعية، جراء سوء توزيع الدخل، ولكن هذا سوء توزيع فادح، وعدم عدالة كبيرة، إذ انعكس بشكل كبير على العدالة الاجتماعية بمعنى ان فئة قليلة من الناس تستحوذ على الجزء الأكبر من الدخل، بينما الجزء الأكبر لا يملك شيئًا”.
وأضاف الخبير الاقتصادي أن “الدولة الريعية تخلق طبقة من النفعيين يمتلكون اسباب القوة الاقتصادية، وهناك ترابط وثيق بينهم وبين القوى السياسية وفي العراق فإن هؤلاء القلة يمتلكون ثروة تقترب من ثلث الدخل القومي أو نصفه للبلد”.
وخلص بالقول إن مواجهة الفساد “دائمًا ما تبدأ بالحلقات الدنيا، ويفترض انه لو كانت هنالك إرادة جادة لمكافحة الفساد فيجب أن نبدأ بالرؤوس الكبار، وهي مسألة مشكوك فيها، لأن بنية النظام السياسي قائمة على المحاصصة والفساد”.

يترأس فائق زيدان مجلس القضاء الأعلى وهو متهم بالسماح لنور زهير المتهم الرئيس بسرقة القرن بالسفر بذريعة تصفية أصوله

وطالما أبدى العراقيون امتعاضهم، حول تواطؤ القضاء تجاه ملفات تمس جوهر العدالة في العراق، وفي مقدمتها عمليات الفساد في ظل اتهامات تلاحق المسؤولين عن القضاء بتسيسه وجعله هامشًا للأحزاب السياسية الحاكمة.
وخلال الأسابيع الماضية تحولت الأحكام القضائية الواهنة بشأن لصوص الدولة ولاسيما قضية سرقة القرن التي شغلت الرأي العام إلى موضع تهكم بين العراقيين واصفين الأحكام القضائية بأنها مشينة ومتواطئة مع لصوص الدولة بعد أن أطلق سراح المتهمين فيها ومهد لسفرهم خارج البلاد بعد إصدار أحكام قضائية مضحكة بحقهم.
وتمثل “سرقة القرن” باختفاء مبلغ 3.7 تريليون دينار عراقي، بما يعادل نحو مليارين ونصف المليار دولار، من أموال الأمانات الضريبية، تم الكشف عنها من قبل جهات معنية قبل نحو شهرين من انتهاء فترة الحكومة العراقية السابقة برئاسة مصطفى الكاظمي.
فيما أعلنت مصادر قضائية ورقابية أن السلطات الحكومية تتستر على فضيحة تاريخية غير مسبوقة بعد أن كشفت أن كمية الأموال التي سرقت من الهيئة العامة للضرائب تصل إلى 8 مليار دولار وليس 2.5 مليار كما ذكر سابقا.
ويترأس فائق زيدان مجلس القضاء الأعلى، وهو على قمة نظام المحاكم العراقية، ويتهم زيدان بالسماح لنور زهير بالسفر بذريعة تصفية أصوله الخارجية، والدفع مجددا للحكومة في بغداد.
وسقط مجلس القضاء الأعلى وهو يصنع الذرائع للصوص الدولة ويثني على تواطؤ القضاة، عندما وجه كتاب شكر إلى القاضي ضياء جعفر، قاضي أول محكمة تحقيق الكرخ الثانية، المشرف على القضايا المرفوعة على نور زهير، المتهم الأكبر بسرقة القرن، والذي أخرج بكفالة غامضة، قبل هروبه إلى خارج العراق.
ويكشف موقف مجلس القضاء الأعلى مستوى الانهيار الذي وصل له القانون في العراق، بينما يتم التغطية على أكبر سرقة في التاريخ المعاصر في العراق بعد استيلاء لصوص الدولة على مليارات الدولارات من أموال الضرائب في العراق.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى