أخبار الرافدين
محمد الجميلي

الثورة السورية تفضح الطائفيين في العراق

انتصرت ثورة الشعب السوري أخيرا بعد مسيرة طويلة مضمخة بالتضحيات الجسام، لو كان الشعب الذي فجرها لا يعشق الحرية والكرامة ولا يريد العزة لبلده لما صبر عليها ولما صابر كل هذه السنين الصعبة متحملا القتل والتهجير على يد أبشع نظام أباح البلاد للأغراب ميليشيات وقوى كبرى لأجل بقائه على كرسي الحكم ضد إرادة الشعب.
انتصر الشعب السوري وصلى الثوار صلاة الفتح في الجامع الأموي وسط دمشق وعاد له وجهه المشرق بعد أن علته غبرة من قبل شذاذ الآفاق الذين حولوه إلى ساحة لطم لم يألفها منذ أن أسسه الخليفة الأموي السادس الوليد بن عبد الملك بعد عام واحد من ولايته، وهو رابع أشهر المساجد الإسلامية بعد الحرمين الشريفين والمسجد الأقصى، كما يعد أحد عجائب الإسلام السبعة في العالم، وحتى “العبيديون” حين استولوا على دمشق لم يجرؤوا على استلاب الجامع الأموي أو دخوله ولكن الميليشيات الإيرانية فعلت ذلك لتهين هذا الرمز الأموي العظيم، وتظهر غلها وأحقادها بطريقة فوضوية، قبل أن تحرره ثورة الشعب السوري في الثامن من كانون أول الجاري.
لم تكن ثورة الشعب السوري ضد بشار الأسد هي أولى الثورات في تاريخ الشعب السوري، ولكنها الأطول والأشد كلفة في عدد الشهداء والمهجرين والتنكيل، ثم إن انتصارها جاء في وقت في غاية الأهمية لسوريا والمنطقة، وفي غاية الأهمية كذلك للأمة كلها بعد أن أصابها الوهن بسبب الثورات المضادة للربيع العربي وإفشال كل الثورات التي كانت أمل الشعوب المقهورة في نيل حريتها وكرامتها وتحقيق حلمها بمستقبل واعد، وبعد الحرب الوحشية للكيان في غزة وإبادة الشعب الفلسطيني فيها، فجاء انتصار الثورة السورية باعثا للهمم من جديد، وفاتحا لأبواب أوصدت أمام الشعوب لتمنعها من مجرد التفكير بالتغيير، وبلسما مداويا لجراحات المنكوبين والمهجرين وذوي الضحايا، ومجهزا على المشروع الإيراني الخبيث الذي تغول في المنطقة والذي تباهى أصحابه باحتلال دمشق ضمن أربع عواصم عربية، وبعد استباحتهم لسوريا من دير الزور حتى حلب بتغيير ديموغرافي وحرب معلنة على الهوية السورية السنية، وصلت حد الإهانة لقبر الصحابي معاوية رضي الله عنه، فكان النصر منحة ربانية بعد محنة قل نظيرها في العصر الحديث.
في كل الثورات يبرز انتهازيون متلونون لا يخجلون من نفاقهم وتبديل مواقفهم في حضرة المنتصر، شاهدنا ذلك وسمعناه من شخصيات سورية وعربية كانت تشبح للنظام الساقط، فإذا بها تتبرك براية الثورة وتهجو الطاغية المستبد بعد أن كانت تتلو بحبه القصائد، قال أحدهم “حينما كنت أقول لبشار إني أعشقك فإنني إنما كنت أعني أكرهك”! ولم يكن الإيرانيون استثناءً حتى قال رئيس مجلس شوراهم إن قاسم سليماني كان قد نصح بشار الأسد مرارا أن يصغي لشعبه لكنه لم يفعل، ولكن المستفز في الأمر والمضحك في آن، هو ما صدر عن قادة الأحزاب والسياسيين وقادة الميليشيات في العراق، بعد انتصار الثورة السورية وانكسار المشروع الإيراني، فبعد أن أرعدوا وأزبدوا وأعلنوا عن فتح باب التطوع للقتال مع بشار الأسد ضد من سموهم الإرهابيين والتكفيريين، وبعد أن قال مستشار الأمن القومي لن تسبى زينب مرتين، في تحريض طائفي ضد الشعب السوري ولتأليب الشارع العراقي ليقاتل معهم انتصارا لبشار بحجة زينب، فإذا بهم تنعقد ألسنتهم وتصفر وجوههم بعد فتح دمشق من قبل الثوار، فأعلنوا عن غلق باب التطوع، بل رأينا التعريض ببشار ووصف حزب البعث الذي يقوده بالمجرم كما فعلت قناة العهد التابعة لمليشيا العصائب، مع أن أحمد الشرع قائد عمليات ردع العدوان طلب من رئيس الحكومة السوداني أثناء الزحف إلى دمشق بأن يوقفوا مهاتراتهم ضد الثورة السورية فهي شأن سوري داخلي لا تستهدف العراق وشعبه، ولكن مستشار الحكومة استخف بهذا الطلب وقال نحن لا نستقبل رسائل من إرهابيين.
لكن الأكثر سخفا واستفزازا ما صرح به نوري المالكي عن ضرورة احترام إرادة الشعب السوري وهو الذي كان يقول بعد تحرير حلب: سنقاتل في سوريا كما قاتل أجدادنا، ثم وجه نصائحه للثوار بكل وقاحة ودعاهم لبناء دولة تشترك فيها كل المكونات دون تهميش أو إقصاء، وهو الذي كان يقول لشركائه في الحكم من السنة أنصحكم بالرحيل عن العراق فلا مكان لكم فيه، وهو الذي قمع الاعتصامات السلمية للسنة المطالبة بحقوقهم الوطنية والإنسانية وقال عبارته المشهورة بيننا وبينهم بحر من الدم، فبأي وجه يلقي هؤلاء الطائفيون الدروس في السياسة والعدالة والوطنية؟ وعن أي إقصاء وتهميش يتحدث:
يا أيها الرجل المعلم غيره/ هلا لنفسك كان ذا التعليم.
إن سياسة قادة الثورة السورية ورجالها الرحيمة بشعبهم والودودة مع كل الطوائف والعفو الذي منحوه عند المقدرة حتى للقرى التي أثخنت فيهم قتلا وتهجيرا قبل عقد من الزمان، وحسن تعاملهم مع مسؤولي الوزارات السابقين لتحقيق انتقال سلمي للسلطة، قد فضحت ما فعله الساسة الطائفيون في العراق بعد تسلطهم وانتقامهم من الأبرياء بذريعة محاربة الإرهاب، فقتلوا وهجروا واختطفوا وغيبوا آلاف المدنيين دون ذنب، وأحرقوا بيوت الله ودمروها وحولوا بعضها لحسينيات، وما تزال مناطق وقرى كثيرة محرمة على أصحابها حتى الآن، ويقبع أهلها في مخيمات بعد أن كانوا أعزة في ديارهم، والكثير الذي لا يحصى من جرائم هؤلاء الطائفيين حتى صار سجلهم في حقوق الإنسان أسود عفنا، ناهيك عن نهبهم لثروات العراق ومقدراته وتحطيم بناه التحتية، فهل يقارن ذلك بسيرة الثورة السورية ضد الطاغية بشار؟
لقد حققت الثورة السورية إنجازا استثنائيا في وقت استثنائي وفي ظل ظروف استثنائية أمام جبهة أعداء من النظام والميليشيات العراقية واللبنانية والأفغانية والباكستانية التي أسستها إيران وموّلتها من مليارات العراق المنهوبة، ومليشيا “قسد” التي تدعمها أمريكا، وتسانده روسيا بقوتها الوحشية، ولم يكن مع ثوار سوريا إلا الذي أعلنوه في أول أيام الثورة: ما لنا غيرك يا الله.
الواجب اليوم عظيم على الأمة أن تقف مع الشعب السوري ليتمكن من تحقيق حلمه، والواجب أيضا على الشعب السوري المهاجر أن يعود سريعا ويدع التنظير عن بعد، لحماية منجزات ثورته وبناء دولته التي يحلم بها ويقطع الطريق على المتربصين والماكرين قبل أن يستفحل خطرهم ويقوى مكرهم وحتى لا يطمع الكيان بوطنهم كما يفعل الآن من عربدة يومية يقصف ما يريد من منشآت ومعسكرات من غير نكير من أحد.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى