البطالة قنبلة موقوتة سيفجرها سبعة ملايين عاطل بوجه الهدوء السياسي الخادع في العراق
العراق بحاجة إلى نحو 350 ألف وظيفة جديدة سنويًا للتعامل مع التزايد السريع في عدد العاطلين عن العمل حيث تكلفة الفشل السياسي مرتفعة.
بغداد – الرافدين
دق خبراء اقتصاديون ناقوس الخطر من تفاقم أزمة البطالة في العراق، التي تتصاعد بشكل متسارع مع ارتفاع أعداد الخريجين وانضمام مئات الآلاف سنويًا إلى سوق العمل في ظل غياب حلول حكومية فعّالة.
ورغم غياب إحصائيات رسمية دقيقة حول أعداد العاطلين عن العمل في العراق، تشير التقديرات المستندة إلى معدلات البطالة إلى وجود نحو 7 ملايين شخص عاطل عن العمل، مما يعكس حجم الأزمة التي تثقل كاهل سوق العمل والمجتمع العراقي.
وأكد الخبراء على أن هذه الأزمة تتجاوز كونها تحديًا اقتصاديًا لتصبح قنبلة موقوتة تهدد الاستقرار الاجتماعي والسياسي، حيث يعاني الشباب من قلة الفرص وزيادة الإحباط، ما قد يؤدي إلى تصاعد معدلات الجريمة، واتساع دائرة الفقر.
وذكرت صحيفة “ذا ناشيونال” أن “التحدي الأكثر خطورة الذي يواجه العراق يتمثل في التزايد المتسارع في عدد الأشخاص الباحثين عن فرص العمل والذي يصل سنوياً إلى مليون شخص يبلغون سن العمل، محذراً من أن الوقت ينفد أمام العراقيين”.
وأشار تقرير للصحيفة التي تصدر باللغة الإنجليزية في أبوظبي إلى أنه “بالرغم من تعديل إجراءات التقاعد، فإنه يتحتم على العراق إيجاد نحو 350 ألف وظيفة جديدة سنوياً للتعامل مع التزايد السريع في عدد العاطلين عن العمل”.
ولفت التقرير إلى أن “الحكومات المتعاقبة، استخدمت عائدات النفط لخلق ما يكفي من الوظائف الحكومية ومواجهة تزايد البطالة، وهو ما تسبب في نشوء بيروقراطية متضخمة وغير كفوءة توظف ما يقرب 40 بالمائة من القوة العاملة”.
وعد التقرير “تكلفة الفشل مرتفعة”، موضحًا أن “استمرار الاعتماد على التوظيف الحكومي الممول من صادرات النفط، سيصبح أكثر صعوبة خلال العقد المقبل مما سيؤدي إلى مفاقمة البطالة وخصوصًا بين الشباب، وهي نتيجة قد تكون ليست فقط غير فعالة اقتصاديًا، بل قد تثير زعزعة للاستقرار الاجتماعي والسياسي”.
وتعد مشكلة البطالة في العراق، من أبرز التحديات التي واجهت الحكومات المتعاقبة عقب الاحتلال الأمريكي عام 2003، وتؤكد جميع الأرقام أنها آخذة بالاتساع، ومعها يرتفع مؤشر الفقر في دولة غنية بالنفط.
كما يتزايد أعداد خريجي الجامعات الذين لم يتمكّنوا من الحصول على وظائف، بسبب عدم وجود رؤية حقيقية لدى الدولة، فضلاً عن عدم الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي.
إلى جانب ذلك طالبت مفوضية حقوق الإنسان في البصرة الجهات المعنية في المحافظة بالحد من خطر ملف العمالة الأجنبية.

وقال مكتب مفوضية حقوق الإنسان في البصرة إن ارتفاع مستوى البطالة أمر مثير للقلق مع وجود عشرات الآلاف من العمالة الوافدة، وهي في تزايد
مستمر سواء من قبل شركات جولات التراخيص النفطية “ذات الأجور المرتفعة” التي باتت أحد أكبر وسائل الحرمان للعمالة في البصرة، أو عبر شركات او مكاتب الخدمة التي تعتمد استقدام العمالة قليلة الأجور والتي تصل بعض الانتهاكات فيها الى جريمة الاتجار بالبشر , مع عدم وجود قاعدة بيانات دقيقة ورقابة دائمة ترافقها إجراءات فاعلة للحالتين.
ولفت المختص في الشأن الاقتصادي ناصر الكناني إلى مساهمة العمالة الأجنبية بتفاقم ازمة البطالة في العراق.
وقال الكناني إنه “بما لا يقبل الشك فإن العمالة الأجنبية ساهمت بشكل كبير وخطير في تفاقم أزمة البطالة في العراق وأثرت سلبًا على إيجاد الكثير من فرص العمل للشباب العراقي العاطل عن العمل، وهذا الأمر لا يقتصر على العاصمة بغداد، لكن ربما تكون هي الأكثر تأثرًا بهذا الأمر”.
وشهدت البلاد موجات احتجاجات كبيرة من الشباب العاطلين عن العمل في محافظات عراقية عديدة، لتصل إلى إغلاق مؤسسات الدولة، ومقار الشركات النفطية في جنوبي العراق، ولا تتراجع هذه الاحتجاجات بالرغم من الوعود التي تطلقها الحكومات بالعمل على الحد من البطالة والفقر في البلاد.
وفي السياق، قال رئيس حراك “البيت العراقي” محي الأنصاري، إن “النظام الحاكم في العراق بعد عام 2003 عمد إلى مسك السلطة من خلال الاقتصاد الريعي ورشوة المجتمع عبر التوظيف العشوائي غير المنتج في القطاع العام والذي يعد الأسوأ والأكثر ترهلاً عالمياً”.
وبين أن “الحكومات المتعاقبة لا تكف عن تضليل الرأي العام العراقي وربط العمل بالتوظيف في المؤسسات الحكومية، حتى أصبح العراق ينفق نحو 80 بالمائة من ميزانياته على رواتب الموظفين، وهي بالأساس تزداد مع كل أزمة يعانيها النظام السياسي في مشروعيته الداخلية والتي لا يجد سبيلاً لمعالجتها سوى رشوة المجتمع بالوظائف”.
وأضاف أن “التصريحات التي تطلق بين الحين والآخر لتفعيل القطاع الخاص والاستثمار لا تتعدى كونها فقاعات للاستهلاك الإعلامي المحلي كون النظام العام عاجزًا عن مواجهة الفساد المستشري في جميع قطاعات المؤسسات الحكومية ويرتد بشكل مباشر على أي خطوة تذهب لمأسسة الاستثمار وتشجيع القطاع الخاص الذي يصطدم ببيروقراطية الإجراءات وسيطرة اقتصاديات الأحزاب المسلحة وباقي مافيات الفساد على جميع مفاصل الاقتصاد العام والخاص في البلاد”.
من جانبه، بيَّن الخبير الاقتصادي، نبيل المرسومي، أن “البطالة في العراق تتعاظم ولا تتراجع، بسبب النمو السكاني المتزايد سنويًا بمعدل مليون نسمة، ما يعني أن نحو نصف مليون فرد يدخلون إلى سوق العمل، ما يعني أن هناك حاجة لإيجاد مساحات عمل غير القطاع الحكومي”.
وأوضح أن “ارتفاع معدلات البطالة تحتاج إلى جهد وطني كبير، حيث وصل معدل البطالة إلى أكثر من 35 بالمائة من نسبة الشباب في العراق”.
ولفت إلى أن العراق يحتاج إلى تنويع الاقتصاد العراقي، وتحديد الأنشطة الإنتاجية السلعية والخدمية، من خلال استحداث أنشطة جديدة توجد فرص عمل وتشغيل الشباب، ناهيك بإعادة تفعيل المعامل والمصانع التي تعطلت بعد الاحتلال الأمريكي.

ويرى الصحفي العراقي عبد اللطيف الهجول أن “البطالة لیست مشكلة محدودة النطاق في العراق، بل إنھا تمتد عبر طیات مجتمعنا، وتؤثر على العدید من الأشخاص من مختلف الفئات العمریة والمستویات التعلیمیة”.
وأكد على أن الشباب في العراق من أكثر الفئات تضررًا من البطالة، إذ يكون لديهم الطموح والحماس للعمل، فيصطدمون بصعوبة العثور على وظائف تناسب مهاراتهم أو علومهم التي تعلموها.
ولفت إلى أن “معالجة مشكلة البطالة تتطلب جهدًا مشتركًا من الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني، ويجب على الحكومة تبني استراتیجیات واضحة لتعزیز النمو الاقتصادي، ودعم قطاع الأعمال. وأما على الجانب الآخر، فيجب على الشركات وأصحاب الأعمال أن یتعاونوا في توظیف الكفاءات المحلیة، وتوفير فرص التدریب للشباب.
وتروي لمياء صالح، خريجة كلية الهندسة، معاناتها مع البطالة، قائلة “أنا المعيلة الوحيدة لعائلتي، أمي ربة بيت وأبي متقاعد ومريض، وراتبه لا يغطي تكاليف علاجه. رغم أنني كنت أعمل بجد وأقدم أداءً ممتازًا، إلا أن الوظائف التي حصلت عليها في القطاع الخاص لم تتناسب مع مؤهلاتي العلمية. الأسوأ من ذلك أن أصحاب العمل كانوا يستغنون عني بسهولة لصالح أشخاص يتمتعون بنفوذ.”
ولم تقف لمياء مكتوفة الأيدي أمام ندرة الوظائف، بل حاولت على مدى السنوات الماضية توفير مصدر دخل من خلال ممارسة الأعمال اليدوية وصنع الإكسسوارات. لكنها اصطدمت بعوائق كبيرة، من بينها ركود الأسواق المحلية، وهيمنة البضائع المستوردة، وغياب الدعم الحكومي للصناعات اليدوية، مما حال دون اعتمادها على هذا النشاط لإعالة عائلتها.
حال لمياء ليس استثناءًا؛ فحارث مثنى، خريج معهد الإدارة والاقتصاد، يعاني من وضع مشابه. ويقول “مر على تخرجي أكثر من خمس سنوات، ولم أحصل خلالها على أي وظيفة حكومية. حتى خريجو المجموعة الطبية لم يعودوا يجدون فرصًا حكومية، لذلك اتجهت إلى القطاع الخاص وسوق الأعمال اليدوية، لكنني وجدت فيهما تحديات كبيرة، من قلة الفرص إلى تدني الأجور.”
طوال السنوات الماضية، تنقل حارث بين أربع وظائف مختلفة، لكنه لم يتمكن من الاستمرار في أي منها بسبب عدة عوامل، أبرزها طول ساعات العمل، تدني الأجور، وانعدام الضمان الاجتماعي. وفي نهاية المطاف، اضطر إلى شراء دراجة نارية والعمل كعامل توصيل لصالح إحدى الشركات، وهي مهنة يقوم بها منذ حوالي عام رغم أنها لا تحقق له الاستقرار الذي يبحث عنه.
