أخبار الرافدين
طلعت رميح

مصير ميليشيات إيران في العراق

تشعر الميليشيات الإيرانية في العراق بالرعب، مما جرى في سوريا. والأمل الذي تتشبث به الآن هو ألا يتغير الموقف الأمريكي في العراق من الحكم الطائفي القائم، وألا تتخلى القوات الأمريكية عن توفير الغطاء العسكري لتلك الميليشيات، ولذا، لن تكتفي تلك الميليشيات في الفترة المقبلة، بوقف أعمال الإطلاق الشكلية والوهمية للطائرات المسيرة، بل ستذهب إلى تكثيف ملامح الولاء للاحتلال الأمريكي، وستصدر إعلانات بأنها تعمل تحت القوانين والقيود، وضمن المعادلات التي حددتها سلطات الاحتلال.
ستعود الميليشيات إلى سيرتها الأولى خلال فترة التشكل، وستتبارى في إثبات أهمية دورها في بقاء الاحتلال، وسنكون على موعد لتغيير البعض لجلود الوجوه لنيل الرضا الأمريكي. ولا تندهشوا إن رأيتم بعض قادة الميليشيات وهم يتحدثون بلغة مختلفة عن الكيان الصهيوني، ولا من صدور بيانات تبرئ الميليشيات الكبرى من الانضمام إلى ما كان يوصف بمحور المقاومة.
تدرك تلك الميليشيات أن الظروف التي أدت إلى تشكيلها والأسس التي سمحت لها بارتكاب كل أشكال وأنواع جرائم القتل والإبادة والتدمير، وبتكوين ثروات طائلة جرى تهريبها إلى الخارج، قد شهدت تغييرا في سوريا أو انقلبت إلى الضد، وأن العراق جاهز لتحولات أكبر.
لقد بدأ تشكيل تلك الميليشيات وتحددت مهامها الإجرامية، بناء على ما وصفه بريمر بانتهاء حكم السنة في العراق، وهو أمر تأكد كقرار دولي في قول وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف بعدم عودة السنة إلى حكم سوريا.
كانت تلك الميليشيات قد تشكلت ومارست جرائمها استنادا إلى “قرار دولي” بتولي إيران مهمة تغيير هوية العراق وسوريا ودول أخرى وتحدد لها أن تقوم وميليشياتها بأوسع وأشرس عملية تغيير ديموغرافي وتطهير طائفي للسنة، مع توفير غطاء عسكري وإعلامي وسياسي ودبلوماسي لجرائمها مع فتح كل السبل والطرق أمامها لنهب ثروات الشعب العراقي.
فجاءت أحداث سوريا الأخيرة، التي أطاحت ببشار، بعنوان آخر مناقض، إذ زحفت مجموعات “إسلامية سنية” وسيطرت على دمشق وأطاحت بحكم الأقلية العلوية وطردت إيران والحرس الثوري والميليشيات من سوريا، وكان الأخطر أن أعلنت عن بناء نظام سياسي غير طائفي يحقق مشاركة كل السوريين في بناء وطنهم.
هذا الذي حدث في سوريا كسر المعادلات القديمة.
وكان ما أصابهم بالرعب، أن لم تتدخل القوات الأمريكية والروسية المتمركزة على الأراضي السورية، لمواجهة هذا التغيير، وأن جاء التغيير مدعوما من تركيا. وأن وقفت إيران عاجزة.
لقد وجدوا إيران التي عملوا لحسابها كشركات أمن ومرتزقة، في موقف العاجز، وكيف أنها تحولت إلى وكالة أنباء تطلق تصريحات لتبرئ نفسها مما كان جاريا وتلقى اللوم على الأسد.
لقد تبخرت قوات بشار وهربت الميليشيات والحرس الثوري، وبدأت دائرة الملاحقة تدور، وهم كانوا أنفسهم على رأس من قاموا بعمليات قمع الشعب السوري امتدادا لجرائمهم من العراق إلى سوريا.
تنظر الميليشيات إلى ما جرى في سوريا من سقوط النظام الأمني وفتح السجون وكشف وفضح العمليات الاجرامية التي قام بها النظام وحلفائه، وبدء أعمال الملاحقة للمجرمين، باعتبارها بداية لخطوط حركه ستطالها، إذ كانت على رأس المنفذين. ولان تلك الجرائم لا تسقط بالتقادم.
وتدرك الميليشيات أن تجربة إسقاط النظام في سوريا قد تتكرر في العراق. ورأوا بأعينهم كيف غسل مشغلوهم الإيرانيون أيديهم من تلك الجرائم بنقل الاتهام إلى بشار الأسد، وهو ما يعنى تكرار الأمر في العراق، إذ قد يقول الإيرانيون أن الميليشيات ارتكبت الجرائم دون علمهم.
والميليشيات لا تقلق فقط لظهور إيران بمظهر الضعيف الآن، ولكنهم مرعوبون من قرار إيران بالتخلي عن الأسد والانسحاب من مساندته وتركه يواجه مصيره، وتحميله مسؤولية ما جرى.
وإذ القادم للبيت الأبيض هو دونالد ترامب، فذكرى مقتل قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس تخيم على أجواء تلك الميليشيات، وتحول أيامهم إلى كوابيس، خاصة وقد قال مؤخرا ما يفيد بعدم استبعاده القيام بعمل عسكري ضد إيران. قال ترامب: كل شيء ممكن.
والقصد أن الميليشيات تدرك الآن، أن مرحلة جديدة خطيره قيد التشكل في الإقليم، وأن حتى الراعي والممول الإيراني بات واقع تحت تهديد خطير. وإذ لا يتوقع أحدا أن يجي قصف إيران قبل قصف وملاحقة تلك الميليشيات، فهم باتوا يدركون أن لا ملجا يمكنهم الهروب إليه.
والعامل الحاسم في تقرير مصير تلك الميليشيات لا يأتي من احتمال انتقال الثورة السورية بشكل مباشر عبر ثوارها إلى العراق. وقد أعلنت الميليشيات أن لا علاقة لها بما يجري في سوريا، لقطع الطريق على هذا الاحتمال الذي لم يكن واردا، لكنه الخوف والرعب.
العامل الحاسم، أن كل الظروف التي فتحت الطريق لحدوث ونجاح التغيير في سوريا، متحققة في العراق.
وما حدث في انتفاضة تشرين في العراق عامي 2019 – 2020، وما شهدته من جرائم قتل واغتيال، إلا أبسط ملامح تحقق شروط التغيير. لقد اندلعت في المناطق التي جرى النظر لها كحواضن منيعة للميلشيات والوجود الإيراني، وهي ركزت فعالياتها وقدمت الدماء لطرد ومطاردة هذا الوجود وتلك الميليشيات.
الأرض جاهزة في العراق، والوضع النفسي للميلشيات أقرب إلى الهزيمة الآن.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى