حكومة الإطار التنسيقي تفقد سيطرتها على سعر الدولار
خبراء اقتصاديون يؤكدون وجود عمليات سحب كبيرة للعملة الصعبة من الأسواق تزامنًا مع تزايد مخاوف الميليشيات الموالية لإيران من استهداف يطال نفوذهم.
بغداد – الرافدين
عادت المخاوف تسود الشارع العراقي بعد أن شهدت الأسواق العراقية ارتفاعًا ملحوظًا بأسعار صرف الدولار مقابل الدينار بسبب التلاعب بأسعار العملة وسيطرة أذرع الميليشيات الاقتصادية على نوافذ بيع العملة.
وحذر خبراء اقتصاديون من استمرار ارتفاع سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل الدينار العراقي خلال الفترة المقبلة، لاسيما مع استمرار تذبذب سعر صرف الدينار أمام الدولار منذ سنوات دون سيطرة عليه لا من قبل الحكومة العراقية ولا من البنك المركزي العراقي.
وبلغت الحوالات الخارجية في مبيعات البنك المركزي العراقي، يوم الاثنين السادس عسر من كان الأول الحالي، 93 بالمائة في مزاد العملة الذي شارك فيه 15 مصرفًا.
وبحسب خبراء الاقتصاد، الذين عزوا هذا التذبذب إلى عدم إيجاد حلول جذرية حقيقية لهذه المشكلة وعدم اتخاذ إجراءات صارمة بحق المتلاعبين.
وسجلت أسعار صرف الدولار الأمريكي أمام الدينار العراقي ارتفاعًا مع إغلاق بورصتي الكفاح والحارثية الرئيسيتين في بغداد، لتسجل 151000 دينار مقابل 100 دولار، فيما سجلت صباح هذا اليوم الثلاثاء 150950 دينار مقابل 100 دولار.
وأشار مواطنون إلى أن أسعار البيع في محال الصيرفة بالأسواق المحلية في بغداد ارتفعت حيث بلغ سعر البيع 152000 دينار مقابل 100 دولار، بينما بلغ الشراء 150000 دينار مقابل 100 دولار.
وحمل الخبير الاقتصادي، مصطفى فرج، حكومة بغداد والبنك المركزي مسؤولية تذبذب سعر الصرف بسبب عدم وضع حلول للسيطرة عليه.
وقال إن “تذبذب أسعار الدولار منذ سنوات يعود إلى السياسة المصرفية المتبعة من قبل البنك المركزي والحكومة العراقية وما يقدمان من حلول خجولة لا تتناسب مع حجم المشكلة، لهذا يلاحظ عدم سيطرتهما على أسعار الدولار لحد الآن”.
وأوضح فرج، أن “من أهم أسباب ارتفاع أسعار الدولار هو عدم وجود تغطية للتبادل التجاري مع إيران المشمولة بالعقوبات الأمريكية وغير مسموح للعراق بتحويل الدولار إليها، لذلك يُهرّب الدولار إليها ما يسبب بارتفاع أسعاره”.
وأكد على أن أسعار المواد الغذائية والمواد الأساسية وحتى سوق العمل والتجارة جميعها تتأثر بأسعار الدولار، وعندما ترتفع أسعاره ترتفع أسعار المواد الأساسية والغذائية وغيرها، وهذا جميعه بسبب عدم إيجاد حلول جذرية حقيقية لهذا الملف وعدم اتخاذ إجراءات صارمة بحق المتلاعبين.

ومع تسارع الأحداث في سوريا وسقوط نظام الرئيس بشار الأسد فيها وهروب الميليشيات الإيرانية منها تزداد مخاوف قادة الميليشيات العراقية الموالية لإيران من استهداف يطال نفوذهم الأمر الذي أدى إلى سحب العملة الصعبة من السوق وذلك بحسب الباحث الاقتصادي، أحمد عيد، الذي أكد أن “التغيير في سوريا تسبب بتضرر مصالح الكثير من قادة الميليشيات والمتنفذين، وسط مخاوف من استهداف المصالح والنفوذ الإيراني في العراق، مما دعا إلى زيادة الطلب الكبير على الدولار وسحبه من الأسواق من قبل هؤلاء المتنفذين بواسطة أذرعهم الاقتصادية التي تسيطر على مفاصل واسعة من السوق، بغية البحث عن منافذ جديدة لتسويق أعمالهم غير المشروعة”.
وأشار إلى أن “انعكاس إغلاق الحدود مع سوريا على السوق العراقية دفع عدد كبير من التجار للبحث عن مصادر جديدة للتوريد مثل مصر وتركيا وبلدان أخرى، مما يتطلب الحاجة إلى سيولة نقدية بالدولار لتغطية حاجة السوق”.
ونبه إلى أن “هناك عملاً كبيراً يستهدف الاقتصاد العراقي وهو تهريب العملة إلى الخارج وعمليات غسل الأموال التي مازالت متواصلة حتى اللحظة، وهذه كلها أسباب أدت وستؤدي إلى ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق العراقية”.
ورغم مضي نحو ثلاث سنوات على بدء عمل منصة إلكترونية لمراقبة حركة الدولار، فإن أسعار صرف الدينار مقابل العملة الأميركية لا تزال تعيش تفاوتا كبيرا بين السعر الرسمي المعلن من البنك المركزي والبالغ 1310 دينارا عراقيا للدولار الواحد، وسعر السوق السوداء أو ما يعرف بالسعر الموازي الذي يتراوح بين 1500 و1510 دينار مقابل كل دولار.
ومع اقتراب توقف عمل المنصة الإلكترونية اتهم خبراء اقتصاديون البنك المركزي بالتصرف ببرود وعدم الاستعداد للتعامل مع وقف منصة الدولار كحالة حرجة قد تتسبب في ارتفاع أسعار صرف الدولار ونقص الواردات.
وقال الخبراء إن حوالات منصة الدولار لا تزال تمثل ما يقارب 22 بالمائة من مجمل الحوالات الشهرية، رغم أن وقف المنصة لم يبق أمامه سوى اسبوعين، ما يستدعي من البنك المركزي الانتقال بشكل سلس وكامل لنظام حوالات البنوك المراسلة.
وحذر الخبراء من أن استمرار هذه النسبة العالية من حوالات المنصة، ستدفع جزء كبير من الحوالات نحو السوق الموازي مما سيؤدي إلى زيادة الطلب على الدولار وارتفاع أسعار صرفه، ويعيد الضغط على أسعار السلع والخدمات في السوق العراقية.
وعن المخاوف من ارتفاع الدولار بعد إنهاء العمل بالمنصة الإلكترونية، رأى الخبير الاقتصادي، أحمد عبد ربه، أن “البنك المركزي سيوقف العمل بالمنصة التي استحدثها في 2023، وستكون عملية تحويل الدولار حصراً على (المصارف الأجنبية) ومن لديها مراسلة، وهذا يعد إجحافاً بحق المصارف المحلية العراقية التي بدأت بتسريح العاملين لديها”.

وبين عبد ربه، أن “هناك 4 مصارف سوف تقضي على المصارف العراقية وستتحكم وتتسيد القطاع المصرفي العراقي، وسوف تسيطر على سوق الحوالات وتتحكم بسعر صرف الدولار، لذلك من المتوقع ارتفاع أسعاره مستقبلاً”، داعياً البنك المركزي إلى أن “يضمن المصارف العراقية في الفيدرالي الأمريكي ولدى وزارة الخزانة، وأن يساعد المصارف العراقية بأن تكون لديها حسابات في (جي بي مورغان) و(سيتي بانك)”. يُذكر أن البنك المركزي العراقي، أعلن في الرابع من أيلول 2024، عن آلية إنهاء العمل بالمنصة الإلكترونية للحوالات الخارجية من العملة الصعبة، فيما طمأن بأن لا تأثيرات محتملة على سعر الصرف وعمليات التحويل بعد إنهاء عمل المنصة.
وبحسب بيان للبنك المركزي، بدأت المنصة الإلكترونية للتحويلات الخارجية التي يديرها البنك المركزي العراقي في بداية عام 2023 كمرحلة أولى لإعادة تنظيم التحويلات المالية بما يؤمِّن الرقابة الاستباقية عليها بدلاً من الرقابة اللاحقة من خلال قيام الاحتياطي الفيدرالي بتدقيق الحوالات اليومية.
وبحسب البيان، فإنه كان “إجراءً استثنائياً إذ لا يتولى الفيدرالي عادة القيام بذلك، وجرى التخطيط للتحول التدريجي نحو بناء علاقات مباشرة بين المصارف في العراق والبنوك الخارجية المراسلة والمعتمدة، يتوسط ذلك شركة تدقيق دولية للقيام بالتدقيق المسبق على الحوالات قبل تنفيذها من قبل البنوك المراسلة”.
وكانت لجنة النفط والغاز النيابية قد حذرت على لسان النائب علي اللامي من ارتفاع جديد بأسعار صرف الدولار نتيجة استمرار تهريب العملة.
وقال اللامي إن تهريب العملة لم ينته بشكل تام وهناك ارتفاع جديد بالدولار خلال الفترة المقبلة.
وأضاف أن قرار تخفيض إنتاج النفط شمل جميع الدول الأعضاء في منظمة أوبك، مبينا أن قرار أوبك يحتاج الى تدخل حكومي لإقناع المنظمة برفع سقف التصدير العراقي.
وتابع أن تهريب النفط من الشمال مستمر وهناك مصافي تستحصل أكثر من استحقاقها، لافتا إلى أن تهريب النفط يؤثر على سمعة العراق لدى المنظمات النفطية الدولية.