الحرس الإيراني يعزز سيطرته على صادرات طهران وتهريب النفط من العراق
شبكة معقدة لتهريب زيت الوقود، يعتقد بعض الخبراء أنها تدر ما بين مليار إلى ثلاثة مليار دولار سنويا لإيران وميليشياتها في العراق، ازدهرت في العراق منذ تولى رئيس الوزراء محمد شياع السوداني منصبه في عام 2022.
لندن– قال مسؤولون غربيون ومصادر أمنية ومصادر إيرانية مطلعة إن الحرس الثوري الإيراني عزز قبضته على قطاع النفط في البلاد ويسيطر على ما يصل إلى نصف الصادرات التي تدر معظم إيرادات طهران وتمول ميليشيات في العراق ولبنان واليمن.
وقال أكثر من 12 مصدرا أجرت وكالة “رويترز” مقابلات معهم إن جميع جوانب قطاع النفط أصبحت تحت النفوذ المتزايد للحرس الثوري، بدءا من أسطول الظل المكون من ناقلات تنقل النفط الخام الخاضع للعقوبات سرا إلى الخدمات اللوجستية وشركات الواجهة التي تبيع النفط، في الغالب إلى الصين.
وشركات الواجهة هي شركات وهمية تخفي أنشطتها غير القانونية خلف واجهة مشروعة.
يأتي ذلك بعد أن قالت خمسة مصادر مطلعة لرويترز إن شبكة معقدة لتهريب زيت الوقود، يعتقد بعض الخبراء أنها تدر ما بين مليار إلى ثلاثة مليار دولار سنويا لإيران وميليشياتها، ازدهرت في العراق منذ تولى رئيس الوزراء محمد شياع السوداني منصبه في عام 2022.
وتستغل عملية التهريب سياسة حكومية يقوم العراق وفقا لها بتخصيص زيت وقود لمصانع الأسفلت بأسعار مدعومة بشدة، وتشارك فيها مجموعة من الشركات والميليشيات والأفراد في العراق وإيران ودول الخليج، بحسب المصادر الخمسة وثلاثة تقارير مخابراتية غربية يعود تاريخ اثنين منها إلى آب من هذا العام بينما الثالث غير مؤرخ.
وأوضح مصدران أنه بموجب المخطط الذي تتبعه الشبكة، يتم تحويل ما بين 500 ألف إلى 750 ألف طن من زيت الوقود الثقيل، بما في ذلك زيت الوقود عالي الكبريت، وبما يعادل 3.4 مليون إلى خمسة ملايين برميل من النفط، من المحطات كل شهر وتصديرها في الغالب إلى آسيا.
ووفقا للمصادر الخمسة والتقارير الثلاثة فإن ميليشيا عصائب أهل الحق، وهي قوة شبه عسكرية وحزب سياسي كانت من أوائل الداعمين للسوداني ومكونا رئيسيا في الكتلة التي رشحته لمنصب رئيس الوزراء، الطرف المحوري في عملية التهريب.
وتستند النتائج التي خلصت إليها التقارير التي اطلعت عليها رويترز على مجموعة واسعة من المصادر في العراق ودوائره الحكومية دون أن يتم الكشف عنها.
ولم يرد مكتب السوداني ولا ميليشيا عصائب أهل الحق المنضوية في الحشد الشعبي أو زعيمها قيس الخزعلي على أسئلة وجهتها رويترز.
وبدعم من الحرس الثوري الإيراني، جرى دمج عصائب أهل الحق في الأجهزة الأمنية العراقية في عام 2018، ولديها الآن 16 عضوا في البرلمان.
ورغم العقوبات الغربية الصارمة المفروضة لخنق قطاع الطاقة الإيراني، والتي أعاد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب فرضها في 2018، تجني إيران أكثر من 50 مليار دولار سنويا من عوائد النفط، وهي أكبر مصدر لها على الإطلاق للعملة الأجنبية وسبيلها الرئيسي للاتصال بالاقتصاد العالمي.
واستندت ثلاثة تقديرات إلى وثائق مخابراتية عن عمليات الشحن الإيرانية، في حين استمدت تقديرات أخرى أرقامها من مراقبة أنشطة الشحن لناقلات وشركات على صلة بالحرس الثوري. ولم تتمكن رويترز من تحديد المدى الدقيق لسيطرة الحرس الثوري على هذا القطاع.
وتعزز هيمنة الحرس الثوري المتزايدة على قطاع النفط من نفوذه في شتى مناحي الاقتصاد الإيراني، كما تجعل من الصعب على العقوبات الغربية أن تؤثر بشدة على البلاد، نظرا لأن الحرس الثوري مصنف بالفعل منظمة إرهابية من قبل واشنطن.
لكن عودة ترامب إلى البيت الأبيض في كانون الثاني قد تعني فرض عقوبات أكثر صرامة على قطاع النفط الإيراني. وقال وزير النفط جواد أوجي إن طهران تضع تدابير للتعامل مع أي قيود، دون تقديم تفاصيل.
وفي إطار توسعه في القطاع، عزز الحرس الثوري نفوذه في مؤسسات الدولة مثل شركة النفط الوطنية الإيرانية وشركة تجارة النفط التابعة لها، وفقا لأربعة من المصادر.
وقال ريتشارد نيفيو نائب المبعوث الخاص السابق لإيران في وزارة الخارجية الأمريكية إنه عندما فُرضت العقوبات على صادرات النفط الإيرانية قبل سنوات، كان من يديرون شركة النفط الوطنية الإيرانية وقطاع النفط عموما متخصصين في النفط وليس في كيفية التهرب من العقوبات.
وأضاف نيفيو، الذي يعمل الآن باحثا في جامعة كولومبيا “كان رجال الحرس الثوري الإيراني أفضل بكثير في التهريب، ولكنهم كانوا سيئين للغاية في إدارة حقول النفط، لذا بدأوا في توسيع السيطرة على صادرات النفط”.
ولم يستجب الحرس الثوري الإيراني أو شركة النفط الوطنية الإيرانية أو شركة تجارة النفط أو وزارة الخارجية الإيرانية لطلبات التعليق.
والحرس الثوري هو قوة سياسية وعسكرية واقتصادية ذات نفوذ ترتبط بعلاقات وثيقة مع المرشد علي خامنئي.
وبحسب مصدرين غربيين ومصدرين إيرانيين، تمكن خبراء النفط في صفوف الحرس الثوري من مواصلة عملياتهم رغم أن إسرائيل قتلت عددا من كبار قادته على مدار العام الماضي.
ويقول نيفيو إن الحكومة الإيرانية بدأت تخصيص حصص من النفط، بديلا عن المال، للحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس في عام 2013 تقريبا.
وكانت الحكومة تعاني من ضغوط مالية آنذاك نتيجة صعوبات في تصدير النفط نتيجة العقوبات الغربية المفروضة على إيران بسبب برنامجها النووي.
وأضاف نيفيو، الذي كان يتابع الأنشطة النفطية الإيرانية آنذاك، أن الحرس الثوري أثبت قدرته على إيجاد طرق لبيع النفط حتى في ظل العقوبات.
وبلغت عائدات النفط الإيراني 53 مليار دولار في 2023 مقارنة مع 54 مليار دولار في 2022، و37 مليارا في 2021، و16 مليارا في 2020، وفقا لتقديرات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية.
وأظهرت أرقام أوبك أن إنتاج طهران من النفط تجاوز هذا العام 3.3 مليون برميل يوميا، وهو أعلى مستوى منذ عام 2018 على الرغم من العقوبات الغربية.
وقالت جميع المصادر إن الصين هي أكبر مشتر للنفط الإيراني وإن معظم الشحنات تذهب إلى مصاف مستقلة، مشيرة إلى أن الحرس الثوري أنشأ شركات واجهة لتسهيل التجارة مع المشترين هناك.
وقال مصدر مطلع على مبيعات النفط الإيرانية إلى الصين إن عائدات صادرات النفط مقسمة بالتساوي تقريبا بين الحرس الثوري وشركة تجارة النفط الإيرانية.
وأضاف المصدر أن الحرس الثوري يبيع النفط بخصم يتراوح بين دولار ودولارين عن أسعار شركة تجارة النفط نظرا لأن المشترين يواجهون مخاطرة أكبر بالشراء من الحرس الثوري.
وأردف قائلا “يعتمد الأمر على رغبة المشتري في المخاطرة، وتكون المخاطر أعلى مع الحرس الثوري الذي تصنفه الولايات المتحدة منظمة إرهابية”.
وقدر مصدران غربيان أن الحرس الثوري يعرض خصما أكبر يبلغ خمسة دولارات للبرميل في المتوسط، لكنه قد يصل إلى ثمانية دولارات.
وتتولى الحكومة تخصيص حصص النفط مباشرة للحرس الثوري وفيلق القدس. ثم يعود الأمر إليهما في تسويق النفط وشحنه ووضع آلية لإنفاق العوائد، بحسب مصادر ووثائق مخابراتية اطلعت عليها رويترز.
وتحصل شركة النفط الوطنية الإيرانية على تخصيص منفصل.