أخبار الرافدين
21عاما على احتلال العراق: فشل وفساد سياسيتقارير الرافدين

سياسة التجهيل في العراق تكسر هيبة اللغة العربية بيومها العالمي

لغويون وكتّاب عراقيون يجمعون على أن الانحدار التعليمي للغة هو انعكاس لواقع سياسي واجتماعي رث قائم في العراق، ومن دون التقليل من أثر المنصات الرقمية ومواقع التواصل الاجتماعي التي أشاعت ثقافة سطحية.

بغداد- الرافدين

تصاعدت الأسئلة الملحة في العراق عن المصير المخيف لما تعنية اللغة العربية في العراق من عملية تجهيل لغوي متعمد مع الاحتفال بيومها العالمي الذي أعلنته الأمم المتحدة في الثامن عشر من كانون الأول من كل عام.
وأقرّت الجمعية العامة للأمم المتّحدة في عام 1973، قرارًا يقضي باعتماد اللغة العربية كواحدة من اللّغات الرسمية للعمل في الأمم المتّحدة، وصادف تاريخ الإقرار يوم الثامن عشر من كانون الأول، وهو الموعد الذي اعتُبر منذ عام 2012 يومًا سنويًا للاحتفاء باللغة العربية، وقد دأبت مراكز ثقافية في بلدان عربية وأجنبية على تأكيد حضورها من خلاله.
وقال بيان للأمم المتحدة لمناسبة هذه الاحتفالية “تُعد العربية لغة عالمية ذات أهمية ثقافية جمّة، إذ يبلغ عدد الناطقين بها ما يربو عن 450 مليون شخص وهي تتمتع بصفة لغة رسمية في حوالي 25 دولة. ومع ذلك، فإن المحتوى المتاح على شبكة الإنترنت باللغة العربية لا يتجاوز نسبة 3 بالمائة، مما يحدّ من إمكانية انتفاع ملايين الأشخاص به”.
وتجمع فعالية تُقيمها منظمة “يونسكو” بهذه المناسبة صفوة العلماء والخبراء في مجال الذكاء الاصطناعي ورواد الثقافة بغرض استكشاف سُبل سد هذه الفجوة الرقمية عن طريق الذكاء الاصطناعي، وتعزيز حضور اللغة العربية على شبكة الإنترنت، ودعم الابتكار وتشجيع الحفاظ على التراث.
وستُستهَل فعالية عام 2024، بكلمات افتتاحية يُلقيها متحدثون بارزون، تليها جلسات تتمحور حول مواضيع الابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي العربي، والحفاظ على الثقافة واللغة، والتمكين الرقمي. وسيكون مسك الختام عرض للخط المضيء يأسر الأنظار.
بينما تحتفل “اليونسكو” بهذا اليوم، يعكس واقع اللغة العربية في العراق الانهيار التعليمي والإعلامي، عندما تراجعت مفاهيم اللغة إلى أوطأ مرحلة انحدار مرت على تاريخها المعرفي.
ويجمع لغويون وكتّاب عراقيون على أن الانحدار التعليمي للغة هو انعكاس لواقع سياسي واجتماعي رث قائم في العراق منذ عقدين، ومن دون التقليل من أثر المنصات الرقمية ومواقع التواصل الاجتماعي التي أشاعت ثقافة سطحية سائدة كسرت هيبة اللغة باستخدام لهجة ضحلة في المراسلات والتخاطب عبر التطبيقات الإلكترونية.


حارث الأزدي: نشكو اليوم تمردًا جماعيًا ضد اللغة العربية بدأ من حملة الشهادات وليس انتهاء بدرس اللغة العربية في مدارسنا
وانساقت مؤسسات تعليمية وإعلامية إلى تلك الثقافة السطحية السائدة، كما انحدر الخطاب الإعلامي العراقي إلى أوطأ درجات الضحالة باستخدام اللهجة الدارجة وعدم المبالاة باللغة العربية.
وقال حارث الأزدي مسؤول القسم الثقافي في هيئة علماء المسلمين في العراق “نشكو اليوم تمردًا جماعيًا ضد اللغة العربية بدأ من حملة الشهادات وليس انتهاء بدرس اللغة العربية في مدارسنا”.
وأضاف “إذا تحدث شاب بلغة فصيحة يتعرض للتهكم ويوصف بالمتعالي للأسف الشديد، على عكس من يتلفظ بمفردات أجنبية”.
وطالب الأزدي وهو شاعر ولغوي بالعودة الصحيحة إلى اللغة العربية باعتبارها عودة لاستئناف حياة الأمة، وعودة لاستعادة مسؤوليتها، وهي مسؤولية كل عربي ومسلم، فبها لا بغيرها تتحدد معالم الهوية.
وقال الأزدي في تصريح لقناة “الرافدين” إن “اللغة العربية تواجه تحديات العولمة، فلم تهدأ محاولات الاستهداف اللغوي من عصور الاستعمار للوطن العربي، وهي مستمرة بوتيرة متصاعدة وبأساليب جديدة، وباسم العولمة تحاصر اللغة العربية بسيل من المصطلحات الأجنبية والاختصارات السيئة فقيرة المعنى سيئة المبنى”.
وشدد على ضرورة التسلح باللغة العربية وبما يقابل محاصرتها، فهي الهوية ومنها نبتدأ.
وعانت اللغة العربية في العراق من الثقافة السائدة في الخطاب الإعلامي والسياسي الطائفي، عندما روج بلهجة دارجة وركيكة لخرافات تاريخية على حساب سلامة اللغة.
ودفعت المرجعيات والأحزاب الطائفية لنشر كم هائل من الكتب التاريخية الملفقة لإشاعة ثقافة الخلاف، بدلا من الاهتمام بدعم وترسيخ ثقافة الاعتدال والمحافظة على اللغة العربية.
وزاد من تردي واقع اللغة العربية في العراق المجالس والمنابر التي يديرها خطباء يروجون لثقافة شعبية رديئة وخطاب متخلف وركيك، فيما ساهمت مواقع التواصل الاجتماعي المنتشرة بكثافة في العراق في الترويج لهذا الخطاب على حساب اللغة العربية.
وصار الغالبية العظمى من العراقيين، فضلا عن وسائل الاعلام ومنصات السياسيين ورؤساء الأحزاب يروجون لأنفسهم بلهجة دارجة على حساب اللغة العربية.
وانتقل هذا المرض اللغوي الى القنوات الفضائية اذ ساد الحوار والخطاب فيها بلهجة ركيكة خالية من الأفكار والمعاني، على حساب اللغة العربية وسلامتها.
وغابت المؤسسات التعليمية ومجمع اللغة العربية عن دورها في الحفاظ على سلامة اللغة، لحساب مهام لا تهتم بمصير اللغة العربية التي يهدر دمها كل دقيقة في العراق.

غزاي درع الطائي: خريجو أقسام اللغة العربية في الجامعات أنفسهم، أو الكثيرين منهم، لا يجيدون اللغة العربية نحوا وصرفا وإملاء ونطقا، بالمستوى المطلوب
وحذر كتاب عراقيون وأساتذة جامعيون من هدر دم اللغة العربية لحساب اللهجة الدراجة الركيكة في مخاطبات سائدة في العراق على وسائل الاعلام وفي أدبيات المسؤولين والأساتذة الجامعية في ظاهرة لم يشهدها العراق من قبل.
وطالب الشاعر العراقي غزاي درع الطائي بترصين أسس تعليم اللغة العربية في كل مراحلها، ولا بد من إعادة النظر في المناهج التعليمية وفي طرائق تدريس اللغة العربية ابتداء بالروضة وليس انتهاء بمرحلة الدراسات العليا، من أجل تحبيب اللغة العربية للمتعلمين والكشف عن جمالياتها، والسعي إلى تذوقها والتعرف على آدابها وفنونها وبلاغتها وأساليب القول فيها.
وعبر الطائي الذي يعد من بين أهم شعراء جيل السبعينات في العراق وأصدر أكثر من مجموعة شعرية عن أسفه لأن خريجي أقسام اللغة العربية في الجامعات أنفسهم، أو الكثيرين منهم، لا يجيدون اللغة العربية نحوا وصرفا وإملاء ونطقا، بالمستوى المطلوب”.
وقال “إننا نحتفل باللغة العربية لمدة يوم واحد في العام، ولكن علينا أن نعمل من أجلها كل يوم. ولا أقول في اليوم العالمي للغة العربية: قفوا نبكِ، ولا أطلب من الشعراء أن يكتبوا مرثياتهم للسان العربي، ولا أركب مركب التشاؤم وأنا أنظر إلى واقع لا يسر الناظرين، وأنا أعرف، أعرف تماما، أن اليد الواحدة لا تصفق، ولكنني أعرف في المقابل أن اليد الواحدة قادرة على أن تقوم بأعمال كثيرة، وأقف لأقول: إن اللغة العربية كانت وما زالت، عبر أدوارها التاريخية المختلفة، حلقة وصل وتواصل، ووسيلة حوار، وراية سلام، وأداةَ استحداثٍ وتحديث للمعارف والعلوم ونقلها وتناقلها، ومرآة للشعر والأدب وللثقافة بكل أصولها وفروعها، وركيزة مشتركة بين أبناء الأمة في السراء والضراء؛ إنها اللغة التي امتدت من أطراف الصين إلى سواحل الأطلسي، وتميزت بحروفها وحركاتها وألفاظها وتراكيبها وأصواتها ونحوها وصرفها وإملائها وبلاغتها وتفردت بأساليبها المتنوعة، وكانت لغة للحياة كلها بما فيها من فكر وعلم وأدب وفن وثقافة وحضارة، ونزل بها القرآن الكريم فكُتب لها الحفظ بحفظه، ومع الحفظ كُتب لها الخلود والسمو والرفعة”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى