أخبار الرافدين
تقارير الرافدين

العواصف الترابية انعكاس واضح للإهمال البيئي في العراق

تجدد عاصفة غبارية أدت إلى آلاف حالات الاختناق في المدن العراقية ووزير البيئة هه لو مصطفى العسكري يقر بصعوبة التخلص من التلوث البيئي في بغداد والمدن الأخرى.

بغداد ــ الرافدين
حذرت منظمات محلية ودولية معنية بالبيئة من استمرار العواصف الترابية التي تضرب العراق بشكل متكرر، والتي أدت إلى تسجيل آلاف حالات الاختناق بين المواطنين، وسط عجز واضح من قبل الجهات الحكومية عن معالجة المشكلة وتوفير الحلول المستدامة.
وتأتي هذه التحذيرات بعد موجة غبارية شديدة شهدتها البلاد خلال الأيام الأخيرة، حيث أعلنت وزارة الصحة تسجيل أكثر من 2500 حالة اختناق، بينما أفادت مصادر طبية بتسجيل عشرات الحالات الأخرى في محافظات صلاح الدين وديالى والأنبار ونينوى.
وتوقع مرصد العراق الأخضر، هبوب المزيد من العواصف الترابية مما يزيد من معاناة المواطنين والبيئة على حد سواء.
وأوضح عضو المرصد عمر عبد اللطيف، أن العواصف الأخيرة تعكس حالة الجفاف الكبيرة التي تعاني منها مناطق واسعة من العراق والدول المجاورة، نتيجة قلة الغطاء النباتي وشح المياه.
وأضاف “من النادر أن يشهد فصل الشتاء عواصف ترابية بهذا الشكل، مما يشير إلى تفاقم الأزمة البيئية”.
وأكد أن “الحلول البطيئة من قبل الجهات المسؤولة وغياب الخطط الفعالة لمعالجة نقص الغطاء الأخضر هي الأسباب الرئيسية وراء زيادة هذه الظاهرة، التي من المتوقع أن تتفاقم في المستقبل.
وعلى الرغم من تزايد المطالب الشعبية بإيجاد حلول جذرية للمشاكل البيئية، أقر وزير البيئة هه لو مصطفى العسكري بصعوبة التخلص من التلوث البيئي في بغداد والمدن الأخرى.
وقال العسكري إن هذه ليست ظاهرة بسيطة وتحتاج إلى دراسات معمقة، مدعيًا إلى أن لجانًا متخصصة تعمل على فحص عينات لمعالجة التلوث.
ولم تلق تصريحات وزير البيئة استحسانًا لدى الكثير من المواطنين والخبراء، الذين يرون أن الإجراءات الحكومية ما زالت متواضعة مقارنة بحجم التحديات.
فيما أشارت مصادر إلى أن الضبابية في أجواء العراق تعود إلى قلة الغطاء النباتي فضلًا عن عمليات الطمر الصحي وعدم معالجة الانبعاثات الغازية الناتجة عن حرق النفايات الخارجة عن السيطرة.

عمر عبد اللطيف: الحلول البطيئة من قبل الحكومة وغياب الخطط لمعالجة نقص الغطاء الأخضر هي أسباب رئيسية لزيادة العواصف الترابية

ويرى الخبير البيئي الدكتور سامي الكعبي أن العراق بحاجة ماسة إلى برنامج وطني لتشجير المناطق المتضررة وزيادة الغطاء النباتي في المدن والأرياف. وأشار إلى أن مثل هذه البرامج يمكن أن تساهم بشكل كبير في تقليل تأثير العواصف الترابية.
وأضاف أن التحديات كبيرة لكنها ليست مستحيلة إذا تم تخصيص الموارد اللازمة لمعالجتها.
وقال أستاذ التلوث البيئي في الجامعة المستنصرية في بغداد إياد عبد المحسن إن الكارثة آتية لا محالة، والعراقيون جميعهم سيعانون من آثارها، مالم تسارع الجهات الحكومية إلى فعل شيء.
وطالب بتأسيس صندوقًا ماليًا أو هيئة علمية لإدارة الكوارث، كما اقترح تنفيذ برنامج تشجير يمتد من نينوى إلى البصرة على أن تتولى إدارة كل محافظة قطاعها المحدد فقط.
وأضاف أن بيئة العراق تتعرض لخطر كبير وهائل ما لم تسارع الجهات الحكومية بمعالجة الأمر، مشيرا إلى أن الكارثة واضحة للجميع الآن وستتفاقم طالما لا تواجه بحل علمي وسريع.
وفي السياق ذاته، طالبت منظمات دولية حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني بتبني خطط مستدامة لمواجهة التصحر والجفاف، الذي يعد من العوامل الرئيسية وراء العواصف الترابية.
وأشارت تقارير بيئة إلى أن العراق يخسر آلاف الدونمات من الأراضي الزراعية سنويًا بسبب التغيرات المناخية وسوء إدارة الموارد.
وقال موقع “ميدل إيست آي” البريطاني، إن العواصف الترابية التي اجتاحت العراق تنذر بمستقبل مقلق للبلد وبقية المنطقة.
وأضاف أن الظاهرة تفاقمت بسبب تغير المناخ، إلا أنها أصبحت أكثر حدة بسبب السياسات السيئة لإدارة المياه والمساحات الخضراء منذ عام 2003.
وبين الموقع أن الانهيار البيئي في العراق سيؤدي إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي والمائي، ما يزيد من تقويض حالة الأمن القومي غير المستقرة في البلاد.
وسبق أن حذرت منظمة الصحة العالمية من خطورة استمرار تلوث الهواء في العراق، مؤكدة أن التعرض المتكرر لجسيمات الغبار قد يؤدي إلى مشاكل صحية خطيرة تشمل أمراض الجهاز التنفسي والقلب.
وأصبحت العواصف الترابية في العراق أكثر من مجرد ظاهرة طبيعية، فهي أزمة بيئية وإنسانية تهدد صحة المواطنين واستدامة البيئة.
ومع تسجيل حالات الاختناق واستمرار تدهور الوضع البيئي، تتزايد الحاجة إلى إجراءات عاجلة لمواجهة جذور المشكلة، من خلال تعزيز الغطاء النباتي وإدارة الموارد الطبيعية بحكمة، وإلا فإن العراق سيظل يعاني من كوارث بيئية تهدد حياة الأجيال القادمة.

العواصف الترابية تعري هشاشة الاستعدادات البيئية في العراق
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى