السوداني يرفض حل “الحشد الشعبي” في رسائل واهنة لا تصل خارج المنطقة الخضراء
صحيفة "كيهان" اليومية التي تعكس آراء المرشد علي خامنئي تعترف أن الشعور العميق بالألم الذي يشعر به المرء لفقدان إمبراطورية قاسم سليمان في سوريا ولبنان والعراق يشبه ما شعر به العالم الإسلامي بعد خسارة الأندلس!
بغداد- الرافدين
قللت مصادر دبلوماسية غربية من قيمة تصريح رئيس حكومة الإطار التنسيقي محمد شياع السوداني بإنه “يرفض القبول بأي إملاءات أو ضغوط من الخارج لحل الحشد الشعبي”، بذريعة أنها مؤسسة رسمية صدرت بقانون عام 2014 حظي بمصادقة البرلمان.
وأكدت على أن تصريح السوداني لا يتعدى المنطقة الخضراء والقناة الفضائية الناطقة باسم الحكومة، وأن السوداني نفسه “أنصاع” لتحذيرات وزير الخارجية الأمريكي انتوني بلينكن في زيارته على بغداد الأسبوع الماضي، بشأن تفكيك الميليشيات وسيطرة الحكومة على سلاحها.
وتحول تصريح السوداني للتلفزيون الحكومي بقوله “من غير المقبول توجيه شروط وإملاءات إلى العراق، ولا توجد أي شروط لحل الحشد الشعبي”، إلى موضوع تندر سياسي، بالتزامن مع الجدل الذي أثارته زيارتين قام بهما ممثل الأمم المتحدة في العراق، محمد الحسان، التقى في الأول المرجع علي السيستاني وفي الثانية ابنه محمد رضا.
وأثيرت أحاديث بشأن نقل الحسان رسائل دولية متعلقة بحل ميليشيات الحشد، لأن السيستاني من أمر بتشكيله في “فتوى الجهاد الكفائي”.
وزاد من تأكيد وجود هذه الرسائل بأن الحسان التقى بعدها رئيس الحكومة محمد شياع السوداني ومن ثم سافر إلى إيران المسيطرة على غالبية الميليشيات الولائية المنضوية في الحشد الشعبي.
وكان وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن قد حث رئيس الحكومة في بغداد محمد شياع السوداني في زيارة مفاجئة على اتخاذ إجراءات صارمة ضد الميليشيات الولائية المسلحة المدعومة من إيران، مشيرا إلى أن سقوط الرئيس السوري بشار الأسد جعل طهران في موقف دفاعي.
ونقلت وكالة “بلومبيرغ” عن مسؤول أمريكي رافق بلينكن في زيارته غير المعلنة إلى بغداد، تأكيده بأن واشنطن لن تسمح للميليشيات الولائية باستغلال الوضع الهش في سوريا.
وطلب بلينكن من السوداني منع نقل الأسلحة الإيرانية عبر الأراضي العراقية إلى أي جماعات تشكل أذرعا لطهران في سوريا أو حزب الله في لبنان.
والحكومة الحالية محسوبة على “الإطار التنسيقي”، وهو تحالف يتمتع بغالبية برلمانية ومؤلف من أحزاب موالية لإيران وممثلين للميليشيات المنضوية في الحشد الشعبي. إلا أن رئيسها محمد شياع السوداني يحافظ على علاقات جيدة مع الولايات المتحدة.
فيما نقل موقع “بريكينج ديفنس” عن علي باكير الباحث في معهد “المجلس الأطلسي” الأمريكي، والأستاذ في جامعة قطر قوله إنها “مسألة وقت فقط قبل أن يتضاءل نفوذ حزب الله، حتى داخليا في لبنان، وأن طهران قد تصبح مجبرة على التكيف مع الواقع الجديد وتصبح أكثر واقعية، أو أنها قد تسعى إلى محاولة التخريب إذا استطاعت، أو قد تختار شراء الوقت، وإعادة بناء موقعها الإقليمي، والمناورة حتى انتهاء ولاية دونالد ترامب، وعندها يمكن أن يعودوا بإستراتيجية إقليمية جديدة.
والحشد الشعبي مكون من ميليشيات طائفية شكلت بدعم وتدريب فيلق القدس الإيراني وتعلن غالبية تلك الميليشيات ولائها المطلق للمرشد الإيراني علي خامنئي.
وارتكبت ميليشيات الحشد جرائم قتل على الهوية في العراق ومجازر موثقة بحق المدنيين بذريعة قتال تنظيم “داعش” في المدن العراقية.
ويصنف العراق ضمن الدول الأعلى في عدد المختفين قسرًا، إذ غيبت الميليشيات والقوات الأمنية مئات الآلاف من المدنيين بدوافع طائفية وانتقامية وفقا لتقارير دولية.
وتقدر اللجنة الدولية للصليب الأحمر الدولي عدد المغيبين في العراق منذ عام 2016 إلى 2020 بين 250 ألفًا ومليون شخص، ولا يُعرف على وجه الدقّة عدد العراقيين المغيّبين والمختفين قسراً منذ عام 2003.
وأكد لجان الأمم المتحدة أن جزءاً كبيرًا من عمليات التغييب قامت بها ميليشيات الحشد.

رئيس المخابرات البريطانية السابق MI6 جون ساورز: إن ما يحصل اليوم بداية الفصل الأخير لمحور إيران في المنطقة
ونفذت ميليشيات الحشد توجهات إيران وقاتلت في سوريا للدفاع عن نظام بشار الأسد.
ومثل سقوط نظام الأسد في سوريا أكبر الهزائم للمشروع الإيراني في المنطقة الممتد من العراق حتى سوريا ولبنان.
واعترفت صحيفة «كيهان» اليومية التي تعكس آراء المرشد علي خامنئي تعترف أن الشعور العميق بالألم الذي يشعر به المرء لفقدان إمبراطورية قاسم سليمان في سوريا ولبنان والعراق يشبه ما شعر به العالم الإسلامي بعد خسارة الأندلس!
وأشرف سليماني الذي قتل في غارة أمريكية قرب مطار بغداد مع نائب رئيس هيئة الحشد أبو مهدي المهندس، على التخطيط والتدريب لميليشيات الحشد في العراق وسوريا فضلا عن حزب الله اللبناني.
ويجمع سياسيون دوليون على أن المعركة القادمة بعد سقوط نظام الأسد في سوريا وكسر حزب الله في إيران ستكون نهاية الميليشيات الولائية في العراق.
وكتب سيمون تيسدال معلق الشؤون الخارجية في صحيفة الأوبزرفر “لقد أصيبت القيادة في إيران بالذهول إلى حد يكاد يكون مضحكاً بسبب الإطاحة المفاجئة بالأسد. ولكن المرشد الإيراني علي خامنئي، الذي لا يتعلم شيئاً أبداً، لن يتخلى عن محور المقاومة”.
وأضاف “إذا لم تتمكن من القيام بذلك علناً، فسوف تعمل طهران وميليشياتها سراً داخل سوريا وعبرها، بما في ذلك إعادة تسليح حزب الله”.
وقال رئيس المخابرات البريطانية السابق MI6 جون ساورز، إن ما يحصل اليوم بداية الفصل الأخير لمحور إيران في المنطقة.
وكتب ساورز في مقال بصحيفة “فايننشيال تايمز” “يبدو أن إيران أصبحت مذعورة، وتفتقر إلى الإرادة والقدرة العسكرية اللازمة للرد، وغير مستعدة للمجازفة بعدم الاستقرار في الداخل بينما تدخل مرحلة انتقالية غير مؤكدة”.
وسبق أن قال كريستوفر فيليبس أستاذ العلاقات الدولية في جامعة “كوين ماري” في لندن، إن العراق في لب منطقة الشرق الأوسط كواحد من أكثر المناطق اضطرابًا في العالم، حيث تتشابك في المنطقة الأزمات والصراعات التي تتجاوز الحدود الوطنية لتشكل لوحة معقدة من النزاعات.
وأضاف الباحث الذي سبق أن أصدر مجموعة كتب من بينها “ساحة المعركة: عشرة صراعات تشرح الشرق الأوسط الجديد” و”المعركة من أجل سوريا: التنافس الدولي في الشرق الأوسط الجديد” أن الحرب المنسية في العراق يديرها الحشد الشعبي التي تنضوي تحته ميليشيات تدين بالولاء لإيران.
وأكد فيليبس في دراسة نشرها المعهد الملكي للشؤون الدولية البريطاني “تشاتام هاوس” على أن العراق لا يزال هشًا، وغالبًا ما تزداد حالته سوءا بسبب القضايا المتعلقة بمستقبل ميليشيات الحشد الشعبي الموالية لإيران في السياسة والمجتمع.
وحذر من تجاهل هذه الصراعات التي تقف خلفها ميليشيات موالية لإيران يمكن أن يؤدي إلى انفجارات جديدة للعنف ويعزز حالة عدم الاستقرار.
وقال الباحث البريطاني الحاصل على الدكتوراة في العلاقات الدولية، والزميل ببرنامج الشرق الوسط وشمال أفريقيا بمعهد “تشاتام هاوس”، إن الحوثيين في اليمن مثل ميليشيات الحشد الشعبي في العراق يعبرون عن ولائهم إلى إيران ويؤكدون بأن الصراع هناك لم يحل بعد.
وغالبًا ما يتم تحريف حقيقة أن الحشد لا يشكل أي تهديد عسكري للعراق، لا سيما مع مضاعفة قواته إلى حوالي 240 ألف عنصر وزيادة مماثلة في ميزانيته. ولكن، كما هو الحال مع حزب الله في لبنان، أصبحت قوات الحشد الشعبي ماهرة للغاية في التلاعب في أروقة السلطة لاحتكار المناصب السياسية والقضائية والاقتصادية والإدارية.
وخلص فيليبس في دراسته إلى أنه يجب على المجتمع الدولي أن يأخذ هذه الدروس بعين الاعتبار، وأن يكون حذرًا من الحروب المنسية الأخرى في الشرق الأوسط ومن بينها العراق قبل أن تنفجر هي أيضا.
