أخبار الرافدين
21عاما على احتلال العراق: فشل وفساد سياسيالثورة السورية: استعادة وطن من مختطفيهتقارير الرافدينعربية

القسم السياسي في هيئة علماء المسلمين في العراق: يمكن أن يغدو الشعب العراقي أداة تفرض نفسها بتحرك يفاجئ الجميع بعد نجاح الثورة السورية

قراء تحليلية للقسم السياسي في هيئة علماء المسلمين في العراق تؤكد على أن الثقل الإيراني في المنطقة أمسى في حالة الغثاء غير المؤثر، ولا سيّما وأن قادة الثورة السورية قد صرّحوا علانية بأن إسقاط النظام وانتصار الثورة قد أعادا المشروع الإيراني أربعين سنة إلى الوراء.

عمان- الرافدين
قال القسم السياسي في هيئة علماء المسلمين في العراق تفرض الأحداث بعد الثورة السورية على نظام بشار الأسد نفسها في المشهد لتعطي انطباعًا للجميع بأن الأمور أخذت منحًى لا يخدم الهوى الإيراني في الساحة العراقية، رغم أن الصراع الحاصل في الظاهر بين الطرفين (الأمريكي-الإيراني) لا يتناقض مع التخادم بينهما؛ لأنه في الأصل صراع نفوذ لا صراع وجود.
وأكد القسم السياسي في قراءة تحليلية لمشهد تطورات الأحداث في الساحة العراقية عقب انتصار الثورة السورية، على أن السيناريوهات المفترضة للمرحلة القادمة وإن كانت متعددة وربما ذات مفاجآت لكثير ممن لا يدرك حقيقة ما يجري في العراق؛ لكنها بعد انتصار الثورة السورية كشفت عن بعض ملامحها؛ ومنها عودة إيران إلى حالتها الأولى التي كانت عليها في سنوات الاحتلال الأولى حين منحها الاحتلال فرصة لتجعل من العراق خط دفاعها الأول صوب المنطقة.
وجاء في القراءة:

أولًا: المعطيات:

1- نقلت وكالة (بلومبيرغ) بتاريخ (13/12/2024) عمّن وصفته بمسؤول أمريكي قوله إن وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن أبلغ السوداني حين زار بغداد في إطار جولة أجراها في المنطقة بعد سقوط نظام الأسد؛ بجملة من الأمور، منها:
– ضرورة أن ينتهز السوداني فرصة الضعف التي تعيشها إيران لخروج حكومته من محورها.
– حث بلينكن السوداني على اتخاذ إجراءات صارمة ضد الميليشيات الولائية المسلحة المدعومة من إيران؛ لأن سقوط بشار الأسد جعل طهران في موقف دفاعي.
– المسؤول الأمريكي الذي رافق بلينكن في زيارته لبغداد، أكّد على: أن واشنطن لن تسمح للميليشيات الولائية باستغلال الوضع الهش في سوريا.
– طلب بلينكن من السوداني منع نقل الأسلحة الإيرانية عبر الأراضي العراقية إلى أي جماعات تشكل أذرعًا لطهران في سوريا أو حزب الله في لبنان.
2- مما هو متداول في الأوساط الصحفية -بناءًا على قراءات وتحليلات ظنية-:
– أن الولايات المتحدة أرسلت رسائل لحكومة بغداد بواسطة ممثل الأمين العام للأمم المتحدة محمد الحسان تطالب بحل الحشد الشعبي، ودمجه كليًا في القوات المسلحة بهدف إنهاء عمل ما تسمى “فصائل المقاومة”.
– أمام العراق خيارات حساسة و مهمة في 2025 تحدد مسار البلد ومستقبله.

ثانيًا: القراءة والتحليل:

تتضح معالم المشهد العراقي عقب انتصار الثورة السورية، من طريقة تعامل النظام السياسي في بغداد ورموزه مع الحالة السورية، وردود أفعالهم على مجريات عملية ردع العدوان تارة وما ناقضها من مواقف عقب انتصار الثورة.
1- في أول الأمر؛ خرجت التصريحات الرسمية على لسان المتحدث باسم السوداني الموصوف بأنه (القائد العام للقوات المسلحة) بعد تاريخ 2/12/ 2024 وقال بالحرف الواحد: إن الفصائل -ويعني بهم الميليشيات- لها الحق في الذهاب إلى سوريا والدفاع عن نظام الأسد، وإن السلطة الحكومية في بغداد ليس لها أن تمنعهم أو تحول دون ذهابهم.. لأنهم “مقاومة”!.
ثم خرج رأس هرم الإطار التنسيقي نوري المالكي وهو متخم بالطائفية متحدثًا عن وجوب حماية نظام الأسد، وقال: إن سقوط هذا النظام يعني أزمة في المنطقة، وإن من أسماها “المقاومة” لن تسمح بذلك.. هكذا قال متناسيًا أنه حينما كان رئيسًا لحكومة الاحتلال الرابعة طالب الأمم المتحدة بإقامة محكمة دولية لإدانة النظام السوري بعد أن اتهمه بالإسهام في التفجيرات التي يشهدها العراق آنذاك، وذلك على خلفية ما عُرف في وقتها بالأربعاء الدامي في بغداد في شهر أيلول 2009. هذا كله حصل في الأيام الأولى من معارك ردع العدوان.
2- لما ذهبت السكرة وجاءت الفكرة، وهوى صنم نظام الأسد، وهربت الميليشيات العراقية منها والإيرانية متخلية عن شعارات المقاومة المزعومة، وتزاحم جنود جيش النظام على الحدود العراقية وهم يبحثون عن مكان للجوء؛ تبدلت موجة التصريحات فورًا، وتسابق السياسيون -المسؤولون منهم على أعلى المستويات وغيرُ المسؤولين- ليصرحوا بأنهم يقفون إلى جانب الشعب السوري ويدعمون وحدته ويرون شرعية مطالبه في الحرية والخلاص من النظام! وعلى أهمية احترام إرادة الشعب السوري في تقرير مستقبله! وما إلى ذلك من تصريحات يُراد منها تصدير مواقف مؤيدة للثورة السورية على مضض، فقط لأن
زد على ذلك التصريحات ذات النمط الوقائي أو الاحترازي التي تهافت المسؤولون في حكومة الاحتلال التاسعة إلى تبنّيها، ومن قبيل ذلك ما جاء على لسان من يوصف بأنه “مستشار رئيس الوزراء” الذي تحدّث عن “ضرورة تفكيك سلاح الفصائل (يعني الميليشيات)، والعمل على جعلها تنخرط في العملية السياسية”، وسبب ذلك كما قال: “إن العراق لم يعد مؤهلًا ليكون نصل محور المقاومة، بعد سقوط نظام الأسد وانكفاء حزب الله”!.
وهذا مما لا تخفى خطورته على المشهد العراقي وتداعياته السياسية والأمنية وما يتعلق بها، وفي الوقت نفسه لا يزيد من قناعاتنا تجاه سياسة التخادم إلا رسوخًا، وأنها ما زالت حاجة ضرورية لكلا طرفي التخادم -إلى حين-؛ فإن من المعلوم في العراق أن انخراط أي جماعة أو أشخاص أو مكونات في العملية السياسية يعني أنها تحظى برضى أمريكي يتوافق مع تزكية إيرانية، وحين تتحول الميليشيات رغم إرهابها الذي امتد إقليميًا إلى كتل سياسية وتُمنح بسبب ذلك امتيازات ومواقع في صنع القرار السياسي والأمني في قالب (قانوني)؛ فإن لعبة الاحتواء تعد حكمًا بالبراءة على هذه الميليشيات الطائفية الوالغة في دماء العراقيين والسوريين وغيرهم، وعندما يتأمل محلل الحالة العراقية كيف أن الولايات المتحدة وإيران تتوافقان –على مدى عقدين- على تجريم المقاومة العراقية الحقيقية، والقوى المناهضة للاحتلال ووصمها بـ(الإرهاب)، ومن ثم التضييق عليها في جميع مناحي الحياة، وعدم السماح بأي شكل من “المصالحة” معها ولو على سبيل الادعاء وبغض النظر عن موقفنا منها؛ تتجلى حقيقة الأمور وتتضح مقاصدها.


الماضي القريب يدين السوداني وميليشيات الحشد الشعبي
3- ما تقدم نبذة من المواقف المتناقضة التي تزامنت مع اختفاء تام لعدد من زعماء الميليشيات وقادتها فجأة عن الساحة، بعدما كانت أصواتهم عالية منذ أسابيع يتذرعون بالمقاومة ومحورها، إلى درجة بدا المشهد العراقي فارغًا وعلى غير هدىً، مما اضطر رئيس حكومة الاحتلال التاسعة إلى محاولة الاستقطاب الطائفي ليثير أزمة تغطي على فوضى مـحاولة تـرتيب أوراق الـميـليشـيـات وسدنة المشروع الإيراني في العراق على وفق الرغبة الأمريكية، حينما صرح بأن أي مساس بـ”المقامات الدينية” في سوريا سيكون له ارتداد على العراق، وهذا بلا شك تهديد واضح وصريح، على الرغم من أن مواقف قوى الثورة السورية أظهرت نجاعة وطنية في هذا الصدد.
4- تفرض الأحداث نفسها في المشهد لتعطي انطباعًا للجميع بأن الأمور أخذت منحًى لا يخدم الهوى الإيراني في الساحة العراقية، رغم أن الصراع الحاصل في الظاهر بين الطرفين (الأمريكي-الإيراني) لا يتناقض مع التخادم بينهما؛ لأنه في الأصل صراع نفوذ لا صراع وجود، ولكن اقتضت المرحلة الحالية -ما بين طوفان الأقصى وردع العدوان – أن تفرض واشنطن على طهران مكابح قسرية، لم يشفع للمحور الإيراني وأذرعه التزامه بالعمل وفق قواعد الاشتباك؛ للنجاة منها، وظهرت نتائج ذلك سريعة جدًا في ما جرى لـ(حزب الله) أولًا، ولنظام بشار الأسد ثانيًا، بينما بقيت الكرة في الساحة العراقية التي تريد الولايات المتحدة المحافظة عليها وهي خاضعة لمشروعها الذي بدأ بالاحتلال سنة 2003، وفي الوقت نفسه تعمل -ما أمكنها- على إبقاء البصمة الإيرانية فيه؛ حيث لا يبدو أن لواشنطن نية -في هذا الوقت- لتغيير مشروعها بالكامل؛ إذ ستظهر حينها بمظهر المنقلب على نفسه، والمفسد لما كان يدعى بـ(الديمقراطية) في العراق التي أريد لها أن تكون مثالًا مشعًا في المنطقة؟! فكانت وبالًا جرَّ الخراب لعدة عواصم عربية.
فضلًا عن ذلك التبعات المعقدة لأي عملية تغيير سريعة وواسعة في العراق؛ بحكم اختلاف وضعه وطبيعته عن الساحة السورية، ووجود واقع سياسي محمي دوليًا وإقليميًا حتى الآن، زد على ذلك عن الجوار الإيراني الصعب وامتداداته في عمق الساحة العراقية، أمنيًا وعسكريًا، وغير ذلك.
– 5 قد ترغب واشنطن في تحجيم حصة المحور الإيراني في سياسة التخادم في ضمن الساحة العراقية إلى المستوى الذي كانت عليه في سنوات الاحتلال الأولى؛ دون إحداث تغيير جذري في النظام السياسي في بغداد؛ بناءً على ما هو مقرر ومعلوم في الحالة العراقية خاصة والمنطقة بشكل عام؛ من أن الـولايات المتحدة ما تزال بحاجة إلى إيران، وأن إيران ما تزال بـحاجـة إلى الـولايـات المتحدة؛ لأن مشروع كل منهما يحتاج إلى معونة الآخر، ولا سيما في ما تبقى من صفحات غير مغلقة حتى الآن.
6- السيناريوهات المفترضة للمرحلة القادمة وإن كانت متعددة وربما ذات مفاجآت لكثير ممن لا يدرك حقيقة ما يجري في العراق؛ لكنها بعد انتصار الثورة السورية كشفت عن بعض ملامحها؛ ومنها عودة إيران إلى حالتها الأولى التي كانت عليها في سنوات الاحتلال الأولى حين منحها الاحتلال فرصة لتجعل من العراق خط دفاعها الأول صوب المنطقة، ولما تعمق التخادم وتحول النفوذ الإيراني إلى تغوّل ثم احتلال -في ظل تراجع وانسحاب عربي وإقليمي غير مبرر-؛ فصار العراق عمقًا إستراتيجيًا لإيران، استطاعت عن طريقه السيطرة على أربع عواصم عربية، واليوم وبعد انتصار الثورة السورية، يبدو أن رغبة الولايات المتحدة في أن تعيد إيران إلى خطها الأول هي السائدة وهذا ما يجعل القلق والمخاوف من مآلات هذا الوضع هو المتحكم في أدوات إيران في العراق التي ربما تلجأ طهران إلى الموافقة على استبدالها بأخرى تتماشى مع الوضع الجديد، وعلى وفق ما اعتاد العراقيون عليه من تغيير الوجوه مع بقاء القالب على ما هو عليه، إلى حين قد يقصر وقد يطول بحسب ما تمليه المصلحة الأمريكية؛ ولا سيما أن الحالة العراقية تعاني من متلازمة انعدام السيادة، وفقدان أهلية منظومة الحكم القادرة على التحكم في المشهد أو التحرر من قيود التبعية.
مع الأخذ بالحسبان بأن هناك متغيرات تفصيلية على الأرض، يمكن أن تؤثر على سير إدارة المصالح المتقاطعة في المنطقة، وبما يفرض معادلات جديدة -غير محسوبة- عند مقتربات أي متغير إقليمي أو دولي.
7- من المهم ألا يغفل الراصد للشأن العراقي عن الرقم الأصعب في المعادلة؛ وهو الشعب العراقي ومؤهلاته للقيام بحراك جماهيري وشعبي مؤثر، استثمارًا لحالة الاضطراب التي ألمَّت بالنظام السياسي وسعيه نحو تفريغ كامل جهده في لملمة أوراقه والبحث عن مخارج آمنة في هذه المرحلة.
إن تجارب العراقيين في هذا الإطار كثيرة ومتدرجة في حجمها زمانيًا، وهي وإن كانت محدودة التأثير في السنوات الماضية؛ لكنها تشجع اليوم على أن يكون للشعب العراقي خيار مفاجئ لا يبدو أن اللاعبين في المشهد يضعونه في الحسبان. ومع رؤية كليّة منضبطة البوصلة ومشروع عمل جمعي ذي بعد وطني؛ يمكن أن يغدو الشعب العراقي أداة تفرض نفسها على الواقع بتحرك يفاجئ الجميع، ومع الأخذ بالحسبان ممارسات حكومات الاحتلال المتعاقبة وتداعياتها الكارثية على واقعهم وحيواتهم ومقدراتهم؛ فإن غليان المجتمع العراقي تجاه من خدعه، وسرق ثرواته، وعمل على تمزيق نسيجه، والعبث بثقافته، ومصادرة حقوقه، وحظر حريّاته، والزج بأبنائه في غياهب المعتقلات؛ كفيل بأن يحيل مشاعر الغضب إلى فعل ميداني مؤثر.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى