إيران تجدد التخادم مع أمريكا في سوريا
تعود إيران لتجديد تخادمها مع الإستراتيجية الأمريكية في سوريا. التحول من التأكيد على وحدة الأراضي السوريا، إلى لعب دور تفتيتي للمجتمع والعمل على منع السلطات الجديدة من بسط السيادة الكاملة على الأرض السوريا، ليس إلا تخادما مع الإستراتيجية الأمريكية.
لقد بدى الموقف الإيراني مضطربا من عملية التغيير التي بدأت في العالم العربي في عام 2011.
في البداية كان الموقف مؤيدا للتغيير، ومن بعد تحول إلى رافض ومواجه بقوة القتل الطائفي. وهو تحول الآن إلى نمط الثورة المضادة. وكلها تحولات ارتبطت بالتخادم مع الإستراتيجية الأمريكية والصهيونية بطبيعة الحال.
في بداية التغيير، أطنب خامنئي في امتداح التغيير. وحين ظهر البعد الإسلامي المسيطر على التغيير، اتخذت إيران وضعية المقاتل الطائفي، وهو ما تجلى في الوقوف بوجه التغيير في سوريا ما بعد 2011. وفي مواجهة ثورة تشرين في العراق 2019. والآن تشهد أحداث التغيير الأخيرة في سوريا على تحول إيران إلى نمط الثورة المضادة. لقد تحولت التصريحات الإيرانية إلى التهديد والوعيد والدعوة إلى إذكاء الطائفية والتنديد بالدور التركي. وهو ما ظهر جليا في تصريحات خامنئي ووزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي.
في كل تلك التغييرات كان الموقف الإيراني في موقع التخادم مع الإستراتيجية الأمريكية.
تصورت إيران أن امريكا تقف وراء التغيير في العالم العربي فأيدته. ورأت فيه فرصة لتحقيق التوغل داخل المجتمعات العربية، وحين تأكد المسؤولون الإيرانيون أن أمريكا لا تؤيد التغيير، بل تحاول الالتفاف عليه، واستثمار أحداثه لتوجيه ضربة إجهاضية لتنامي دور الحركات الاسلامية، وأن أوباما يظهر غير ما يبطن، وأن التغيير سيكنس الدور الإيراني في الإقليم، تحولت طهران إلى موقف الرافض والمقاتل الطائفي ضد التغيير.
واليوم تعود إيران إلى سوريا لكن من بوابة الثورة المضادة. وهو ما يجري أيضا ضمن حالة التخادم مع الخطة الأمريكية، التي ظهرت جلية في محاولة تقسيم سوريا ومنع الحكم الجديد من بسط سيادة الدولة على كامل الأرض السورية، ومنع المجتمع من التجاوب مع دعوات إنهاء التقاتل الطائفي التي خلفها الدعم الإيراني للأسد.
في النظر للوضع الراهن في سوريا، فإن أهم التحديات التي يواجهها الحكم الجديد هي معركة السيادة، التي بدون تحقيق النصر فيها تظل سوريا في نفس مربع اللعبة التي اعتمدها الأسد حين استدعى القوات الدولية والاقليمية إلى أرض سوريا ليلعب على تناقضات مصالحها وإستراتيجياتها حتى يظل في سدة الحكم.
والمحور الأساسي في معركة السيادة، يجري في شرق سوريا ضد الميليشيات الكردية الواقعة تحت حماية قوات الاحتلال الأمريكية، وهو يجري مرتبطا مع التوغل الصهيوني في الجنوب.
ما يجري أمريكيا هو تثبيت التفكيك الجغرافي والمجتمعي. وهو ما وجدت فيه إيران فرصه للعودة إلى سوريا، عبر صناعة موطئ قدم لها في غرب سوريا، وما يجري تطويره بالتناغم مع ما يجري في الشرق باتجاه التقسيم أيضا.
تستهدف الولايات المتحدة عبر قواتها في الشرق ووجود القوات الصهيونية الضاغطة من الجنوب، تكرار نموذج الحالة الكردية في العراق، التي قال عنها وزير الاستخبارات الصهيونية السابق آفي ريختر، في احدى محاضراته عن إستراتيجية اسرائيل، إنها مرحلة أولى يعقبها مرحلة تحقيق الانفصال الكامل الناجز. ونص ما قاله هو “إن تحليلنا النهائي وخيارنا الإستراتيجي هو أن العراق يجب أن يبقى مجزأ ومنقسما ومعزولا داخليا بعيدا عن البيئة الإقليمية”.
وأضاف “الهدف القومي الذي حددناه، هو تحقيق الحكم الذاتي في المرحلة الأولى ومرحلة الاستقلال الناجز بعد ذلك”.
ما يجري الآن أمريكيا، هو حماية المجموعات العسكرية الكردية الانفصالية تحت عنوان الفيدرالية. وإن تم لأمريكا ذلك سيكون العراق وسوريا أمام إطلاق المرحلة الثانية من مشروع تشكيل ما يسمى بدولة كردستان الكبرى.
إيران في موقفها الراهن تلعب على نفس الوتر، وتتخادم مع الموقف الأمريكي في الشرق لكي تصل إلى نمط فيدرالي مشابه في غرب سوريا، وقد رأينا تهديدات وزير الخارجية الإيراني، وما تلاه من أعمال عنف وهجمات وقتل طائفية ضد قوات الحكم الجديد في مدن اللاذقية وحمص ومن مظاهرات تهتف بشعارات طائفية.
لكن موقف إيران قصير النظر، إذ كل من قرأ خطط برنالد لويس ورالف بيترز وغيرهم لإعادة تشكيل الشرق الأوسط، وهى الأصل والأساس فيما يجري وكل من رأى وقرأ الخرائط التي رسموها، يتأكد أن الهدف الإستراتيجي هو الانتقال من إعلان دولة كردستان في العراق وسوريا، الى فصل المناطق الكردية من تركيا وإيران، لإعلان دولة كردستان الكبرى.
ما يحدث في شرق سوريا وتلعب إيران على وتره لتحقيق فصل غرب سوريا، هو معركة الإقليم بجميع دوله، ذلك أن إقرار نموذج الفيدرالية في سوريا بعد العراق، سيمثل تثبيتا للنموذج الذي سيجري تعميمه وتطوير فعالياته في عموم الدول العربية.
الهدف الإستراتيجي الأمريكي الصهيوني هو إنهاء حالة دول سايكس بيكو التي يصفها الأمريكيون بخطة أوروبا الخاطئة التي جرى رسمها لتحقيق أهداف ما بعد الحرب العالمية الأولى، والانتقال إلى تقسيم جديد ينشا عنه عشرات الدول الصغيرة المتناحرة، لإنهاء فكرة وحالة الأمة، ليصبح الكيان الصهيوني قوة وحيدة ساحقة التفوق في الإقليم.