أخبار الرافدين
محمد الجميلي

المتربصون بالثورة السورية والمتسكعون في مرابعها

لكل ثورة متربصون يبغون تشويهها والتشويش عليها؛ والثورة السورية العظيمة ليست استثناءا، فمع أن الفرحين بانتصارها من الأمة هم السواد الأعظم، لكنها لا تخلوا ممن امتعضوا ولم يظهر الاستبشار على وجوههم يوم دخل الفاتحون البواسل دمشق، ولا أعني أولئك الذين شعروا بالمرارة الشديدة، وجعلوا سقوط آل الأسد بمثابة سقوط الأندلس؛ لأن هؤلاء عداوتهم للأمة ظاهرة بينة؛ وإن ادعوا خلاف ذلك، وإن صاموا وصلوا وزعموا أنهم مسلمون.
المتربصون بالثورة السورية والممتعضون من انتصارها، منهم كتاب وسياسيون وإعلاميون وبعضهم يعرف نفسه بالمحلل السياسي والاستراتيجي ويتحدث في الصباح والمساء عن قضايا الأمة، ولكنه عندما كتب الله النصر الكبير لأهل الشام، لم يزد على تهنئة الشعب السوري بكلمات كأنها تحلة القسم، وتحس بأنها (من وراء خشمه) كما يقول العراقيون، وانظر إلى من يهنئ صاحبه بتخرّجه من مدرسة أو بعقد قران أو حفل ختان لابنه ستجد تهنئته أكثر دفئا وانبساطا وارتياحا، لكنه ألقى بكلمات يحسبها واجبا ألقاه عن كاهله، ثم مضى ولم يعقب، وكأنه قلب صفحة لا يود رؤيتها، وهؤلاء كثير منهم في الحقيقة حزانى مكتئبون على هزيمة إيران وحليفها بشار في سوريا، لأنهم مصدقون للآن أنها تقود محور المقاومة ضد الشيطان الأكبر، على الرغم من كل الشواهد بخلاف ذلك، وعلى الرغم من الإعلان الصريح والوقح لإيران على لسان خامنئي نفسه وأركان نظامه، بوقوفهم ضد إرادة الشعب السوري وثورته العظيمة.
وقد وجد المتربصون بالثورة السورية في تصريح سيء وغير مقبول لمحافظ دمشق في لقاء مع إذاعة NPR الأمريكية -نفاه المحافظ نفسه فيما بعد واعتذر عنه وأكد أن ذلك ليس من شأنه- عن إمكانية السلام مع الكيان، فرصة لإخراج ما في صدورهم حتى قال أحدهم: إن النظام الجديد -هكذا سماه- بلغ من الذل مبلغا لم يبلغه سلفه؛ ومع أن هـؤلاء المتربصين يحملون صفة محللين سياسيين واستراتيجيين لكن ذلك لم يسعفهم في معرفة أن الموقف الحقيقي لأي نظام يؤخذ من رئيسه أو وزير خارجيته أو متحدث إعلامي باسمه، وليس من محافظ لمدينة أخطأ أو جهل أو تجاوز صلاحياته.
إن الواجب على كل مسلم عربي حر أن يحسن الظن بهذه الثورة العظيمة التي ضحت بمليون شهيد وقاسى نصف شعبها أو يزيد مرارة التهجير والتغرب وفقد الأحباب طيلة أربعة عشر عاما من عمر الثورة، ناهيك عن الذي لاقاه إخوانهم أو آباؤهم أو أجدادهم على يد النظام منذ استيلائه على السلطة قبل ما يزيد على نصف قرن، ولا يعني حسن الظن القبول بالأخطاء أو تبريرها، وإنما تنزيل كل شيء منزلته، وأخذ الموقف الحقيقي من أصحابه وأهله، وعدم التسرع في كيل التهم والذم لكل قول أو فعل لا يلزم الثورة ولا قادتها بشيء.
وأما المتسكعون في مرابع الثورة وساحاتها فلهم أن يسيحوا فيها ما شاؤوا، ولهم أن يظهروا سرورهم كما أرادوا، ولكن لا يجعلوا من أنفسهم ناطقين باسم الثورة أو أوصياء عليها، كذلك الذي قال هذه ثورتي؛ لأنه كتب قصيدة فيها؛ شكرا عزيزي لقصيدتك، وشكرا لتجشمك عناء السفر، وشكرا لمشاعرك الصادقة وإظهار الفرح بانتصار الثورة على الظالم المستبد، ولكن لتعلم أن أهلها وأصحابها هم الناطقون باسمها، وهم المعبرون عن تطلعاتها، وليس لأحد أن يركب موجتها أو أن يكون وصيا عليها.
أيها المتربصون بالثورة السورية العظيمة؛ إن أبطال هذه الثورة لم يأتوا من جزيرة نائية، وليسوا طارئين أو مرتزقة لأجنبي، بل هم أصحاب البلد وأبناء الوطن، يمثلون ما يقرب من ثمانين بالمائة من سكانه، وهذا قدر كتبه الله لأهل السنة في سوريا أن يكون الخلاص على أيديهم، فصبروا وصابروا وجاهدوا وتحملوا وأعدّوا ما استطاعوا لتحرير بلدهم من طغمة ظالمة، وإعادة نصف شعبها المهجر، وهم مشغولون بتطهير بلدهم من الشبيحة وفلول النظام المجرم وذيوله، وأمامهم تحديات جسام في بناء بلدهم والنهوض به بعد تحطيم ممنهج لعشرات السنين، وقد حققوا الإنجاز الكبير بتخليص بلدهم من الغزو الإيراني الخبيث وحطموا مشاريعه التي صرف عليها المليارات، وأخرجوا خامنئي وحرسه الثوري من سوريا مدحورين مخذولين؛ فإن كان قد أغاظكم اندحار خامنئي وحرسه الثوري فإلى حيث ألقت رحلها أم قشعم، وإن كنتم تعدون انتصار الثورة السورية خيرا للأمة كلها فأرونا ذلك في قسمات وجوهكم، وعلى صفحات مواقعكم، وأما الانزواء في زاوية هناك، تكتمون الخير وتضيقون به، وإذا رأيتم أو سمعتم شرا طرتم به وأذعتموه، فبالله استعنا عليكم وهو حسبنا ونعم الوكيل.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى