أخبار الرافدين
تقارير الرافدين

استقدام الفرق الطبية الأجنبية يعمق أزمة الكوادر العراقية

مختصون يؤكدون أن الحل المستدام للنظام الصحي يبدأ بتطوير المستشفيات ودعم الأطباء العراقيين وليس باستقدام الأجانب.

بغداد ــ الرافدين
حذر مختصون في القطاع الصحي العراقي من تداعيات سياسة استقدام الفرق الطبية الأجنبية التي اعتمدتها وزارة الصحة مؤخرًا، مشيرين إلى أنها تُعمّق أزمة هجرة الكوادر الطبية العراقية وتؤدي إلى إهمال تطوير القدرات الذاتية.
وتثير هذه الخطوة قلقًا متزايدًا وجدلًا واسعًا في الأوساط الصحية والمجتمعية بشأن مستقبل النظام الصحي في البلاد حيث برزت في ظل التحديات التي يواجهها القطاع الصحي وتراجع الثقة المواطن العراقي فضلًا عن انهيار البنية التحتية الطبية.
ويرى المختصون أنها تلقي بظلال قاتمة على مستقبل الكوادر الطبية العراقية وتطوير النظام الصحي بشكل مستدام.
ويعاني العراق منذ عام 2003 من تدهور أمني كبير انعكس بشكل مباشر على مختلف القطاعات ومن بينها القطاع الصحي.
ودفعت الاعتداءات المستمرة على الأطباء وظروف العمل القاسية المئات منهم إلى الهجرة خارج البلاد بحثًا عن بيئة آمنة وفرص عمل أفضل.
وتشير تقارير صادرة عن نقابة الأطباء العراقيين إلى أن البلاد فقدت الآلاف من كوادرها الطبية خلال العقدين الماضيين مما تسبب في فراغ كبير داخل المؤسسات الصحية.
ولا يقتصر الأمر على الهجرة فقط بل إن الفساد المستشري في المؤسسات الصحية ونقص التجهيزات الطبية الحديثة أسهما بشكل كبير في تفاقم الوضع. المستشفيات التي كانت تعتبر سابقًا من بين الأفضل في المنطقة باتت الآن تفتقر إلى المعدات الأساسية، مما زاد من معاناة المرضى ودفعهم إلى التوجه إلى الخارج للعلاج.
وفي محاولة للتستر على استمرار هجرة الأطباء وتدفق المرضى العراقيين إلى الخارج، أعلنت وزارة الصحة عام 2022 عن خطة لاستقدام الفرق الطبية الأجنبية، حيث تم الاعتماد على 275 فريقًا طبيًا أجنبيًا لتعزيز النظام الصحي خلال السنوات الثلاث الأخيرة وفقًا لتصريحات الوزارة التي تدعي من خلال هذه الخطوة توفير العلاجات المتقدمة داخل البلاد وتقليل الأعباء المالية على المرضى.
ولاقت هذه الخطوة انتقادات شديدة من قبل المختصين في القطاع الصحي المطالبين بالحلول الحقيقية لحل مشاكل هجرة الأطباء وإهمالهم داخل البلاد.
ويرى كثير من المختصين أن التركيز على استقدام الكوادر الأجنبية دون دعم الكفاءات المحلية يؤدي إلى إضعاف الثقة بالكوادر العراقية ويدفع بالمزيد منهم إلى الهجرة.
وقالت عضو نقابة الأطباء العراقيين نور البياتي، إن استقدام الفرق الطبية الأجنبية خطوة جيدة من حيث سد العجز الحالي، لكنها ليست حلًا دائمًا، فالمعالجة الحقيقية تكمن في تطوير المستشفيات العراقية وتجهيزها بأحدث الأجهزة الطبية، بالإضافة إلى توفير بيئة عمل ملائمة للأطباء المحليين.
وأضافت أن العراق يمتلك أطباء ذوي كفاءة عالية، لكن الإهمال المستمر وعدم توفير الدعم اللازم لهم يعوق قدرتهم على تقديم خدمات طبية بمستوى عالٍ.
ويشير خبراء آخرون إلى أن الاعتماد المفرط على الفرق الطبية الأجنبية قد يؤدي إلى تراجع الاهتمام بتطوير البرامج التدريبية للكوادر المحلية، مما يفاقم من أزمة الكفاءات على المدى الطويل.
وقال استشاري الجراحة في بغداد الدكتور حيدر الكعبي، إن الاستعانة بالأطباء الأجانب يجب أن تكون جزءًا من خطة شاملة تتضمن أيضًا بناء قدرات الكوادر المحلية وليس بديلًا عنها.
وحملت الجهات المختصة حكومة الإطار التنسيقي مسؤولية تدهور النظام الصحي وعدم وضع خطط طويلة الأمد لتطوير القطاع.
وأكد المختصون أن تحسين البنية التحتية للمستشفيات وتجديد الأجهزة الطبية بشكل دوري يُعدان من الأولويات التي يجب التركيز عليها.
وشددوا على أهمية توفير بيئة عمل آمنة ومحفزة للأطباء العراقيين لضمان بقائهم داخل البلاد.
وفي هذا السياق، أجمع الخبراء إلى تعزيز التعاون بين وزارة الصحة والنقابات الطبية والجامعات لوضع استراتيجية شاملة تستهدف إصلاح القطاع الصحي من الجذور.
ويشمل ذلك زيادة الاستثمار في التعليم الطبي والتدريب المستمر بالإضافة إلى تحسين الرواتب وظروف العمل للأطباء.
وأضافوا أن إعادة الثقة بالنظام الصحي العراقي تتطلب رؤية استراتيجية واضحة ومتكاملة، تأخذ بعين الاعتبار تحسين البيئة المهنية للأطباء، وتطوير البنية التحتية، وتوفير التدريب المستمر لتعزيز الكفاءات المحلية.
وطالبوا أن تكون هناك خطوات ملموسة تهدف إلى تحسين ظروف العمل داخل المستشفيات، بما في ذلك زيادة الرواتب وتقديم الحوافز المناسبة، وتحقيق الأمن المهني للأطباء.
وأكدوا أن الحلول المستدامة لن تتحقق إلا من خلال التزام جاد ومستمر من قبل الحكومة في بناء نظام صحي يعتمد على الكفاءات الوطنية، فضلًا عن الاستثمار في الموارد البشرية المحلية الذي يساهم في تحسين الخدمات الطبية، ويعزز أيضًا من شعور الانتماء والمسؤولية لدى الكوادر الطبية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى