أخبار الرافدين
تقارير الرافدين

اكتظاظ خانق وانتهاكات ممنهجة في ظل غياب العدالة بسجون العراق

التحديات التي تعرقل توثيق الانتهاكات داخل السجون العراقية معقدة، ما يفرض على ذوي الضحايا التحرك العاجل، سواء عبر جهود فردية أو باللجوء إلى محامين مختصين، لتوثيق هذه الجرائم بما يتوافق مع المعايير القانونية والدولية.

بغداد – الرافدين
انتقدت منظمات حقوقية عديدة تردي الظروف الإنسانية في السجون الحكومية حيث يسود الاعتقاد في أوساط الكثير من العراقيين، بأن من يدخله لن يتمكن من مغادرته على قيد الحياة.
ودعت هذه المنظمات، إلى “التحقيق في عمليات الإعدام غير القانونية والوفيات المشبوهة أثناء الاحتجاز”، فضلًا عن “ضمان معاملة المعتقلين المحتجزين “باحترام لكرامتهم”.
وأكدت هذه المنظمات أن السلطات في العراق بالعادة تمارس التجاهل أو الإنكار عند صدور تقارير عن أوضاع السجون وحقوق الإنسان في البلاد، وتكتفي بتشكيل لجان تحقيقية غالبًا ما تكون بلا نتائج ملموسة.
وأكدت شبكة العدالة للسجناء في العراق أن “أوضاع السجون كارثية، حيث يعاني 80 بالمائة منها من تهالك المباني وانعدام الصلاحية للحياة، مع غياب شبه كامل لدور الادعاء العام وعدم تصنيف السجناء، مما يخلط بين المتهمين بجرائم جسيمة وآخرين بقضايا بسيطة.
وشدد مدير الشبكة، شوان صابر مصطفى، على أن 27 بالمائة من السجون لم تزر من قبل الأمم المتحدة، وجميعها تخالف المعايير الدولية للبناء، مشيرًا إلى انهيار الخدمات الصحية، حيث تعمل المستوصفات فوق طاقتها، وسط عجز تام عن التعامل مع الحالات الحرجة، خاصة في السجون النسائية.

أيمن العاني: مشاهد القسوة والجرائم في سجون العراق مسألة ممنهجة ومخطط لها وتم التأسيس وتوفير البنى التحتية لها

وافرد برنامج “تحت الضوء” الذي يبث على قناة “الرافدين” مساحة للحديث عن واقع السجون في العراق وتفاقم معاناة المعتقلين تحت أقبة الزنازين خلال الآونة الأخيرة، في حلقة تحت عنوان كم صيدنايا موجود في العراق.
وقال عضو اللجنة العليا للميثاق الوطني العراقي يحيى السنبل خلال مشاركته في البرنامج إن “المراقب للمشهد السياسي العراقي منذ عام 2003 يعلم أن القوات الأمريكية بدأت مسلسل السجون الوحشية ابتداءً من جرائمها في سجن أبو غريب وسجن المطار وغيرها وحفلات التعذيب التي أزيح اللثام عن وثائقها، والتي ظهرت أشد وحشيه مما سمعنا في صيدنايا وغير صيدنايا”.
وأضاف السنبل “إذا كان في سوريا قد وجدوا تجمعًا واحدًا في سجن صيدنايا ففي العراق هناك عشرات السجون مثلها حيث إن لكل ميليشيا سجن خاص يقوم بالتحقيق والترويع والتعذيب والقتل”.
ولفت إلى أنه ” لا يمكن التعويل على الأمم المتحدة لاتخاذ موقف مستقل وثابت تجاه الانتهاكات الجارية داخل السجون في العراق، فهي في واقع الأمر ليست أكثر من امتداد لوزارة الخارجية الأمريكية، وعلى الرغم من توفر كل الأدلة والحقائق والأسماء، ومعرفة المواقع والجرائم المرتكبة، لم يصدر عنها أي تقرير جريء يوجه أصابع الاتهام إلى زعماء الميليشيات وكبار المسؤولين الحكوميين الذين يقفون وراء هذه الفظائع”
وأكد أن “الأحزاب الحاكمة المتربية في الأحضان الإيرانية جاءت بمخططات الثأر والانتقام من العراقيين ومن أجل إحداث تغييرات ديمغرافية”.

يحيى السنبل: إذا كان في سوريا قد وجدوا تجمعًا واحدًا في سجن صيدنايا ففي العراق هناك عشرات السجون مثلها حيث إن لكل ميليشيا سجن خاص يقوم بالتحقيق والترويع والتعذيب والقتل

وقال مسؤول قسم حقوق الإنسان في هيئة علماء المسلمين في العراق أيمن العاني خلال حديثه للبرنامج “مشاهد القسوة والجرائم في العراق مسألة ممنهجة ومخطط لها وتم التأسيس وتوفير البنى التحتية لها”.
وأضاف العاني “لابد من توثيق الانتهاكات في السجون الحكومية ونشرها وينبغي أن يقتنع الموثق بكلام الضحية فهناك من يعتقد أن الضحية يتكلم في بعض الأحيان بصورة مبالغة ولكن بعد التدقيق نجد أن ما روي لا يعد إلا جزءًا يسيرًا مما خضع إليه من أساليب وحشية قاسية غير سواءًا على الصعيد النفسي أو الجسدي أو الجنسي”.
ولفت إلى أن “من يقومون بالتعذيب هم مدربون على هذا أساليب متنوعة من أشكال التنكيل والتعذيب والتهديد والقتل ومن يموت يكون محظوظًا مع الأسف  الشديد تحت هذه الظروف غير الإنسانية التي لا يمكن وصفها”.
وأوضح بأن “التحديات التي تعرقل توثيق الانتهاكات جسيمة ومعقدة، ما يفرض على ذوي الضحايا التحرك العاجل، سواء عبر جهود فردية أو باللجوء إلى محامين مختصين، لتوثيق هذه الجرائم بما يتوافق مع المعايير القانونية والدولية”.
وأكد على أن التوثيق في ظل الحكومات القائمة على الاحتلال والتبعية يواجه عقبات هائلة. فعلى سبيل المثال، لم يتمكن قسم حقوق الإنسان في الهيئة سوى من توثيق ما يزيد عن 460 حالة تغييب قسري، قُدمت جميعها إلى الأمم المتحدة. وقد أسفر هذا التوثيق عن إطلاق سراح 93 شخصًا، فيما تمكن 200 آخرون من التواصل مع عائلاتهم، بينما استمرت الحكومة في المماطلة بخصوص العدد المتبقي.
وشدد على أن “التوثيق لا يُعد فقط وسيلة لكشف الحقائق، بل هو سلاح فعال لتعزيز القناعة لدى الجهات الأممية بعدم حسن نية الحكومة وافتقارها للمصداقية في احترام المعاهدات الدولية، ما يفتح الباب أمام اتخاذها إجراءات عديدة”.
وسبق أن انتقدت منظمة “هيومن رايتس ووتش” في تقارير “الأوضاع المهينة في سجون مكتظة يحتجز فيها آلاف الرجال والنساء والأطفال”.
وأكدت “سوء أوضاع السجناء في السجون الحكومية، وأن غالبيتها تعاني اكتظاظاً بأعداد السجناء، وإهمالاً، وانعدام الخدمات، وتردي الأوضاع المعيشية والصحية التي ساهمت في انتشار الكثير من الأمراض الجلدية والمعدية بينهم”.

شوان صابر مصطفى: 27 بالمائة من السجون في العراق لم تزر من قبل الأمم المتحدة، وجميعها تخالف المعايير الدولية للبناء

وقال رئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان، فاضل العزاوي، إن “أغلب السجون ومراكز الاحتجاز تعاني من اكتظاظ شديد تجاوز في بعض الحالات نسبة 300 بالمائة، حيث يضم النظام السجني أكثر من 100 ألف سجين وموقوف، وهو عدد يفوق بكثير القدرة الاستيعابية لهذه المرافق، التي صممت لاستيعاب 30 ألف سجين وموقوف فقط”.
وأشار إلى أن “البنية التحتية لمعظم هذه السجون قديمة ومتهالكة، ما زاد من تفاقم المشكلة”، مضيفًا أن “الاكتظاظ الحاد تسبب في انتشار أمراض صدرية وجلدية بين السجناء، وأجبر إدارات السجون على خلط الموقوفين على خلفية جنح بسيطة مع المتهمين بارتكاب جرائم خطيرة، ما يشكل تهديدًا إضافيًا على الأمن داخل السجون وحياة النزلاء”.
بدوره قال الناشط في مجال حقوق الإنسان وسام العبدالله، إن “المشاهد التي خرجت من سجن صيدنايا في سوريا كانت صادمة، لكنها ليست بعيدة عن الواقع الذي تعيشه السجون في العراق، حيث تتكرر الانتهاكات بحق المعتقلين بشكل يعكس تراجعًا خطيرًا في الالتزام بمبادئ حقوق الإنسان”.
وأضاف أن “ما يحدث في بعض السجون من انتهاكات وحالات وفاة تحت التعذيب وفي ظروف غامضة، يضع العراق في موضع المساءلة الدولية، خاصة وأن العالم بات يربط هذه الانتهاكات بالممارسات الموثقة في سجون مثل صيدنايا”.
وأكد على “أهمية إجراء إصلاحات شاملة في نظام السجون، وضمان التزامها بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى