أخبار الرافدين
طلعت رميح

استدعاء داعش لمنع ترامب من الانسحاب من سوريا

شهدت الولايات المتحدة حدثين خطيرين، كان عنوانهما داعش والإرهاب والقتل والدمار في الشوارع ضد المدنيين. لقد وقعت عملية دهس بسيارة قتل فيها 15 من المواطنين الأمريكيين في ولاية نيو أوريالنز، كما انفجرت سيارة أمام برج ترامب في لاس فيجاس، وكان نوع السيارة التي انفجرت مما تنتجه شركة تسلا المملوكة لإيلون ماسك حليف ترامب في الانتخابات الرئاسية، والرجل الذي عينه ترامب لمواجهة الدولة العميقة في الولايات المتحدة.
وقد كان لافتا أن جرى تصنيف أجهزة الأمن الأمريكية للعمليتين فور وقوعهما، باعتبارهما عمليتين إرهابيتين. وأن جرى التأكيد على أن منفذ عملية الدهس كان يحمل علم داعش في السيارة التي استخدمها في جريمة الدهس، وأن السيارة عثر فيها على متفجرات بدائية الصنع. وأن خرج الرئيس الأمريكي المنصرف جو بايدن على الإعلام ليؤكد على أن عملية الدهس هي عملية إرهابية مع إضافة البهارات المعتادة، كما القول بإن أجهزة الأمن تحقق.
وإذ كانت عملية الدهس وما تبعها من عملية تفجير سيارة، تبدو في ظاهرها كحوادث مما تعود العالم على سماعه ومتابعته طوال الفترة الماضية، فقد كان الهدف من العمليتين تحديدا، هو هدف سياسي يتعلق بالوجود والدور الأمريكي في منطقتنا، وتحديدا في سوريا.
لقد جرت العمليتان في وقت وظرف سياسي دقيق، أهم ملامحه ما يجري في شرق سوريا، من تكثيف الضغوط التركية ومن قبل السلطات السورية الجديدة، لإنهاء إمبراطورية قوات سوريا الديموقراطية “قسد” وتفكيك قواتها وإنهاء مخطط تقسيم سوريا، بما يوجه ضربة للمخطط الاستراتيجي الأمريكي المعلن والمتواصل العمل عليه منذ سنوات لتفكيك سوريا والعراق وتركيا وايران، وإقامة ما يسمى في الخطط الأمريكية بدولة كردستان الكبرى.
وقد تحدثت إدارة بايدن بشكل متكرر عن أهمية استمرار وجود القوات الأمريكية في شرق سوريا وعن أهمية دور قوات قسد التي ترفع شعارات الدفاع عن الأكراد في سوريا لمواجهة وحرب تنظيم داعش، وعن أنها هي الحليف الموثوق في تلك الحرب.
وعلى الجانب الآخر، كان ترامب قد تحدث بإيجابية عن دور تركيا في التغيير الذي حدث في سوريا وشدد على أنه متوافق مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وحدد أن مفتاح سوريا أصبح بيد تركيا التي لديها جيش قوي، بما أعاد التذكير بقراره خلال ولايته الأولى، بسحب القوات الأمريكية من سوريا، وهو ما رفضته الدولة الأمريكية العميقة، ووصل الأمر حد استقالة وزير الدفاع الأمريكي، وانتهى الصراع حول القرار إلى منع ترامب من تنفيذ قراره.
كان صراعا علنيا بين ترامب والمؤسسات الأمريكية، انتصرت فيه المؤسسات على الرئيس، وإذ يعود ترامب للحكم ومعه أغلبية في مجلسي النواب والشيوخ، واذ يعلن أنه قادم لتصفية الحساب مع الدولة الأمريكية العميقة، وإذ تحدث مرارا وتكرارا عن إنه يعتزم إنهاء الحروب السابقة فقد كان واضحا وجليا أن ترامب ذاهب إلى سحب القوات الأمريكية من سوريا تحديدا تحت عنوان أن تركيا هي من تتولى إدارة الأوضاع في سوريا، وأنها دولة موثوقة وأنها دولة تملك جيشا قويا.
هنا جاءت العمليتان في الولايات المتحدة وبدوي كبير وبعدد كبير من الضحايا المدنيين لاستدعاء خطر داعش، وللتأكيد على ضرورة بقاء القوات الأمريكية في سوريا، ومنع تفكيك قوات قسد، وللتشديد على الشعار والخطة الإعلامية الأمريكية القائلة بأن الحرب على داعش في الشرق الأوسط هو خط الدفاع الأول عن الداخل الأمريكي، وأن ملاحقتها خارج الولايات المتحدة هو ما يمنع قيامها بعمليات في داخل أمريكا، وأن وجود “قسد” كحليف في تلك الحرب، أهم من الدور التركي.
وليس بعيدا عن ذلك –ويصح القول بأن ما يؤكد نفس التوجه وإن لأسباب أخرى- أن ظهرت فرنسا مؤخرا بمظهر الذي يقاتل داعش في سوريا، إذ شنت طائراتها هجوما على الأراضي السورية تحت عنوان الحرب على داعش. هي نفس الاستراتيجية وإن بطريقة أخرى.
الكل سيستدعي داعش، وإن لم تحضر، فهناك ما يمكن عمله تحت عنوانها، فهي أداة التخويف وأداة يرتكن إليها في تبرير السياسات أو تمريرها.
وإذا كان استدعاء فرنسا لداعش هو لعودة دور فرنسا إلى سوريا ولتثبيت دور لها في هذا البلد الذي لعبت فيه دورا استعماريا طوال تاريخه الحديث، وتعرض للتراجع أمام روسيا من جهة والولايات المتحدة من جهة أخرى، فاللافت في الحوادث الأمريكية إن جرى استدعاء داعش على خلفية صراع بين الحكم الذاهب بنخبه والحكم القادم بنخب أخرى.
وهو ما يعني أننا سنشهد مزيدا من تلك الاعمال الإرهابية على خلفية هذا الصراع الذي هو صراع سياسي وثقافي واجتماعي خطير في داخل الولايات المتحدة.
وربما لن يقتصر أمر إعادة إحياء دور داعش على الوضع في سوريا فقط، بل الأغلب أن كثيرا من الدول ستسير على نفس المخطط في القريب العاجل!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى