حكومة السوداني تغطي على انتهاكاتها في سجن التاجي بإقالة إدارته مجددًا
على الرغم من مرور عامين على إقالة الإدارة السابقة لسجن التاجي إلا أن الشهادات المتداولة حديثًا من داخل السجن تؤكد استمرار نهج التعذيب والمعاملة السيئة حتى بعد تغيير الطاقم الإداري للسجن الأمر الذي دفع السلطات إلى إعفاء الإدارة الجديدة للسجن مرة أخرى.
بغداد – الرافدين
أثار إعلان وزارة العدل في حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني، إعفاء مدير سجن التاجي في بغداد وعدد من معاونيه من مناصبهم، إثر تسريب مقطع لمعتقلين من داخل السجن العديد من التساؤلات حول طبيعة التعامل الحكومي مع ملف السجون الحكومية.
وأجمعت أوساط حقوقية على أن لجوء الحكومة إلى إعفاء إدارة السجن للمرة الثانية على التوالي خلال عامين يدلل على وجود خلل كبير في إدارة السجون يستدعي الوقوف عنده.
وشددت الأوساط الحقوقية على أن قرار إعفاء إدارة سجن التاجي تمثل محاولة للهروب من المسؤولية وخطوة مستهلكة للملمة الفضائح التي تكشفها المقاطع المصورة من داخل السجن بين الحين الآخر.
وظهر أحد المعتقلين من داخل سجن التاجي في مقطع مرئي، وهو يتحدث مع زملائه، حول الطعام الذي وصلهم لأول مرة بعد انقطاع طويل، وقال إن “السجن ليس هدفه الإصلاح بل سينقلب هؤلاء (المعتقلون) ضدكم في إشارة للسلطات الحاكمة.
كما أظهر المقطع، جانبًا من أوضاع السجن المزرية، والاكتظاظ الحاصل فيه، وطبيعة الطعام الذي يتناوله المعتقلون.
وعلى خلفية تداول المقطع المصور بشكل واسع خلال الساعات الماضية قررت وزارة العدل إعفاء، مسؤول الشؤون الداخلية والأمن، ومسؤول التصاريح الأمنية، إضافة إلى مدير سجن التاجي ومعاونيه وإحالتهم إلى التحقيق وفقا لبيان رسمي.
ووجه وزير العدل الحالي خالد شواني، بـ”اتخاذ الإجراءات القانونية، بحق المتورطين بإدخال الهاتف إلى السجن”.
ولم يتطرق الوزير إلى الأوضاع المزرية التي كشفها التسجيل ولا إلى تأخر تزويد النزلاء بالطعام في حين اكتفى بـ “تحريك شكوى جزائية ضد النزلاء بتهمة تهديد أمن الدولة لمحاسبتهم وفق القوانين النافذة”.

وكانت وزارة العدل قد أعلنت قبل عامين، عزل مدير ومسؤولين في سجن التاجي، بعد تسريب فيديو تحدث فيه سجناء عن انتهاكات مروعة داخل السجن.
وتضمن مقطع الفيديو المسرب من سجن التاجي استغاثة السجناء من انتهاكات وصفت بأنها لا أخلاقية ولا إنسانية تمارس بحقهم من إدارة السجن، وذلك من خلال إجبارهم على شراء المخدرات والهواتف النقالة بأسعار باهظة.
وهزت الحادثة الرأي العام في العراق وقتها، وعلى إثرها قرر وزير العدل في حكومة الإطار التنسيقي خالد شواني، إعفاء مدير السجن ومعاونيه وعدد من المسؤولين عن إدارته.
وعقب انتشار الفضيحة، وعرضها بمختلف وسائل الإعلام المحلية نظم وفد من البرلمان الحالي زيارة إلى السجن وعدة سجون للاطلاع على أوضاعها، قبل أن يعلن بعدها رئيس لجنة حقوق الإنسان البرلمانية النائب أرشد الصالحي أن “السجون العراقية كارثية بامتياز”.
وقال الصالحي “كشفنا عن أوراق خطيرة خلال زيارتنا المفاجئة إلى عدد من السجون في العاصمة بغداد وأن هناك مافيات لها نفوذ مقسمة بين من تروّج المخدرات، ومن تبيع وتشتري السجناء، وثالثة معنية بالأطعمة، وأخرى متخصصة بإدخال الهواتف النقالة وشبكات الإنترنت”.
وسبق أن شهد السجن إضرابًا نفذه المعتقلون عن الطعام للمطالبة بشمولهم بالعفو العام واحتجاجًا على المعاملة السيئة والإهمال الطبي الذي يتعرضون له في ظل ظروف قاهرة يعيشونها جراء التعذيب داخل السجن المكتظ بأضعاف طاقته الاستيعابية.
وبينت صور من داخل السجن سيء الصيت الذي ترتفع فيه معدلات الوفيات بين صفوف المعتقلين امتناع السجناء عن استلام وجبات الطعام غير الصالحة للاستهلاك البشري المقدمة لهم على الرغم من تهديدهم بالتعذيب وفقًا لشهادتهم.
وينم الحديث عن استمرار الفساد في ملف إطعام المعتقلين عن حجم التناقض الذي تعيشه السلطة بين تصريحاتها وأقوالها من جهة وأفعالها من جهة أخرى بعد أن أعلن وزير العدل خالد شواني، عند توليه منصبه، عزمه وضع حد لملف الفساد في إطعام السجناء وتقديم الطعام وفق معايير معهد بحوث التغذية.
فيما تؤكد مصادر ان أسباب فشل السيطرة على هذا الملف الحساس عائد إلى سيطرة متنفذين على الشركة المجهزة لإطعام السجناء بهدف الاستحواذ على التخصيصات المالية لصالح أحزابهم وميليشياتهم.
وكانت قناة “الرافدين” الفضائية قد حصلت على تسجيلات عبر خدمة أنت ترى التي تقدمها لمشاهديها، وثقها أحد المعتقلين من داخل سجن التاجي تبين نوعية الطعام الرديئة والكمية المحدودة الموزعة لعشرات المعتقلين في الزنزانة الواحدة.
في غضون ذلك يقول أحد المحامين المختصين بقضايا الإرهاب، إن “السجون الحكومية ولاسيما سجن التاجي تمثل مصادر ثراء وتمويل للأجهزة الحكومية، حتى إن منصب إدارة السجن يباع بمبالغ كبيرة بين الأحزاب لما يمثله من مصدر تكسب مهم في ظل غياب القانون والرقابة”.
وأضاف المحامي مفضلا عدم الكشف عن اسمه أن “هناك فسادًا كبيرًا نُشر في الإعلام عن ملف إطعام المعتقلين وهذا يمثل قمة جبل الجليد فقط، فهناك فساد في ملفات الخدمات وترميم السجون وغيرها من الإجراءات الأخرى، فضلًا عن المعتقلين وذويهم الذين يمثلون أهم مصدر للأموال، مبينًا أن إدارة السجون التابعة لوزارة العدل قد تكون أكثر أجهزة الدولة فسادًا”.
وأكد المحامي أن “المعتقلين في سجون الداخلية يضطرون لدفع مبالغ باهظة لقاء تعجيل دفع ملفاتهم للقضاء أو لإيقاف تعذيبهم وقد يصل الأمر إلى دفع رشى تسلم علنًا للقضاة لحسم قضايا المعتقلين، وأن ملف المعتقلين بالذات لا يخضع لأي معايير إنسانية أو أخلاقية أو حتى قانونية بسبب دوافع طائفية في الغالب، فلجان التدقيق والرقابة والنزاهة إما أن تشارك في الجريمة أو تتغافل عنها”.

وتشهد السجون الحكومية في العراق حالة مأساوية من المعاناة والتعذيب، حيث يعاني المعتقلون من ظروف قاسية تنتهك حقوق الإنسان، ويتعرضون – وفق نواب ومسؤولين – إلى التعذيب الجسدي والنفسي، وسط غياب الرعاية الصحية وتكدس الزنازين.
ويؤدي ذلك، إلى انتشار الأمراض والأوبئة، فضلاً عن حالات الوفاة التي يُعلن عنها بين الحين والآخر من قبل مصادر صحفية، والتي كان آخرها وفاة عدد من المعتقلين مع مطلع العام الجديد داخل سجن الحوت في الناصرية الذي يشبه إلى حد كبير سجن صيدنايا سيء الصيت في سوريا.
وفي هذا السياق يؤكد الصحفي العراقي عثمان المختار وفاة أربعة معتقلين في سجن الحوت (مسلخ الحوت) جنوبي العراق خلال الأيام القليلة الماضية وأن الضحايا من الموصل وبغداد بعدما تم تسليم جثامينهم لذويهم.
وتساءل المختار “كيف يدخل الانسان إلى مكان يُطلق عليه “سجن الإصلاح” وهو بوزن 97 كيلو ويخرج جثة هامدة وزنها 41 كيلو فقط مع مرض تدرن وفشل كلوي؟”.
وكان قسم حقوق الإنسان في هيئة علماء المسلمين في العراق قد أكد في تقرير له أن التعذيب في السجون الحكومية والمراكز الأمنية وأماكن التوقيف التابعة للأحزاب المتنفذة في العراق، ما يزال حالة عامة ومزمنة.
وأوضح تقرير قسم حقوق الإنسان في الهيئة أن حكومات الاحتلال المتعاقبة في العراق منذ الغزو الأمريكي لم تحافظ على وعودها بوقف التعذيب القائم في نظام العدالة الجنائية، كما أنها لم تفِ بالتزاماتها الدولية في هذا الصدد، وسط صمت مريب من قبل المجتمع الدولي.
وأشار التقرير إلى أنه إلى جانب عدم توفر أركان الدولة القانونية في النظام السياسي القائم في العراق ما بعد 2003؛ فإن تبرئة المجرمين وتجريم الأبرياء يعد نهجا سياسيا مستمرا تتبعه حكومات الاحتلال المتعاقبة، ومن بين الأدلة الكثيرة على ذلك تبرئة مرتكبي مجزرة جامع مصعب بن عمير في ديالى، التي راح ضحيتها أكثر من 70 شخصًا، بعد صدور أحكام بالإعدام على مرتكبي المجزرة، ما يعزز حقيقة أن النظام السياسي القائم في العراق، هو نظام مارق خارج عن القانون، تنعدم فيه مقومات قانونية الدولة.
وقال مسؤول قسم حقوق الإنسان في هيئة علماء المسلمين في العراق أيمن العاني في تصريحات خاصة لقناة “الرافدين” الفضائية أن “مشاهد القسوة والجرائم في العراق مسألة ممنهجة ومخطط لها وتم التأسيس وتوفير البنى التحتية لها”.
وشدد العاني على أهمية “توثيق الانتهاكات في السجون الحكومية ونشرها مع مراعاة التدقيق بكلام الضحية فهناك من يعتقد أن الضحية يتكلم في بعض الأحيان بصورة مبالغة ولكن بعد التدقيق نجد أن ما روي لا يعد إلا جزءًا يسيرًا مما خضع إليه من أساليب وحشية قاسية وغير إنسانية سواءًا على الصعيد النفسي أو الجسدي أو الجنسي”.
ولفت إلى أن “من يقومون بالتعذيب هم مدربون على أساليب متنوعة من أشكال التنكيل والتعذيب والتهديد والقتل ومن يموت يكون محظوظًا مع الأسف الشديد تحت هذه الظروف غير الإنسانية”.
وأوضح بأن “التحديات التي تعرقل توثيق الانتهاكات جسيمة ومعقدة، ما يفرض على ذوي الضحايا التحرك العاجل، سواء عبر جهود فردية أو باللجوء إلى محامين مختصين، لتوثيق هذه الجرائم بما يتوافق مع المعايير القانونية والدولية”.
وأشار إلى أن التوثيق في ظل الحكومات القائمة على الاحتلال والتبعية يواجه عقبات هائلة فعلى سبيل المثال، لم يتمكن قسم حقوق الإنسان في الهيئة سوى من توثيق ما يزيد عن 460 حالة تغييب قسري، قُدمت جميعها إلى الأمم المتحدة وقد أسفر هذا التوثيق عن إطلاق سراح 93 شخصًا، فيما تمكن 200 آخرون من التواصل مع عائلاتهم، بينما استمرت الحكومة في المماطلة بخصوص العدد المتبقي.
وشدد على أن “التوثيق لا يُعد فقط وسيلة لكشف الحقائق، بل هو سلاح فعال لتعزيز القناعة لدى الجهات الأممية بعدم حسن نية الحكومة وافتقارها للمصداقية في احترام المعاهدات الدولية، ما يفتح الباب أمام اتخاذها إجراءات عديدة”.
ومنذ عام 2003 زج بمئات الآلاف من العراقيين داخل السجون، بناءًا على اعترافات انتزعت منهم تحت التعذيب ومحاكمات غير أصولية، أو بسبب وشاية المخبر السري وهو النظام الذي عملت به الحكومات المتعاقبة، وكثيرون منهم نالوا أحكامًا قضائية تراوحت من السجن حتى الإعدام.
وعلى الرغم من إقرار وزارة العدل ، بأن نسبة الاكتظاظ بالسجون تصل إلى 300 في المائة، تؤكد تقارير غير حكومية أن نسبة الاكتظاظ وصلت إلى 400 في المائة.
ولا توجد إحصائية رسمية لعدد السجناء في البلد، لكن أرقامًا متضاربة تؤكد أنه نحو 100 ألف سجين يتوزعون على سجون وزارات العدل والداخلية والدفاع، إضافة إلى سجون تمتلكها الميليشيات، وسط استمرار الحديث عن سجون سرية غير معلنة تنتشر في البلاد وتضم آلاف المعتقلين.