أخبار الرافدين
21عاما على احتلال العراق: فشل وفساد سياسيتقارير الرافدين

التلوث يخنق رئة سكان بغداد وينذر بمشكلة مستعصية عن الحل

سكان بغداد يستيقظون الأحد على روائح الكبريت الكريهة مرة أخرى بعدما انتشرت في أجواء العاصمة وضواحيها تزامنا مع تصدر مدينتهم مؤشر التلوث العالمي بعدما تقدمت على العاصمة البنغلاديشية (دكا)، والعاصمة المنغولية (أولان باتور) في الترتيب المعني بقياس جودة الهواء.

بغداد – الرافدين
أثار تصدر بغداد الترتيب العالمي في مستويات التلوث الأحد (وهي ليست المرة الأولى التي تتصدر فيها بغداد هذا الترتيب)، قلق المواطنين وتساؤلاتهم حول أسباب هذه الظاهرة التي تحولت إلى مشكلة يستعصي حلها على الرغم من الإعلان عن تشكيل السلطات لجنة طوارئ للحد من تفاقم هذه المشكلة وأبعادها الخطيرة على البيئة.
ووفقًا لمؤشر التلوث العالمي تقدمت بغداد على العاصمة البنغلاديشية (دكا)، والعاصمة المنغولية (أولان باتور) في الترتيب المعني بقياس التلوث تزامنًا مع الانتشار الملحوظ لرائحة الكبريت القوية، وسط تدهور ملحوظ في جودة الهواء وزيادة حدة المشاكل الصحية، خاصة لدى فئات المجتمع الضعيفة كالأطفال وكبار السن والمرضى.
وتشهد بغداد تسجيل حالات جديدة من الإصابة بأمراض وبائية وتنفسية نتيجة تلوث الهواء وتعدد أسبابه مما يسبب مشاكل صحية كبيرة للسكان ولاسيما من يعانون من امراض تنفسية مزمنة إضافة إلى الأطفال وكبار السن ومن يعانون من أمراض تستوجب وجود أجواء مناخية صحية وأولها وجود هواء خال من الملوثات.
ويعاني حسين حميد كغيره من سكان الكرادة، وسط بغداد، من رائحة الكبريت القوية التي تخنقهم، مشيرا إلى أنه يتوجه يوميا إلى الصيدلية بحثا عن دواء يخفف من حدة هذه الرائحة التي أصبحت جزءا من حياتهم اليومية.
وقال حميد إن “تقديم الشكاوى لوزارة الصحة لم يجدِ نفعا وأن رائحة الكبريت التي كانت في البداية محصورة في منطقة النهروان، امتدت لتغطي معظم أحياء العاصمة، بما فيها الكرادة والدورة وسط وجنوب العاصمة “.
وأضاف “نحن نعاني من أمراض تنفسية وحساسية، والروائح المتصاعدة تزيد من معاناتنا”.
أما عادل فاضل، أحد المتضررين، فيصف معاناته قائلا إن ” حدة الروائح تزداد بشكل كبير بعد الساعة الـ12 ظهرا، وهذا يجبرنا على إغلاق النوافذ وارتداء الكمامات”.
وأضاف فاضل أن سكان بغداد يطالبون الجهات المعنية بالتحرك السريع للكشف عن مصدر هذه الروائح والعمل على إيجاد حل جذري لهذه الأزمة التي تهدد صحتهم وحياتهم اليومية.

التلوث في هواء بغداد يعرض سكانها إلى مشاكل صحية عديدة خاصة لمن يعانون من أمراض تنفسية مزمنة

وعزا موقع “تلسكوب العراق” المعني بمراقبة أجواء العراق السبب الرئيس وراء هذا الارتفاع الحاد في مستوى التلوث إلى وجود جسيمات دقيقة في الجو، يبلغ قطرها 2.5 ميكرون.
وبين الموقع أن هذه الجسيمات الصغيرة تدخل المجرى التنفسي لذلك تصنف كجسيمات خطيرة وهي تشمل مكونات مثل الكربون والرصاص والأمونيا والنيتريت.
ولم تعلق وزارة البيئة على البيانات الحديثة لتصدر بغداد قائمة أعلى المدن تلوثًا مع مطلع العام الجديد بعدما اكتفت في سابقة قل نظيرها على مستوى العالم بدعوة المواطنين إلى عدم القلق والتقليل من الخروج بالهواء الطلق قبل شهرين من الآن تزامنا مع تشكيل رئيس حكومة الإطار التنسيقي محمد شياع السوداني لجنة حكومية لدراسة أسباب هذا التلوث.
وبعد تشكيل اللجنة الحكومية بأيام قدّم وزير البيئة في حكومة السوداني وهو أحد أعضاء اللجنة استقالته من منصبه إلى رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، من دون أسباب رسمية واضحة.
ولم يصدر عن حكومة السوداني أي تصريح رسمي حول أسباب استقالة وزير البيئة نزار آميدي الذي ينتمي إلى الاتحاد الوطني الكردستاني وفقًا لخارطة المحاصصة التي تعتمد عليها تشكيلة الحكومة التي لم تعلن بدورها موافقتها على الاستقالة ولا رفضها لها، لكنّ مصادر وكالة الأنباء الرسمية (واع) أفادت، بأنّ “الوزير آميدي قدّم استقالته (…) من أجل التفرّغ للعمل الحزبي والسياسي”.
وقدمت استقالة وزير البيئة في العراق تفسيرات أخرى، من بينها تردّي الواقع البيئي التي زاد الحديث عنه في الفترة الأخيرة، وتحديدًا مع انتشار الروائح الكريهة، من بينها رائحة الكبريت التي انتشرت في العاصمة بغداد ومناطق من جنوبي البلاد ووسطها. في ظل اتهامات للوزير بالهروب من المسؤولية.
وقد برزت انتقادات عديدة وحملات على مواقع التواصل الاجتماعي، في الشهرين الماضيين، تتّهم وزارة البيئة بالتقصير في معالجة الملفات البيئية الحرجة والتي تمسّ حياة العراقيين، ولا سيّما أنّ رائحة الكبريت وتلوّث الهواء في بغداد أدّيا إلى نقل مئات من العراقيين إلى المستشفيات.
وترى عضوة جمعية إغاثة البيئة العراقية حنان الموسوي، أنّ “وزارة البيئة لم تتمكّن من ضبط أيّ مخالفات بيئية، حتى تلك التي أعلنت أنّها سيطرت عليها قد عاودت الإساءة إلى البيئة، وأدّى ذلك إلى تدهور الوضع المناخي في البلاد، وجرّت معها مشكلات كثيرة”.
وأشارت الموسوي إلى أنّ “وزارة البيئة من الوزارات غير المهمّة” عند السلطات، “لذلك لا يجري التعامل مع أيّ من المستجدّات في داخلها بطريقة التعامل نفسها الخاصة بوزارة الداخلية أو وزارة الدفاع”.

تعاني أجواء بغداد من انتشار رائحة الكبريت بشكل لافت مؤخرًا ما أثار شكاوى السكان من تأثيراتها على جودة الهواء وصحتهم

وسبق أن تحدّث مرصد العراق الأخضر المتخصص بشؤون البيئة، في تقرير له منتصف تشرين الأول الماضي، عن عودة روائح الكبريت في أجواء العاصمة بغداد بسبب استمرار محطات الكهرباء والمعامل ولاسيما معامل الطابوق باستخدام الوقود الثقيل الذي أدى إلى تلوث كبير وخطير في الجو.
ويؤكد الخبير في الأحوال الجوية والبيئية صادق عطيّة، أن “الزيادة في تركّز ثاني أكسيد الكبريت في أجواء بغداد بلغت نحو 60 مليغرامًا بالمتر الواحد، ما تسبّب بانتشار رائحة كريهة تشبه رائحة الكبريت”.
وأشار عطيّة إلى أن “حرق الوقود الأحفوري الذي يُعَدّ المصدر الأوّل لثاني أكسيد الكبريت، ينجم عنه تلوث يصل إلى مستويات خطرة بالقرب من المحطات التي تعمل على الفحم ومن مصافي النفط، وفي المناطق ذات الطابع الصناعي”.
من جهته يؤكد الخبير البيئي موفق صالح، أن الروائح الكبريتية المنتشرة في بغداد تشكل تهديدًا حقيقيًا لصحة المواطنين، حيث تؤثر على الجهاز التنفسي والقلب وتسبب تهيجًا للجلد، مشيرًا إلى أن وزارة الصحة سجلت في تشرين الأول الماضي نحو 200 حالة اختناق أو تهيج جلدي نتيجة هذه الروائح.
ولا يستبعد صالح احتمالية وجود جهات تقف وراء هذه المشكلة بشكل متعمد، مشيرًا إلى وجود عدد كبير من معامل النفط غير المرخصة في محيط بغداد والتي وصل عددها إلى 200 معمل، بالإضافة إلى مولدات الطاقة الكهربائية الأهلية التي تجاوز عددها 25 ألفًا وتعمل بالنفط الأسود، مشيرًا إلى أن الحكومة لم تتخذ أي إجراء حاسم لمعالجة هذه الأزمة، وهذا يثير الشكوك حول وجود مصالح خاصة تستفيد من استمرار هذه الحالة.
وأضاف الخبير البيئي موفق صالح أن احتراق النفط الأسود ينتج عنه غازات سامة مثل ثاني أكسيد الكربون وثالث أكسيد الكربون والكبريت وأكاسيد النيتروجين والكربونات العضوية والدخان الأسود، والتي تؤثر بشكل خطير على صحة المواطنين وتزيد من خطر الإصابة بالأمراض الجلدية والسرطانية، خاصة لدى مرضى الجهاز التنفسي والقلب.
وحذر من مخاطر حرق المواد البلاستيكية في مكبات النفايات، حيث تنتج عنها مواد مسرطنة وغازات ضارة تساهم في تكوين الأمطار الحامضية التي تؤثر على النباتات والإنسان، وشدد على أن المشكلة تتطلب تدخلًا عاجلًا من الحكومة لوقف هذه الممارسات الضارة وحماية صحة المواطنين.
بدورها أشارت عضوة لجنة الصحة والبيئة في البرلمان، النائبة ثناء جاسب الزجراوي، إلى أن ظاهرة انتشار روائح الكبريت في سماء بغداد ليست جديدة، إلا أنها تفاقمت في الفترة الأخيرة بسبب عوامل عدة، من أبرزها استخدام الوقود الثقيل في محطات توليد الكهرباء.
وأوضحت الزجراوي، أن ظروف الرطوبة الحالية تساهم في حبس هذه الغازات السامة بالقرب من سطح الأرض، وهذا يزيد من حدة المشكلة وأن لجنة الصحة بالبرلمان لها تحركات ولقاءات مستمرة مع الطواقم المختصة بوزارة البيئة لمناقشة هذه الظاهرة.
ودعت إلى ضرورة اتخاذ إجراءات حكومية عاجلة للحد من هذه الانبعاثات الضارة، بما في ذلك التحول إلى مصادر طاقة نظيفة وتحديث التقنيات المستخدمة في معامل الإسفلت، مشددة على أن حماية البيئة والصحة العامة مسؤولية مشتركة تقع على عاتق الحكومة والمواطنين على حد سواء.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى