أخبار الرافدين
طلعت رميح

دراما الانتخابات الطائفية في لبنان

بدا واضحا أن الرئيس اللبناني الجديد جوزيف عون، كان على علم مسبقا، بأن قرار انتخابه قد تم اتخاذه.
دول خارجية نجحت في تمرير القرار عبر العصا والجزرة. فعلى صعيد المرشحين الذين تداول أسماءهم الإعلام اللبناني لشهور مضت، انسحب البعض منهم، والبعض الآخر كتم أنفاس تطلعاته. وعلى صعيد الأحزاب أو القوى الطائفية انتزعت موافقتهم انتزاعا. كان التدخل للتأثير على مواقف بعضهم فظا، إلى درجة لم يشهدها لبنان، منذ انسحاب القوات الأمريكية من لبنان بعد المقتلة التي تعرضت لها.
جلسة مجلس النواب لم تجر فيها انتخابات بين مرشحين، بل جرى التصويت للإقرار والتوقيع على القرار الخارجي، ولا نقول إن ما جرى كان استفتاءً على مرشح. وعدم فوز الرئيس بالجولة الأولى من التصويت، كان إجراء تجميليا لا أكثر ولا أقل. والتصفيق الذي شهدته قاعة المجلس بعد فرز النتائج التي أعلنت حصول قائد الجيش جوزيف عون على الأصوات المؤهلة، كان استكمالا للفولكلور الرسمي، وربما صفق البعض بشدة لأن نجاح المرشح المختار، مثل هزيمة لطرف لبناني آخر، كان صعبا من قبل منعه من تعطيل الانتخاب. مجرد مكايدة فيما الكل في الهم سواء.
وبعد التصفيق بأقل من ساعة، خلع الرجل بزته العسكرية وتوجه للبرلمان لإلقاء خطابه -المجهز مسبقا وفق ضرورات من قرروا تمرير اسمه كمرشح وحيد- واستعرض حرس الشرف وغادر من فوره إلى القصر الرئاسي لبدء ممارسة مهامه.
هكذا هي أحوال الدول المنقسمة على نفسها والمتناحرة طائفيا والمرتبط كل قسم مجتمعي منها بدولة خارجية.
الديموقراطية المدعاة في مثل تلك الدول، ليس لها من وظيفة سوى تعميق التباين إلى حد الوصول إلى الوقوف على حافة الحرب الأهلية، وتوفير إمكانية الحصول على فترات سلم بين حرب أهلية وأخرى. وهي آلية تسير على عجل يقودها الخارج كيفما أراد. يعطلها ويجعلها تنتج حربا تارة، ويدفعها للسير ببطيء أو بسرعة إن أراد تغيير الأجواء والوصول إلى نقطة أخرى في المسار الذي يحقق مصالحه.
الدول الخارجية هي من تؤثر وهي من تدير وما تبقى من اعتماد لبعض الإجراءات الشكلية في ملأ فراع مناصب القيادة، لا وظيفة له سوى الحفاظ على وجود شكل الدولة، أمام الشعب والدول الأخرى.
فحين يغيب دور الشعب –قهرا –وتكون السلطة طائفية يتقاسم فيها قادة الطوائف فتات موائد الدول الخارجية، لا تكون الديموقراطية إلا آلية شكلية لتثبيت الدور أو الأدوار الخارجية، وتحقيق مصالح الزعامات الطائفية باعتبارهم وكلاء للدول الخارجية.
لقد ظل اللبنانيون بلا رئيس لعامين وثلاثة أشهر، جراء الصراعات الدولية والإقليمية. وهكذا كان الحال في عدة سوابق. وفي إحدى السوابق تعطل اختيار الرئيس وتعطل دور الرئاسة حتى اتفق الفرنسيون والإيرانيون، فدارت العجلة بسرعة وأعلن انتخاب رئيس.
لكن الفاعلين الخارجيين تغيرت موازين القوى بينهم في هذه المرة.
الآن دخل الأمريكيون على الخط مباشرة، فيما ضعفت قوة التأثير الإيرانية والفرنسية، فجرت عملية تحديد اسم المرشح والانتقال إلى انتخابه بطريقه فظة.
ومن تابع ما جرى خلال السنوات الماضية في لبنان، وشاهد دورة الاختيار والتصويت والتصفيق في البرلمان اللبناني، لا شك تستدعى ذاكرته نفس المشاهد التي طالما شهدها العراق ما بعد الاحتلال.
والفوارق تتعلق فقط، بأن المنوط به اتخاذ مثل تلك القرارات لشغل المناصب، هما طرفان فقط- إيران وأمريكا- على عكس الوضع اللبناني حيث كانت تتعدد الأطراف الفاعلة في اتخاذ القرارات.
عاش العراق مثل تلك الحالة عدة مرات، وفي الأغلب هو قاب قوسين أو أدنى من العودة إلى سيناريو شبيه.
الحال نفسه وإن اختلفت التفاصيل والهوامش.
غير أن هناك من يرى أن قواعد اللعبة ستشهد تغيير هذه المرة، إذ بات متوقعا أن يضعف دور الميليشيات وأن يتراجع تأثير الدور الإيراني في إطار حالة وموجة التغيير التي تشهدها المنطقة حاليا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى