اتفاقية الغاز بين العراق وتركمانستان تصب بمصلحة إيران على حساب المصلحة العراقية
خبراء في قطاعي الطاقة والاقتصاد يفندون تصريحات وزارة الكهرباء في حكومة السوداني المتعلقة بتغطية اتفاقية توريد الغاز من تركمانستان 50 بالمائة من حاجة المحطات الكهربائية لسد نقص الغاز الإيراني.
بغداد – الرافدين
شكك خبراء الطاقة والاقتصاد بتصريحات وزير الكهرباء المتعلقة بتأمين الغاز التركمانستاني نحو 50 بالمائة من الاحتياجات الغازية لتوليد الطاقة الكهربائية في العراق في ظل حديث عن عدم جدوى الاتفاقية اقتصاديًا بعدما منحت إيران الحق بالتحكم بالغاز المتدفق عبر أنابيبها إلى العراق.
واكد الخبراء أن محطات الكهرباء العراقية ستبقى تحت رحمة القطوعات الإيرانية دون تغيير، مايعني أن عمليات وقف الضخ والانقطاع الإيرانية مستمرة وحسب مايقرره الجانب الايراني وبالتالي فإن هذا الاتفاق سيصب في مصلحة إيران وهي من ستتحكم بتدفق الغاز من عدمه.
وبينوا أن اعتماد العراق سيبقى على نفس أنبوب الغاز الإيراني المسمى IGAT6 دون تطوير او توسيع، وبالتالي استمرار عمليات وقف الضخ والانقطاع الإيرانية وحسب مايقرره الجانب الايراني.
وأشاروا إلى أن عقد الغاز العراقي التركمانستاني هو طريقة التفافية جديدة تضمن تسديد العراق لأموال الغاز لإيران، وتضمن وصول الغاز التركمانستاني لإيران لكنها لا تضمن وصول الغاز للعراق.
وكان المكتب الإعلامي لوزارة الكهرباء قد أكد في بيان أن وزير الكهرباء في حكومة الإطار التنسيقي زياد فاضل الذي يزور طهران برفقة وفد حكومي يرأسه رئيس الحكومة محمد شياع السوداني قدّم عرضًا مفصلًا للمسؤولين الإيرانيين حول كميات الغاز المقرر تجهيزها للعراق والعقود الموقعة بين البلدين.
وبين وزير الكهرباء بحسب البيان، أن “المباحثات في طهران، شملت أيضًا طلبًا لتسهيل إجراءات نقل الغاز من تركمانستان إلى العراق عبر الأراضي الإيرانية”، موضحًا أن “العراق سيعتمد بنسبة 50 بالمائة على الغاز التركمانستاني خلال فصل الصيف، مع استعداده لاستلام الغاز الإيراني في حال توفره لتلبية احتياجاته المتزايدة”.
وقال الخبير الاقتصادي زياد الهاشمي إن “كلام وزارة الكهرباء غير علمي وغير ممكن بسبب البعد الجغرافي بين العراق وتركمانستان وعدم وجود بنية فوقية لنقل الغاز مباشرة للعراق”.
وأضاف الهاشمي أن “المشكلة الأخرى تتمثل بمحاولة وزارة الكهرباء تكليف شركة (لوكستن انرجي) السويسرية المغمورة حتى تكون طرف وسيط ضامن لاستمرار تدفقات الغاز التركمانستاني، و ستتكفل هذه الشركة بمسألة مدفوعات الغاز التركمانستاني وضمان تدفقات الغاز للعراق بالإضافة الى استحصال غرامات وعقوبات جزائية مالية لصالح العراق في حال توقف إمدادات الغاز”.
وبين أن “هذه المهام الصعبة والكبيرة والتي تريد وزارة الكهرباء تكليف شركة مغموره بتحقيقها لصالح العراق، تعد مسألة بالغة الخطورة ومنفذ كبير ومحتمل للفساد والتكسب المالي من خلال عمولات او رشاوى محتملة تنشأ نتيجة الاعتماد على شركات غير معروفة وليس لها اسم معروف في سوق الطاقة الدولي “.
وحث الخبير الاقتصادي الرأي العام العراقي على الانتباه الى هذه الجزئية وممارسة كل أنواع الضغط الإعلامي على وزارة الكهرباء لإعادة تقييم عملها بما يخص عقد الغاز التركمانستاني واختيار طرف ضامن وسيط له موثوقية ووزن وأسم دولي يمكن ان يضمن مصالح العراق الغازية ولا يتسبب في هدر الأموال من خلال أبواب فساد محتملة.
ويتفق رئيس مركز العراق للطاقة، الدكتور فرات الموسوي، مع ما ذهب إليه الهاشمي بالقول إن الاتفاقية خاطئة من الأساس، بسبب أن الغاز سيمر عبر إيران، وبالطبع لن يمر مجانًا، في الوقت الذي لا تستطيع في إيران الوفاء بالعقد المبرم مع العراق لأنها تواجه نقصًا حادًا في الغاز يصل إلى 350 مليون مقمق.
وأوضح الموسوي أن العقوبات الأمريكية على إيران أثرت بشكل كبير على تجهيز العراق بالغاز، مؤكدًا على أن هذا الأمر سيطول، وهو الذي لم تخطط له الحكومة، ما جعلها تبحث عن حلول بديلة.
وأشار الموسوي لعدم وجود تخطيط في قرارات الحكومة تجاه هذه الأزمة، إذ إن الغاز المستورد بحاجة إلى محطات لاستقباله، وهذه غير موجودة في العراق.
وفي شهر كانون الأول الماضي خرجت ثلاث محطات كهرباء عن الخدمة بسبب انحسار إمدادات الغاز الإيراني، لتتأثر بذلك عدد من مناطق المحافظات الوسطى في العراق بتوقف المحطات الكهربائية بعد توقف إمدادات الغاز من إيران التي تشهد انخفاضًا في درجات الحرارة خلال هذه الفترة من السنة ما يدفعها لإيقاف صادرات الغاز لتلبية ارتفاع الطلب الداخلي.
وبحسب مصادر مطلعة فإن “محطات بسماية والصدر والمنصورية خرجت عن الخدمة نتيجة انحسار إمدادات الغاز المورد من إيران الى مستويات كبيرة خلال الأيام الماضية”.
وبينت المصادر أن “عددًا من مناطق العاصمة بغداد والمحافظات الوسطى تراجعت فيها ساعات تجهيز الكهرباء بينما شهدت خطوط الطاقة ميرساد وسيربل زهاب انقطاعات خلال الساعات الماضية وتأثرت بسببها مناطق واسعة من محافظة ديالى التي تعتمد على الخطين”.
وأكد مسؤول حكومي وقتها، أن قرار تقليص إمدادات الغاز الإيراني “أحادي الجانب” وجرى بشكل مفاجئ ومخالف للعقد المبرم بين البلدين، فيما أشار إلى أن وزارة الكهرباء طالبت الجانب الإيراني بـ “الالتزام الفوري” بتلك البنود.
وقال المسؤول الذي رفض الكشف عن هويته إن “المنظومة الوطنية تتعرض خلال موجة البرد الحالية، إلى تحديات خارجة عن إرادتها، نتيجة إجراءات أحادية من الجانب الإيراني”.
وأضاف أن “الجانب الإيراني خفض مؤخرًا إمدادات الغاز المشغل للمحطات الغازية من (25) مليون متر مكعب يوميًا إلى (6) ملايين متر مكعب فقط، على الرغم من أن العقد المبرم بين الطرفين يلزم وزارة الطاقة الايرانية بتوريد (50) مليون متر مكعب يوميًا إلى العراق في فترات الذروة الشتوية والصيفية، ولمدة خمس سنوات، لكن هذا الإجراء المفاجئ أدى إلى فقدان ما يقارب (6000) ميغاواط من الشبكة الوطنية”.
وتكلّف فاتورة استيراد الغاز الإيراني ميزانية العراق أرقامًا كبيرة، إذ إن بغداد – على الرغم من كونها ثاني أكبر منتجي النفط في أوبك – لم تنجح بعد في تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغاز.
وتعتزم السلطات الحكومية إيقاف حرق الغاز نهائيًا مع نهاية عام 2028، تزامنًا مع زيادة كفاءة وحدات التوليد إلى أكثر من 65 بالمائة للدورات المركبة، وفقًا لنائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة ووزير النفط حيان عبد الغني.
وأكد عبد الغني خلال لقائه مساعد وزير الخارجية الأمريكي وعدد من الشركات، في شهر أيلول الماضي خلال زيارته إلى معهد بيكر في ولاية هيوستن الأمريكية، أن العراق سيوظف هذا الطاقة باتجاه توليد الطاقة الكهربائية والصناعات المختلفة.
إلا أن هذه التصريحات الحكومية كانت محل تشكيك من قبل مختصين بقطاع الطاقة والغاز وسط تأكيدات استمرار التلكؤ في هذا الملف جراء السياسات الخاطئة وتفشي الفساد مع توقعات بعدم نجاح البلاد باستثمار الغاز خلال السنوات المقبلة، والحاجة إلى سنوات طويلة للوصول إلى هذا الهدف مادامت ترتهن لاتفاقيات استيراد الغاز من إيران.
وفي هذا السياق يبين الخبير الاقتصادي، وضاح عبد الحليم الطه أن “حرق الغاز المصاحب لاستخراج النفط يمثل مشكلة قديمة ومستمرة، تسبب خسائر اقتصادية وبيئية كبيرة للعراق وأن الحلول لهذه المشكلة معروفة ومتمثلة في استثمار الغاز واستخدامه بدلًا من حرقه، خاصة في مجال إنتاج الكهرباء، لما له من فوائد اقتصادية وبيئية”.
ويعزو “الطه” هذا الإهمال إلى “تلكؤ واضح وإخفاق من وزارة النفط”، حسب تعبيره، مشيرًا إلى احتمال وجود أبعاد سياسية وراء هذا الإخفاق لفسح المجال لاستيراد الغاز من إيران.
وأشار إلى أن الفرص كانت متاحة على مدى أكثر من عقدين لاستيراد الغاز من مصادر أخرى بتكاليف أقل.
ولفت إلى أن استيراد العراق للغاز من إيران يتم بتكلفة مرتفعة، تصل أحيانًا إلى ثلاثة أضعاف السعر العالمي مستندًا بذلك عبر إجراء مقارنة بسيطة بين أسعار استيراد الغاز من إيران لكل من العراق وعُمان والتي تظهر فارقًا كبيرًا بينهما.
وأضاف إنه “من المفترض أن يبدأ العراق في إنتاج إضافي للغاز في عامي 2025 و2026، إلا أن اهتمام وزارة النفط بهذا الملف لا يزال لا يتناسب مع أهمية هذا المورد وما يمكن أن يشكله من إيراد إضافي مهم للعراق”.
وخلص الخبير الاقتصادي إلى حتمية إيلاء المزيد من الاهتمام لاستثمار الغاز في العراق، نظرًا لأهميته الاقتصادية والبيئية، وإمكانية تحويله من مصدر للهدر إلى مورد مهم للدخل الوطني.
وفي وقت سابق قال موقع أويل برايس الأمريكي المتخصص في قطاع النفط إن العراق لا يزال ثاني أسوأ دولة في العالم من حيث انبعاثات الغاز المشتعلة بنحو 16 مليار متر مكعب.
وأضاف الموقع، أن إمكانات الاستثمار في الغاز بالعراق ضخمة وهناك العديد من الشركات التي ترغب في القيام بالمشاريع بما في ذلك شركة بيكر هيوز، وتكمن أهمية هذه الخطوة في خفض الكميات المستوردة وتوفير نحو 2.5 مليار دولار شهرياً، وتحول العراق إلى واحد من اللاعبين الكبار في تصدير الغاز إلى أوروبا مستقبلاً.
وأشار الموقع إلى أن الانبعاثات الغازية كفيلة بإنارة 3 ملايين منزل ليلًا ونهارًا إذا استثمرت، وهذا من شأنه أن يخفف من معاناة العراق من الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي.