مساع إيرانية إلى تحقيق صدع كبير في بنية المجتمع العراقي عبر منح مقاتلي الميليشيات الجنسية العراقية
أوساط أكاديمية وقانونية تحذر من تحويل العراق إلى بيئة طائفية عبر تجنيس الإيرانيين والباكستانيين والأفغان بدوافع طائفية، ما يهدد تركيبة البلاد الديموغرافية وطمس هويتها الأصيلة، خدمة لمصالح طهران ومشروعها التوسعي في المنطقة.
النجف – الرافدين
مارست حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني صمتا مطبقا على قضية تجنيس غير العراقيين وتمكين شخصيات تدور حولها الشبهات من الحصول على الجواز العراقي، بعدما عادت إلى الواجهة مرة أخرى بعد تسرب وثائق تُثبت حصول مواطنين أجانب على الجنسية والجواز العراقيين.
ولم تعلق وزارة الداخلية في حكومة السوداني على تقارير صحفية كشفت عن حصول قائد ميليشيا (قسد) في سوريا مظلوم عبدي وعددًا من السوريين والإيرانيين على وثيقة سفر عراقية عبر دائرة الجوازات في مدينة كركوك مركز محافظة التأميم، ودوائر الجنسية والجوازات في مدينة السليمانية بكردستان العراق، والعديد من دوائر النفوس والجوازات في مدن عراقية أخرى.
ويبدو أن صمت وزارة الداخلية في حكومة السوداني نابع من تورطها خصوصا بعد فك ارتباط مديرية الأحوال المدنية والجوازات من وكالة الوزارة للشؤون الإدارية والمالية وربطها بمكتب وزير الداخلية العام الماضي، بحسب أمر صادر من الوزير عبد الأمير الشمري الذي استند في أمره هذا إلى موافقة رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، على هذه الخطوة.
وأثار هذا الصمت جدلًا سياسيًا وشعبيًا، في ظل ما بدا أنه تدخلات سياسية لحصول غير العراقيين على الوثائق الرسمية والأصولية بتدخلات من أطراف ولمصالح سياسية واقتصادية واتفاقات أمنية بين بعض القادة المعروفين بالولاء لإيران بهدف تمكين مشروعها وإكمال حلقات التغيير الديموغرافي للبلاد.
ويعزو مراقبون هذا الصمت إلى عدم قدرة الحكومة في بغداد تبرير منح الجنسية بغير شرعي بعدما تمت عمليات التجنيس بدوافع سياسية وديمغرافية وخلافًا للقانون، وشملت أعداد كبيرة من غير العراقيين أصلا (أجانب وإيرانيين وغيرهم)، ومن ضمنهم مظلوم عبدي زعيم ميليشيا قسد وحزب العمال الكردستاني، المصنف عراقياً حزبًا إرهابيًا بعد تغيير اسمه في الوثيقة إلى خليل محمد حسين.
ويؤكد المراقبون أن عمليات تجنيس الأجانب من قبل حكومات الاحتلال المتتابعة بعد الاحتلال تهدف إلى طمس هوية الشعب العراقي عبر جلب المزيد من الجنسيات الأجنبية وتوطينهم في العراق.

وينص قانون الجنسية العراقية رقم 26 لسنة 2006 الذي يمكن تفسيره حسب مصلحة المشروع الاستيطاني وتغييراته الديموغرافية الخطيرة على بنية المجتمع العراقي التي استمرت آلاف السنين، على أن لوزير الداخلية أن يقبل تجنيس غير العراقي الذي “أقام في العراق بصورة مشروعة مدة لا تقل عن عشر سنوات متتالية سابقة على تقديم الطلب”.
ووفقًا لمشروع التعديل الذي جرى الجدل بشأنه العام الماضي فإنه سيخفف المدة إلى عام واحد، ما يضاعف أعداد المعنيين بإجراء التجنيس.
كما تنص الفقرة الثالثة من المادة 6 في القانون على أنه “لا تُمنح الجنسية العراقية لأغراض سياسة التوطين السكاني المخل بالتركيبة السكانية في العراق”.
وأثارت هذه المحاولات لتعديل مواد القانون وقتها قلقًا في الأوساط العراقية من إمكانية إحداث تأثير سلبي على تركيبة بلادهم الديموغرافية وتطمس هويتها العربية، عبر تجنيس الأجانب لحسابات سياسية إيرانية وخاصة في العاصمة بغداد حيث يوجد مقيمون من جنسيات عديدة مهيأة لنيل الجنسية قبل أن يتوقف مشروع تعديل القانون بسبب الضغط الإعلامي والشعبي الرافض لهذه الفقرة.
ويؤكد المحامي العراقي نبيل العلوي إنّ “القانون العراقي حدّد عدة ضوابط وشروطا للحصول الإقامة والجنسية ثم الجواز، لكن الواضح أنّ الفساد انتقل إلى الدوائر المعنية بهذا الأمر أيضًا، بالإضافة إلى التأثيرات السياسية، مع العلم أنّ منح الجنسية إلى غير العراقي خارج الضوابط، جريمة يحاسب عليها القانون، لأنها تعد جريمة مركّبة واحتيالاً على صلاحية وزير الداخلية”.
وأضاف العلوي، أنّ “هناك آلاف الجوازات العراقية صدرت لغير العراقيين خارج الضوابط، وتمّت من خلال التزوير والرشى والتأثيرات السياسية والعلاقات الحزبية، وهذا الأمر إذا استمر فسيؤدي إلى تراجع قيمة الجنسية والجواز العراقي أكثر من تعثرها في التصنيفات العالمية حالياً”.
ويُعدّ التزوير من أخطر المشكلات التي يعاني منها العراق منذ عام 2003 فبحسب هيئة النزاهة قدّم كثير من الأجانب وثائق مزوّرة ضمن طلبات تجنيسهم، لإثبات أصولهم العراقية، وتم تجنسيهم بلا تدقيق، وبعلم من الحكومة.
وكانت الهيئة قد أعلنت في مطلع عام 2021 عن ضبط 1360 قيدًا مدنيًا مزوّرًا، تم على أساسها منح الجنسية العراقية لأشخاص أجانب.
ويقسم الصحفي منتظر الخالدي، عمليات تجنيس الأجانب إلى قسمين؛ حيث يتمركز تجنيس الإيرانيين في محافظة ديالى لرغبتهم في السيطرة عليها اقتصاديًا وسياسيًا، فيما يتم تجنيس الباكستانيين والأفغان في محافظة النجف وغيرها لفرض سيطرتهم سياسيًا.
وعن أسباب عدم رغبة طهران في سيطرة المجنّسين الإيرانيين على النجف، ويؤكد الخالدي، أن أسباب عدم رغبة طهران في سيطرة المجنسين الإيرانيين على النجف، تتعلق بسيطرة إيران فعليا، فالكثير من علماء الحوزة العلمية إيرانيون، ومنهم المرجع الديني الأعلى، علي السيستاني، كما تعمل على تجنيس بعض الطلبة الإيرانيين فيها، ولكنها ربما ترغب في الحفاظ على قدسية حوزتيها القائمتين في مدينتَي قُم ومشهد.
ويلفت الخالدي إلى أن عملية تجنيس الأجانب تتم بسرّية تامة، ليس خوفًا من الرأي العام، بقدر الرغبة في إبعاد شبهات الانتفاع المستقبلي عن هذه الفئة.
وسبق أن أثارت صور متداولة على منصات التواصل الاجتماعي لمنح الجنسية العراقية لمواطن باكستاني غضب الشارع العراقي و مخاوفه من حدوث عمليات تغيير ديموغرافي.
وتداول ناشطون على منصات التواصل الاجتماعي صورا لشهادة الجنسية العراقية ممنوحة لشخص يدعى (محمد علي محمد حسين علام علي) وهو من أب وأم باكستاني الجنسية، مختومة بتوقيع وزير الداخلية عبد الأمير الشمري، الأمر الذي أثار ردود فعل غاضبة لدى العراقيين.
وتتجه أصابع الاتهام إلى إيران وتورّطها في عمليات التجنيس بشكل رئيس، خاصةً في محافظة النجف، التي يتواجد فيها مرقد الإمام علي رضي الله عنه والتي تلاشت سطوتها عليها بعض الشيء خصوصا بعد حرق قنصليتها إبان ثورة تشرين عام 2019.
ويبدو أن رغبة إيران في تغيير ديمغرافية بعض المُدن ومنها النجف، يرجع بحسب أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، إلى فقدانها الثقة بالكثير من الجماعات الموالية لها، ولذلك تحاول تأسيس قاعدة جديدة موالية لها عرقيًا بالإضافة إلى الارتباط المذهبي.
ويضيف، أن هذه القاعدة ستكون قادرةً على إحداث خلل في الميزان الاجتماعي داخل هذه المدن وتاليًا القوّتَين الدينية والسياسية.
وعن سبب عدم اكتفاء طهران في تجنيس مواطنيها وتجنيس الباكستانيين والأفغان إلى جانبهم يشير الخزرجي إلى أن هاتين القوميتين ترتبطان بإيران عرقيًا أيضًا، على الرغم من أن نسبة هؤلاء قليلة قياساً بأعداد الإيرانيين الذين تم منحهم الجنسية بحسب الواقع الملموس حالياً

ويشير إلى أنهم من ضمن القوميات المغرر بها، ممن لا يمانعون بالحصول على الجنسية العراقية، كونها الحجة الأمثل لبقائهم في العراق واستكمال دراستهم الحوزوية أو للبقاء بقرب المراقد الدينية.
وتعمد إيران على استقطاب هؤلاء وتحويلهم إلى ميليشيات في خدمة أجندة طهران داخل العراق أو في دول الإقليم، مثل ميليشيات “زينبيون” و”فاطميون” التي جندتها إيران للقتال في سوريا قبل الثورة واليمن.
وسبق أن أكد المرشد الإيراني علي خامنئي على أن ميليشيا “فاطميون وزينبيون” كانا بطليعة الحرب في العراق وسوريا.
ولايقتصر أمر تجنيس هؤلاء الأجانب على النجف فحسب إذ يؤكد مصدر في دائرة الجنسية في محافظة ديالى، أن أجانب كُثراً تمكنوا من نيل الجنسية العراقية، عبر هذه الوثائق المزورة أو بضغط من الأحزاب وميليشياتها، وبعلم من الجهات المسؤولة.
ويوثق المصدر الذي فضل عدم الكشف عن هويته كيف أن ضخامة عدد المجنسين دفعت الدوائر المحلية إلى توزيعهم على دوائر أو محافظات أخرى من أجل إبعاد الشبهات وتجنّب تسريب بيانات هذه الوقائع.
ويفيد بأن الميليشيات وبسبب عدم قدرتها على تمرير هذه الوثائق إلا بعد موافقة الموظف المسؤول، تخيّر الموظفين بين تمرير المعاملات بلا تدقيق، وفق مبدأ “وقع ولا تباوع” أي (تنظر)، وبين مواجهة رصاصات الاغتيال في حالة اعتراضهم على التعاون معهم.
ويُذكر أنه في حزيران عام 2018، اغتال مجهولون مدير جوازات محافظة بابل، العميد صفاء الدليمي وقبل ذلك، وفي شهر أيار 2017، أقدم مجهولون على اغتيال مدير دائرة الجنسية في ناحية كنعان التابعة لمحافظة ديالى، غازي العبيدي، برصاصات عدة أردته قتيلاً، وقُتل ضابط آخر برتبة رائد في دائرة جنسية مدينة بعقوبة، مركز محافظة ديالى.