كيف ينبغي لترامب أن يتعامل مع إيران بعد أن انقطعت أذرعها الميليشياوية في المنطقة
لم يير الزميل في المجلس الأمريكي للسياسة الخارجية لورانس هانس مصير ميليشيات إيران في العراق بوصفهم القوة المتبقية لأذرع طهران في المنطقة وتمتلك تأثيرا وسطوة على حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني التي تحظى بالدعم الأمريكي.
إسطنبول- الرافدين
حذر زميل بارز في المجلس الأمريكي للسياسة الخارجية، من أن إيران تظل تهديدا خطيرا للاستقرار العالمي، مما يجعل طهران في مقدمة جدول الأعمال السياسي الخارجي لفريق دونالد ترامب الجديد.
وتساءل لورانس هاس في تقرير نشرته مجلة “ناشونال إنتريست” الأمريكية، هل ستمارس إدارة ترامب سياسة الضغط الأقصى أم ستلجأ إلى مسار الدبلوماسية مع إيران؟ وكيف ستتعامل مع نظام إيراني ضعيف، ولكنه لا يزال يشكل تهديدا خطيرا؟ وهل يمكن تحقيق توازن بين منع إيران من امتلاك السلاح النووي والحد من نفوذها الإقليمي؟
وقال هذه التساؤلات ستظل تطرح نفسها على الرئيس القادم لاسيما في ظل المتغيرات التي طرأت على المشهد في الأشهر الأخيرة من إدارة الرئيس جو بايدن.
ومع مواجهة إيران انتكاسات جيوسياسية، سيجد الرئيس ترامب نفسه قريبا أمام قرار مهم: هل يزيد الضغط على طهران لإضعاف النظام أكثر، أم يستغل هذا الضعف لمحاولة التفاوض على اتفاق بشأن القضايا النووية وغيرها؟
وبدأ خبراء السياسة الخارجية بالفعل في تقديم آرائهم حول الخطوات المفضلة. فعلى سبيل المثال، اقترح رئيس مجلس العلاقات الخارجية الفخري ريتشارد هاس أن يسعى ترامب إلى “تحقيق الهدف الطموح المتمثل في إعادة تشكيل سياسة إيران الأمنية الوطنية من خلال الدبلوماسية، ولكن دبلوماسية تمارس على خلفية الاستعداد والقدرة على استخدام القوة العسكرية إذا رفضت طهران معالجة المخاوف الأمريكية والغربية بشكل كاف.”
ويرى هاس أن هذا الاقتراح يبدو معقولا، على الأقل ظاهريا. ومع ذلك، فإن تاريخ السنوات الاثنتي عشرة الماضية يشير إلى أنه ينبغي على الرئيس الجديد عدم التسرع في دعوة طهران للتفاوض على أمل التوصل إلى اتفاق يخدم المصالح الأمريكية.
ويقول إن استنزاف قوة إيران منذ خريف 2023 كان مذهلا بكل المقاييس. حيث تم القضاء على قيادات حزب الله في لبنان، وقللت من أعداد مقاتليه، ودمرت ما يصل إلى 80 بالمائة من ترسانته الصاروخية.
ومع انشغالها بمصاعب حماس وحزب الله وضعفها بسبب تبادل الصواريخ المباشر مع إسرائيل، الذي أظهر قوة تل أبيب وضعف إيران، لم تتمكن طهران من منع سقوط بشار الأسد، أهم حلفائها الإقليميين.
والآن، سحبت إيران معظم ميليشياتها من سوريا، حيث لا يتمتع الثوار الذين أطاحوا بالأسد بأي ود خاص تجاه إيران، مما ترك طهران بدون “الجسر البري” لتسليح حزب الله.
ولم يير الزميل في المجلس الأمريكي للسياسة الخارجية لورانس هانس مصير ميليشيات إيران في العراق بوصفهم القوة المتبقية لأذرع طهران في المنطقة وتمتلك تأثيرا وسطوة على حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني التي تحظى بالدعم الأمريكي.
ومع ذلك، يرى هاس أن إيران تظل تهديدا خطيرا ليس فقط لحلفاء ومصالح أمريكا الإقليمية، بل أيضا للاستقرار العالمي، مما يجعل طهران في مقدمة جدول الأعمال السياسي الخارجي لفريق ترامب الجديد.
ومع قيام إيران الآن بتخصيب المزيد من اليورانيوم بالقرب من درجة نقاء تستخدم في تصنيع الأسلحة، صرح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأن البرنامج النووي الإيراني قد يكون قريبا من “نقطة اللاعودة”، مما يترك للغرب وقتا أقل وخيارات محدودة لمنع الواقع المزلزل المتمثل في امتلاك إيران أسلحة نووية.
وفي الوقت نفسه، يواصل الحوثيون في اليمن إطلاق الصواريخ على إسرائيل، بينما يعطلون الشحن العالمي في الممرات المائية الإقليمية، ما يضيف مليارات الدولارات إلى تكاليف الشحن الدولية، ويرفع أسعار السلع الاستهلاكية، ويدفع ما لا يقل عن تسع وعشرين شركة شحن عالمية كبرى إلى تجنب قناة السويس والإبحار حول أفريقيا، مما يؤثر على ما يصل إلى خمسة وثمانين دولة.
الزميل في المجلس الأمريكي للسياسة الخارجية لورانس هانس: الوقت لم يحن بعد للدبلوماسية مع نظام طهران
وقال في أوائل عام 2013، واجه الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما معضلة مشابهة. فقد تركت سنوات من العقوبات وقرار نظام “سويفت”، خدمة الرسائل المالية العالمية، بوقف تعاملاته مع البنوك الإيرانية، الاقتصاد الإيراني في حالة انهيار. وانكمش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تقارب 6 بالمائة، وارتفع التضخم إلى 45 بالمائة، بينما بلغت البطالة 10 بالمائة. وبحلول أيار 2013، انخفضت صادرات النفط إلى 700 ألف برميل يوميا بعد أن كانت 2.2 مليون في نهاية عام 2011.
ومع تعثر الاقتصاد الإيراني وتعرض نظامه المكروه لوضع خطير محتمل، خفف أوباما من ضغطه وركز على التفاوض للتوصل إلى اتفاق يقيد البرنامج النووي الإيراني مقابل تخفيف العقوبات.
وسواء قبل توقيع الاتفاق أو بعده، عبر أوباما عن أمله في أن يؤدي الاتفاق (خطة العمل الشاملة المشتركة) الموقع في تموز 2015 بين إيران وست قوى عالمية، إلى تقليل التوترات بين واشنطن وطهران وتعزيز التعاون بشأن قضايا إقليمية أخرى.
ونتيجة ذلك هي صفقة مليئة بالثغرات تفتقر إلى الوسائل التي تمنع طهران من تطوير برنامجها النووي سرا والتي ستنتهي صلاحيتها تدريجيا على مدى عشرين عاما أو نحو ذلك، واقتصاد إيراني معزز أدى إلى استقرار النظام، وبفضل تخفيف العقوبات، نظام لديه مليارات الدولارات الإضافية لتوسيع جيشه وتمويل “شبكته الإرهابية” ومتابعة طموحاته في الهيمنة.
ويتساءل هاس ماذا ينبغي أن يفعل ترامب، الذي سحب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في 2018، الآن؟
ويجيب: أولا وقبل كل شيء، يجب ألا يكرر خطأ أوباما بالسعي إلى اتفاق مع طهران بأي ثمن، مما يؤدي إلى إبرام اتفاق معيب.
وفي الوقت الحالي، ينبغي عليه إعادة فرض حملته “الضغط الأقصى” من القيود المالية على إيران (كما وعد)، وإيضاح استعداده لاتخاذ جميع الخطوات العسكرية وغيرها لمنع إيران نووية (كما ألمح)، وحشد الدول ذات التفكير المماثل لاتخاذ إجراءات أكثر صرامة ضد الحوثيين لحماية الشحن العالمي، وتحميل طهران مسؤولية السلوك المدمر لعملائها الحوثيين.
ويخلص هاس إلى أن الوقت لم يحن بعد للدبلوماسية.