مزاعم السوداني لا تغير قناعة المستثمرين البريطانيين إلى العراق باعتباره بيئة طاردة للاستثمار
وزارة الخارجية الأمريكية تحذر من السفر إلى العراق وتصنفه بفئة المخاطر الأعلى والسوداني يغري مدراء 24 شركة بريطانية للاستثمار في العراق.
لندن- الرافدين
خرج مدراء شركات بريطانية من لقاء رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني، برسائل إعلامية مجردة لا تحفز المستثمرين للمجازفة بنقل أموالهم إلى بيئة خطرة.
وأجمع مدراء شركات بريطانية بعد لقاء السوداني في لندن، على أن العمل الاستثماري لا يثق على الأغلب بالوعود الإعلامية بقدر ما يبحث عن البيئة الامنة ومحفزات النجاح والضمانات الحكومية.
وقالوا إن السوداني في كلامه بعث برسائل إعلامية أكثر من ضمانات اقتصادية للمستثمرين من أجل القدوم إلى العراق الذي لم يزل بيئة طاردة للاستثمار.
واحتل العراق المرتبة الـ 93 عالميا والتاسعة عربيًا في مجال الاستثمار أو ممارسة الأعمال التجارية للعام 2024 حسب مجلة “سي إي أو وورلد” التي أصدرت تقريرها للعام 2024.
واستند التصنيف إلى 11 عاملاً مختلفًا، بما في ذلك الفساد، والحرية (الشخصية والتجارية والنقدية)، والقوى العاملة، وحماية المستثمر، والبنية التحتية، والضرائب، ونوعية الحياة، والروتين، والاستعداد التكنولوجي.
وسبق أن اعترف السفير البريطاني في العراق ستيفن تشارلز هيتشن، بأنه يصعب عليه أن يشجع أقاربه على زيارة العراق في ظل التهديدات والانفلات الأمني وعدم السيطرة على الأسلحة المنفلتة.
وقال هيتشن إنه يتعرض لتهديدات، من بعض الميليشيات.
ولفت السفير البريطاني الى أن “السياحة تعتمد بأمان البلد، والوضع الأمني في العراق أفضل، لكن هناك تهديدات على البريطانيين لذلك لا أشجعهم لزيارة العراق، وأنا شخصيا أتعرض لتهديدات من بعض الميليشيات”.
وأضاف أنه “طالما هناك انعدام للأمن وتواجد للجماعات المسلحة التي تعمل خارج سيطرة الدولة، لن يتوفر الاستثمار ولا فرص العمل والنمو الاقتصادي المستدام الذي يستحقه العراقيون”.
وغالبا ما تشير الشركات العالمية وهي تدرس سوق الاستثمار في العراق إلى المخاطرة والعمل غير الآمن في البلاد.
وتقول شركات دولية إن العراق أشبه بالمغلق، وأن المستثمرين في مجال الطاقة لا يترددون في التعبير عن مخاوفهم من الاستثمار في العراق.
وأخفقت حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني في حماية شركات الاستثمار في العراق من سطوة الأحزاب والميليشيات ولوبيات الفساد المتنفذة، مما أجبر أصحاب هذه الشركات والمستثمرين على ترك مشاريعهم بسبب عدم توفر بيئة استثمارية مناسبة لهم.
وعلى الرغم من امتلاك العراق فرصًا استثمارية كبيرة ومتنوعة، إلا أن تدفق الاستثمار الأجنبي إليه لا يزال ضعيفًا نتيجة الاضطرابات السياسية والأمنية والبيروقراطية الإدارية التي تسهم في تعاظم المخاطر الاستثمارية مقارنة بدول المنطقة العربية.
وسبق أن فجرت شركة “شل” المتعددة الجنسيات وتعد من أكبر شركات النفط في العالم، فقاعة الاستثمار في العراق عندما انسحبت من محادثات مع العراق لبناء مصنع للبتروكيماويات في البصرة بجنوب البلاد. وأكدت “شل” في بيان لها أنها ستنسحب من المشروع.
وخلى العراق من تقرير الاستثمار الأجنبي المباشر والصادر عن مؤسسة “فيدي إنتليجن” البريطانية والتي تعنى بالاستثمارات الأجنبية في مختلف الدول.
وعزا موقع “المونيتور” الأمريكي، تعطل الاستثمار في العراق إلى ابتزاز الميليشيات والعشائر للمستثمرين العراقيين والأجانب ومطالبتهم بدفع أموال طائلة.
وأشار الموقع الأمريكي إلى أن معظم المستثمرين اختاروا الانسحاب من المشاريع، خوفا من الانتقام العنيف في حال عدم تلبية مطالب الميليشيات، مبينا أنه تم تعليق أكثر من 6 آلاف مشروع خلال السنوات الماضية.
ولفت الموقع، إلى أن الميليشيات والعشائر تدّعي امتلاكها لأراضي مهجورة منذ عشرات السنين، مقابل تعويض مالي من شركات النفط أو الاستثمار.
وتزامن لقاء السوداني مع مدراء شركات بريطانية ومستثمرين في لندن مع بيان لوزارة الخارجية الأمريكية عد العراق من البلدان الخطرة محذرا من السفر إليه من بين عشرين دولة أخرى.
وأشار البيان إلى مخاطر أمنية جسيمة وتهديدات محتملة للحياة عند سفر المواطنين ورجال الأعمال إلى العراق.
وصنف العراق من بين عشرين دولة أخرى في فئة المخاطر الأعلى. التي تسلط الضوء على مجموعة من المخاطر الأمنية، بما في ذلك الصراعات المسلحة، وعدم الاستقرار السياسي، والإرهاب، والاضطرابات المدنية الشديدة.
وتأتي زيارة السوداني إلى لندن في إطار إقليمي متوتر جدا في الشرق الأوسط جراء الحرب في قطاع غزة وهدنة هشة في لبنان، فضلا عن العودة القريبة لدونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وهو مهندس سياسة “الضغوط القصوى” على إيران خلال ولايته الأولى.
ويحاول السوداني حليف طهران أن يبدو متوازنا في علاقته ما بين طهران وواشنطن، إلا أنه في النهاية يقع تحت ضغط أحزاب وميليشيات الإطار التنسيقي التي دفعت به إلى رئاسة الحكومة.
وزعم السوداني خلال لقاء ممثلي 24 شركة بريطانية بأن حجم الاستثمارات العربية والأجنبية في العراق وصل خلال عامين إلى 63 مليار دولار.
وأضاف “أن البيئة الاستثمارية وفضاء الأعمال بات مفتوحا وجاذبا لمختلف أنواع النشاطات الاستثمارية والتنموية، وأن الاجتماعات والاتفاقيات التي جرى توقيعها مع الجانب البريطاني تحتاج لترجمتها الى أفعال وخطوات، وأن الجزء الأهم بات يقع على عاتق الشركات”.
غير أن المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا، أكدت على إن الاقتصاد العراقي يعاني من الهشاشة أكثر من الصلابة مع تباطؤ زخم النمو الاقتصادي واستمرار الاختلالات الهيكلية في الاتساع. وسيستمر على هذا المنوال إن لم تقم السلطات العراقية بتغيرات جذرية تبدأ بإيقاف غسيل الأموال ولا تنتهي بتحديث النظام المصرفي.
وأوضحت جورجيفا أن الاقتصاد العراقي مر ومازال في فترات صعبة وأن صندوق النقد يعمل على مساعدة العراق من أجل إعادة مسار الاقتصاد إلى الطريق السليم.
وطالبت مديرة صندوق النقد الدولي بسياسة مالية أكثر صرامة لتعزيز المرونة وتقليل اعتماد الحكومة على عائدات النفط مع حماية احتياجات الإنفاق الاجتماعي الحرجة، وتشمل الأولويات الرئيسية تنويع الإيرادات المالية، وخفض فاتورة الأجور الحكومية الضخمة، وإصلاح نظام المعاشات التقاعدية لجعله سليمًا ماليًا وأكثر شمولًا.
وأضافت أن الجهود في خفض التضخم وتعزيز الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي للبلاد ووضع إجراءات لمنع غسل الأموال، لا تكفي، فهناك أكثر من ذلك ينتظر الاقتصاد العراقي.
وأكدت على حاجة العراق إلى تصحيح أوضاعه المالية تدريجيًا لتحقيق الاستقرار في الديون على المدى المتوسط وإعادة بناء الاحتياطيات المالية.
وأشارت إلى حاجة العراق إلى سياسات اقتصادية سليمة وإصلاحات هيكلية لتأمين المالية العامة والديون نظرًا للنزاعات الإقليمية التي قد تؤثر على أسعار النفط.
وأكدت على أن التنفيذ الفوري لإصلاحات إدارة الجمارك والإيرادات، والتنفيذ الكامل لحساب الخزانة الموحد، والرقابة الصارمة والحد من استخدام الأموال من خارج الميزانية والضمانات الحكومية، هي أمور أساسية لدعم ضبط أوضاع المالية العامة. ومن المهم أيضًا الحد من التمويل النقدي وإصلاح نظام التقاعد.